جاري تحميل ... ألف ياء

إعلان الرئيسية

إعلان

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد علَّم نفسك
آراءإسلاميكريم القاسم

الاسـتـدراج والإبـتـلاء

 

 كريم القاسم

الاسـتـدراج والإبـتـلاء

 (( أخي القاريء الكريم : لستَ مُجبَراً على التعليق . إقرأ فقط .. الغاية هي تعميم الفائدة .. إحترامي وتقديري))

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( الاسـتـدراج والإبـتـلاء )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*(اللّهم لا تستدرجني بالإحسان، ولا تؤدّبني بالبلاء)

ــ الدعاء هو أحد فنون الادب النثري الذي يتميز بدقة النسج ، ورَفاهَة التركيب ، والسجْع الجميل ، والمَجاز البليغ ، الذي يحمل مسحة قرآنية واضحة .

ـ الدعاء هو رياضة روحية ودواء ناجع لإصلاح الذات البشرية ، والذي طالما كان هو الهدف المرجو والمقصَد المطلوب .

ــ إن لآل البيت رضي الله عنهم وأرضاهم منزلة عظيمة ، فهم الدعاة الحقيقيين لرسالة السماء بعد نبي الرحمة محمد (صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين)

وهم المادة النقيّة لانعكاس الأدب الانساني وجوهر العبادة، وهم ورثة النبوة ، لساناً وخلقاً.

وما وجد التاريخ لهم هفوة أو إساءة طيلة فترة عيشهم وسط بحر متلاطم بالمشاكل والاشكاليات ، بل كانت حياتهم جلّها تضحيات ، ودعوة في سبيل الحرية وإحقاق الحق ، والاستدلال على مَواطن الرفاهية المجتمعية ، كون الانسان هو الغاية الاسمى في الحياة .

ولذلك ؛ نجد اجلالهم وتوقيرهم وتبجيلهم قد تُرجِمَ على لسان الكثير من اهل العلم من المدارس والمذاهب الاسلامية .

ـ لاشك إن منطق اهل البيت مستوحى من القرآن الكريم ومن كلام سيدنا محمد (صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين) كونهم تربّوا في كَنف الرسالة ، واستنشقوا عبير النبوة.

ــ إن الدارس والباحث في تراث اهل البيت سيجده مُكلّلاً بسِمَة الدعاء .

وهذا التراث الثريّ قد تميز بالوفرة والبلاغة ، وقوة الحجّة والبرهان الساطع ، مع أدبٍ فريدٍ من نوعه في التخاطب مع الذات الإلهية .

وللدعاء أسرار قد يَغفل عنها الكثير ، فهي ليست مجرد رصف كلمات ، وتجاور الفاظ بسيطة او معقدة ، بل لابد ان يَستمد الدعاء مادته البلاغية من القرآن الكريم ، أو الحديث النبوي الشريف . فقد يؤدي الرصف الخاطيء للمفردات عكس مايرجوه صاحب الدعاء .

والدعاء ليس غريبا على طبع الانسان ، فهو وسيلة الانقاذ الروحية على وجه البسيطة ، وهو الملجأ الآمن والوحيد عند نزول الشدائد والابتلاءات رغبة في الخلاص والنجاة .

• لماذ دعاء اهل البيت ؟

ــ إن المُتطلع الى الكمِّ الوفير من الادعية الواردة والمؤلَفة قديماً وحديثا ، سيجد تبايناً كبيراً بين ادعية (اهل البيت) والادعية الاخرى ، لما تحتويه وتتضمنه من دقَّة النسج ، ومتانة الاسلوب ، وكثافة اللفظ ، وبلاغة المعنى .

والأهم من ذلك كله ؛ هو انها لاتتقاطع مع القرآن الكريم او الحديث النبوي الشريف ، بل انك تشعر عند قرائتها وكأنها تفسير لآي القران الكريم ، حتى تجد نفسكَ سارحاً في ملكوت شَفّاف ، ُيحرِّك كلّ مفاصل الوجدان الحيّ .

  كل النقّاد واهل الاختصاص وجدوا إن اهل البيت هم القلم الأعلم بهذا الفن .

 بل وهم الفكر الأسنَم ، لايرقى منارتهم مُرتَق ، ولا يصل شأوهم مُستَق .

لقد تنوعت اهداف ومقاصد الادعية في التاريخ وعلى مختلف الألسن من دعاة المسلمين ممن أجادوا اسلوب الدعاء .

فما مِن حاجة إلا وتجد لها دعائها الخاص ، واسلوبها المتفرّد ، حتى جَمَعَ وبوَّبَ اهل العلم الكثير من المصنفات والكتب والمراجع بهذا الخصوص ، لما تحويه من تراثٍ عميق الاثر نقيّ الوجدان .

• بعد هذه المقدمة المكثفة ، لابأس أن نبحر في دعاء الامام الحسين بن علي بن ابي طالب رضي الله عنهما وارضاهما :

(اللّهم لا تستدرجني بالإحسان ولا تؤدّبني بالبلاء)

نوع الدعاء /

ـــــــــــــــــــــــ

الادعية نوعان من حيث مساحة الفضاء التأليفي (طويل وقصير).

الدعاء الماثل أمامنا هو من النوع (القصير) ويأتي حاملاً نكهة الومضة .

وهكذا دعاء قصير يأتي ضمن إرهاصات وجدانية ذاتية خلال لحظة تأمل آنية ، وفي لحظة عَوز النفس البشرية الى السماء .

الإيجاز /

ـــــــــــــ

الايجاز في الكلام هو جوهر البلاغة ، وفيه ينقص التعبير على قدر المعنى .

ولوتأملنا الدعاء الماثل ، لوجدنا معان كثيرة صُبَّتْ في الفاظه القليلة ، وقد تَضمَّن الافصاح والإبانة .

• لماذا الايجاز في هذا الدعاء ؟

ــ إن آل البيت لم يحتكروا الدعاء، ولم يجعلوه سراً مخزونا يتوارثونه هم فقط ، بل كانوا دعاةً أُصَلاء أنقياء أتقياء كِراماً بَرَرة .

فهم طلاب مدرسة النبي محمد ، وورثة علمه . لذلك ففي إنشائِهم للأدعيه يشرق هدف أسمى من الهدف الشخصي ، فهم مَن قال فيهم ( الفرزدق ) :

(إنْ عُدّ أهْلُ التّقَى كانوا أئِمّتَهمْ .....

أو قيل مَن خيرُ أهل الأرْض، قيلَ هُمُ )

ـ لذلك ففي إيجازهم للدعاء يرومون به الإختصار ، وتقريب الفهم للمتلقي ، وسهولة الحفظ .

الإستدراج /

ــــــــــــــــــــ

جاء في المعاني الجامع :

" استدرجَ اللهُ العبدَ: أخذه قليلاً قليلاً ولم يباغته ، أمهَله ولم يعجّل عذابَه"

ـــ الاستدراج فعلٌ إلهي لايخص (الكافر) فقط بل يخص حتى (المؤمن) .

والعبد حين تتوالى عليه النِعَم وهو مستمر بالذنب فهو مُستدرَج من حيث لايعلم.

• روى الامام احمد في مسنده :

جاء عن عقبة بن عامر عن النبي (ص) قال :

(اذا رأيتَ الله يعطي العبدَ مِن الدنيا على معاصيه مايُحب ، فإنما هو إستدراج )

ـ لوتمعّنا في الشطر الاول من دعاء الامام الحسين (إللهم لا تستدرجني بالإحسان) لوجدنا لفظة الاستدراج يتضمنها الآي القرآني في مقامات كثيرة .

ــ مثلاً ... في قوله تعالى :

(فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) القلم : 44 ، 45

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) الاعراف: 82

ــ لذلك نجد معنى الشطر الاول من الدعاء هو الخوف من استدراج الله لعبده بالنعم المتوالية .

وهذا الاستدراج هو أشبه بالفخ الإلهي الذي لا يَنجُ منه إلا مَن تدارَكَ الأمر في الوقت المناسب وقبل فوات الاوان .

لأن هذا الاحسان هو نعمة ظاهرة قد تُغري صاحبها الى الولوغ في الذنب والاساءة ، لكن باطنها هو السِرّ الإلهي العظيم ، حين يأخذ عبده المسيء أخْذَ عزيزٍ مُقتدِر .

ـ وهذا المعنى تضمنته معظم آيات القران التي تحوي هذا اللفظ .

فاستدراج الله لعبده المذنب هو الأخذ له شيئا فشيئا ، دون مباغتة أو مفاجئة أو عَجَل ، حتى تحلّ العقوبة في وقتها المُقَدَّر .

ــ اذاً الاستدراج يقابله البلاء دائما .

ولو تأملنا مواضع لفظة (الاستدراج) في القرآن الكريم لوجدناها تتضمن ذات الغاية وهي العقوبة والابتلاء ، ولذلك بعد كل استدراج يتبعه كيد الله المتين .

ــ ونلاحظ إن هنالك فسحة زمنية مناسبة في الاستدراج، تختلف مِن إستدراجٍ لآخر ، وكما تقتضيه الحكمة الإلهية . وفي هذه الفسحة يتجسد عطف الله ورحمته بجعل العبد في محطاتِ فُرَصٍ لعلهُ يتوب أويستجيب .

التأدّب/

ـــــــــــــ

ـ جاء في المعاني الجامع :

أدَبُ: (اسم)

* الجمع : آداب

* الأدَبُ : رياضة النَّفس بالتعليم والتَّهذيب على ما ينبغي.

أَدَّبَ: (فعل)

* أدَّبَ أَبْنَاءهُ فَأحْسَنَ تَأدِيبَهُمْ : هَذَّبَهُمْ، رَبَّاهُمْ تَرْبيَةً حَسَنَةً مَنْ أَدَّبَ وَلَدَهُ صَغِيرًا سُرّ بِهِ كَبِيراً.

* أَدَّبَنِي رَبِّي فَأَحْسَنَ تأديبي

* أدَّبَهُ الْمُعَلِّمُ لِتَصَرُّفِهِ السَّيِّءِ : عَاقَبَهُ عَلَى تَصَرُّفِهِ.

ــ إذاً المُراد بـ (الأدب) يختلف عن المراد بـ (التأدّب) فالأدب هو رياضة نفسية لجمع محاسن الاخلاق ، بينما التأدّب يطلق على تعلّم الأدب والدعوة اليه ، مع المعاقبة والتعزير على سوء التصرف فيه .

ـ لذلك عندما نقول :

زيدٌ أدَّبَ عَمر ، اي عاقَبهُ وعزَّرَهُ على الذنب أو الاساءة .

  بعد هذه الفوائد ، لنتأمل الشطر الثاني من دعاء الامام الحسين :

(ولا تؤدّبني بالبلاء)

ــ البلاء هو الجهد الشديد في الأَمر .

والابتلاءات كثيرة ومتنوعة يعاقب الله بها عباده المسيئين على مَرِّ الأزمنة والدهور .

لذلك يؤكد الامام (الحسين) على ان البلاء هو نوع من التأديب الالهي لعباده ، وهذا التأديب سيكون فيه شدَّة وصعوبة ، فهو عقوبة لايستهان بها ، كونَه عقوبة السماء .

إذاً الشطر الثاني يتضمن اشارة بلاغية خفية ، وهي (ربّي إذا كُنتَ تريد تأديبي فلا تأدّبني بالبلاء ، فإني عبد ضعيف لا اتحمل الابتلاءات)

ـ وهذا من جميل القول وأحسنه في الاشارة بين يدي الربّ الرحيم لتصحيح الإنحراف .

ـ إن هذا النوع من التأديب يشتمل أمرين مِن أربع ، وهما ( تأديب انتقامي ، تأديب عقابي) . والأمران الآخران ليس هذا مقامهما .

• الاول /

ـــــــــــــــــــ

وهو أعظمهم وأكثرهم تدميرا ، كونه يخص الظالمين ، فيستدرجهم الله الى مصير محتوم وهو الفناء .

ــ كقوله تعالى :

﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ﴾ القلم : 17، 18 ، 19 ، 20

• الثاني /

ــــــــــــــــ

فيه شِدَّة وأهوال وصعوبات ، يعاني منها العبد كي يُصحح مساره بعد الاساءة والذنب .

ـــ كقوله تعالى :

﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) البقرة: 155

ـــ مما تقدَّم نستدل على إن الحسين بن علي بن ابي طالب (رضي الله عنهما ) قدَّمَ لنا دعاءً يُعَدُّ أنموذجا في أدب الدعاء ـ كون الخطاب بين العبد وربه ـ فقدَّم صورتين بلاغيتين لتفادي العقوبة الالهية .

ــــ وأيّةِ عقوبة ؟

ـ إنها الاستدراج والبلاء .

و تضمَّنَ الدعاء مفاهيماً قرآنية تخصّ ذات الامر ، لكنها تكثفتْ بشطري دعاء .

وقد اكتفى الامام بالشطرين ، لأن غاية الدعاء هو دفع البلاء .

والبلاء نتيجة للذنب والإساءة ، أمّا وسيلة العقوبة فهي الاستدراج والتأديب .

  ويبقى اهل البيت مصابيح هدى ... فهم :

مِن مَعشرٍ حُبهُمُ دينٌ وبُغضُهمُ ...

كُفرٌ، وقربُهمُ مَنجىً ومُعتَصًمُ

يُـستَدفَعُ السُّوءُ والبلوَى بِحُبِّهمُ  ...

وَيُستَزادُ بهِ الإحسَانُ وَالنِّعَمُ

مُقَدَّمٌ بَـعدَ ذِكرِ الله ذِكرُهُمُ ...

في كُلِّ فَرضٍ ومَختومٌ به الكَلِمُ

 •(احترامي وتقديري )

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *