جاري تحميل ... ألف ياء

إعلان الرئيسية

إعلان

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد علَّم نفسك

 

الإضراب الثقافي

العقيد بن دحو

العقيد بن دحو

كنا قد أشرنا في جل مقالاتنا السابقة الى ما سماه الباحث الكاتب الإمريكي (سيلديز) " الإضراب الجنسي Sexual strike".

تعود فكرة"الإضراب الجنسي" الى مسرحية "ليستراتا" Lysstratat ، للكاتب الدرامي الإغريقي أرستوفانز

Arustophanus..

قد كتبت سنة 411 ق.م. أي 21 سنة من الحرب. و قد شعر الشعب الأثيني لا أمل في انتهائها وعودة السلام ، و فكر الشاعر أن يجد حلا عمليا لإنهائها فأتخذ من شخصية الفتاة ليستراتا بطلة، تقوم بالحل العملي للتخلص من حالة الحرب هذه.فجعلها تدعو نساء أثينا الى العمل ليستلمن مقاليد الحكم بعد أن ثبت لهن فشل الرجال ، و تقرر النساء ارغام ازواجهن على عقد الصلح ، و هددن الرجال بالمقاطعة و هجرنهم بالمضاجع . وقررن أن يتبرجن ليثرن غيرة أزواجهن.

كان هذا نوعا من انواع التحجج و التحرر و تشر وعي ثقافة الدولة و التداول على السلطة و الحكم ، على اعتبار الحمم عن الأغريق (كنز) يجب المحافظة و الدفاع عليه Le pouvoir c'est un trésor. نوع من الإضراب المستحيل الممكن و الممكن المستحيل منا يجب أن يكون.  تبدو فكرة غريبة ؛ ساذجة ؛ لكنها سرعان ما تصير قضية عملية.

أما ما يدعو للدهشة و الإغراب و الذهول  هو الإضراب الثقافي.

فمنذ أن كفّ الفنانون و الأدباء و المثقفون عن مجاراة التاربخ ، و مع التقدم الثقافي و الفني و الفكري الحضاري للشعوب و الامم ، صار الفن و الادب و الفكر وظيفة ، يسقط عليه ما يسقط على على سائر بقية الأشغال و الأعمال الاخرى الفوقية و التحتية ، حيث يذوب الأستغلال الأقتصادي و التجاري في الأستغلال الفني التقني.

صحيح (اللعبة) بين توظيف الفن و الوظيفة الفنية ، و اخضاع الفنون و الاداب الى معادل او مقابل مادي يطرح تأويلات و اشكالات اخلاقية. و على الرغم من الإجتهادات البشرية من تخفيف هذه الوطأة و تضييق الهةة و المسافات البينية و انسنة العائد المادي الا أن الميزان يظل مختلا لا يخضع تماما الى مساطر و قوانين و مقاييس العمل النمطي الاستهلاكي الشرطي البافلوفي ، و إلا كيف يتم تسوية و تعديل الكفة في ميزان العمل و الأجر ء'بين العمال و الأجراء !؟

 بين نصير الذهب و الفضة ، يعطي ذهبا و فضة ينفقهما رجل الأدب كلما حصل عليهما ، و بين رجل الأدب و الفن و الثقافة يعطي فنه و دمه و عرقه الذي لا يمكن أن يصرف بأي حال من الأحوال !.

 و مع هذا لم يتأخر الفنانون و الأدباء و المثقفون في النضال بإسترداد حقوقهم و جعل حكومات الدول ترعى و تحمي حقوق الشغيلة في حقل قطاع القيم الإنسانية.

فمنذ ظهور المدرسة السيريالية (1919-1939) قدم هذا التيار أو هذا المذهب العشرات من الشهداء ، و شهدت كبريات عواصم الدول الاوروبية لاصقات و لافتات اشهارية منددة بمآل حال الذي آل اليه وضعية الأديب الفنان المثقف الاجتماعية.

بل بلغ العديد من المناضلين الفنانين الى الإنتحار احتجاجا الى ما وصلوا اليه من تدمر ، و من ضيق ليس ضيق العيش فحسب و انما ضيق الحربات و المساواة و العدالة.

حتى انهم رفعوا شعارات احتجاجية:"لا حرية لأعداء الحرية"!

و قال بعض المفكرين العرب : " كل الحريات في الوطن العربي لا تكفي لشاعر واحد "!.

ساعتئذ تبدو السيريالية قضية خاصة هو تاريخ شهدائها الثلاث. فقد انتحر (جاك فاشيه) سنة 1918 ، و اطلق (جاك ريغو) النار على نفسه سنة 1929 ، و قد انتحر الثالث (رينه كريفل) لقد شعروا جميع هؤلاء بالملل و الكلل و من اللاجدوى الاداب و الفنون و الفكر و الثقافة و لا سيما منذ ان ظهرت فكرة الهروب من المجتمع و فصل الادب عن الظاهرة الاجتماعية.

لا تزال قوانين العمل ترى من الفعل الثقافي و الأدبي و الفني الفكري بالعالة عن المجتمع. يرونه قطاعا غير منتج فمابالك أن يكون المربح ، أو كأن يكون بنية فوقية أو ذاك الرأسمال الانسان.

لذا عندما نجد فئة من المثقفين او الادباء او الفنانين بمدينة ما في دولة ما مضربة ذاك انها وصلت الى مستوى من الوعي يجعل هذا الأخير ينتقل من التطهير و التكفير الأرسطي ، كأن يكتفي الفنان عندها بعرض لوحاته و كفى ، أن يكتفي بتلك الرعاية و الدعم ذر الرماد في الأعين الى حق فعلي حقيقي يطالبه الادباء و الفنانين و المثقفين من دولتهم لا صدقة.

و منذ ان صار الأدب سلطة 1578 و الاديب رجل ادب ، تضاهي سلطته سلطة رجل الدين أو سلطة رجل الدولة أو سلطة رجل المال و الاعمال. و رغم أن ما يقدمه من انتاجات معنوية الا أن هذا لا يمنع من يحتج و يناضل في سبيل استرداد حقوقه الطبيعية مادام الوطن للجميع ، و شعار الديمقراطية التشاركية تملأ فجاج القنوات و المحطات الإعلامية الشمولية.

الإضراب عموما من اجل اهداف سامية فكرة نبيلة حضارية ، و الأكثر حضارة عندما تتبناه ، الفئة التنويرية الإنتلجنسيا  ، ليست دائما مطالب اجتماعية ، و انما من اجل استتباب الأمن و السلام الوطني و العالمي أو من اجل (التغيير) كفكرة ، تلك الفكرة التي تغير وجه المحيط أو العالم. أو الضغط على حكومات الدول من اجل تبني مشروعا كونيا او محليا تزدهر من خلاله الامة و الشعب معا.

أو من اجل وضع سقف محدد الامية و الفقر.

أو الاضراب من اجل توزيع الثروة او مكافحة الفساد أو من اجل التنشيط الثقافي.

ورغم أن الدستور الجزائري في حق العمل و العمال لم يشير الى الإضراب الثقافي ، الا من حين الى آخر نتفاجأ بإضراب ما في مكان ما في زمان ما ؛ سواء على مستوى المؤسسات أو الأسخاص ، كذاك الإضراب الثقافي الذي شنه الناشط الثقافي الكاتب و الاديب عبد الرزاق بوكبة ، معركة الأمعاء الخاوية مع مؤسسة التلفزيون الجزائري سنة 2017.

غير ان الجزائر تداركت مؤخرا فأنشات عدة قوانين و مراسيم من اجل انشاء نقابات فنية تابعة للنقابة اتحاد العمال الجزائريين التقليدية و اخرى حرة مستقلة ، و كذا من اجل تعزيز اواصر  الفنانين و عرى المثقفين مع دولتهم وحكومتهم

غير ان هذا لا يمنع ان اضراب الفنانين و المثقفين و الادباء ، اضراب محاكمة ضمير ووازع أخلاقي لا يعادله اضراب يقدر بثلاثة اضعاف اضراب الرجل العامل العادي. اضراب الادمغة و القلوب معا ، العقل و العواطف.

صحيح هو لا يسقط حكومات  دول ، و لا يغير في نظام الحكم شيئا ، لكن يعمل على فك ذاك الارتباط الوشائجي الروحي الذي كان قائما بين المواطن ورجل الدولة.

ما اصعب و اخطر هدوء اضراب مثقف حين يجابه مصيره مع جهاز بيروقراطي يريد بحول كل ما هو امامه الى ارقام وملفات علب ارشيف (...) ، في حين نضالات و تعاضد و دفاع المثقف من أجل ان يظل الانسان انسانا ، و ان يظل العامل عاملا امام ضميره و حقوقه و ليس امام آلة أو رب العمل يريد ان يحول كل شيئ امامه بشر و حجر و شجر الى مجرد شيء من اشيائه ، يطرد من يشاء من غير حقوق و يحتفظ على من يشاء بغير حقوق ايضا و دون حماية اجتماعية أو حدمات أخرى تذكر.


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *