"العقيد" هذا الإسم الذي يشبهني
العقيد بن دحو
العديد من الإخوة و الأصدقاء ، سواء كانوا داخل الوطن أو خارجه ، يسألوني عن غرابة و ذهول اسمي "العقيد" ، و لعل آخرهم الصديق العزيز اعسر علي علي من جمهورية موريطانبا الشقيقة حاضرة (شنقيط) و بلد مليون شاعر و شاعر ، بلد القطار العابر الصحراء حتى بحيرة السينغال غربا. و أنا على علم اليقين لن يكون الأخير من يسأل و ما ظلم !.
اولا / يعود الفضل لوالدي هو من سماني " العقيد" على اسم والده
فقبيلتنا بالجنوب الغربي الجزائري ، و بالضبط اقليم وادي الساورة ، تتوارث الأسماء
كما تتوارث (التركات) أبا عن جد ؛ لتظل صورة الجد او الاب قائمة حاضرة بالمخيال
الجمعي ، عندما ينزل الغياب الأعظم او الأكبر ، الى أفول لا يؤوب منه مسافر.
ثانيا / كلمة " العقيد" : إسم عربي بإمتياز ، لغة قد يعني قمة
النجاح ، و اصطلاحا : جاءت و منه : مقطع مهم من قصيدة "اليادة الجزائر"
شاعر الثورة الجزائرية "مفذي زكريا" يقول : و عقدنا العزم أن تحيا
الجزائر
فأشهدوا
فأشهدو.....
غير ان فيلولوجيا ، فقه اللغة نقول " العُقد" ، و منه جاءت عقدة
اوديب ؛ عند الرجل حيث " اوديب ملكا' ، و عقدة أوديب عند المرأة حيث
"إلْكِترا" (سيقموند فريود).
ثالثا / ايها الأخ الصديق العزيز أنا مدنيا و لست ضابطا عسكريا عقيدا في
الجيش. غير أني لطالما كنت اعتز و لا زلت بهؤلاء ضباط الجيش وهم ببزتهم العسكرية و
نياشينهم تعلو اكتافهم وتوشح صدورهم و كأنهم نجوما على الأرض يمشون سلما و سلاما ،
تبرق حرية من أعماق أعماقهم حبا و ايمانا بالوطن متشبعين بروحهم الوطنية.
رابعا / خلتني من خلال صورة بروفيلي كما تقول على صفحة الفيسبوك و على
مختلف منصات شبكات التواصل الإجتماعي او من خلال المجموعات او الجرائد الورقية او
الرقمية أني يمنيا من بلاد اليمن السعيد، او مشرقيا آخر من بلاد الأرز ، الجبل و
البحر لبنان او من بلد المملكة الهاشمية الأردن أو من سحر و أسر الشام سوريا او
حتى من هلينة الشرق ، أُم الدنيا جمهورية مصر العربية.
هو صحيح كما تبدو فراسة العربي أصيلة فيك - أٍن صحًت الفراسة فأنت
الخُضير" !- فعلا نحن فعلا من أصول يمنية كما ترويه الرواية التاريخية ،
عندما تحطم سد "مأرب" وعم البؤس و الشقاء ؛ جف الضرع و يبس الزرع ، هجرت قبيلتنا من اليمن
الى شمال افريقيا ، ثم نزحوا رويجا رويدا....نحو الجنوب الغربي الجزائري فأستقروا
على ضفاف وادي الساورة حيث الثلاث ما يذهب الحزن : الماء و الخضرة و الوجه الحسن.
غير ان هذا قدري كل من اسمه نصيب ! فبقدر ما كان هذا الإسم "
العقيد" مصدر افتخار و اعتزاز ، اعتقدت كنت كذلك بالنسبة اليه.
ان قدم لي و سهل لي خدمات جليلة مادية و معنوية و ادبية فنية ثقافية دونت
الإسم و أصبح الإسم مدنيا كذلك متداولا في العديد من سجلات المواليد بالبلديات و
عند فئات الجماعات المحلية ووزارة الداخلية.
أصدقكم القول أخي و صديقي بقدر ما كان اسم " العقيد" مصدر افتخار
و اعتزاز ، بقدر ما كان يجلب الي العديد من المساءلات الأخرى (....) !.
بل العديد من المجلات و الجرائد و الصحف التي كنت أنشر لديها مواضيعي ، و
خُصصت لي بالصفحات ، طلبت مني اسما بديلا ، اسما مستعارا ، غير أني أصريت أن يكون
أسمي كما هو و لن أبدله تبديلا أو أُهلِك دونه.
هذا اسمي يا ناس ، الإسم عند عائلتنا ، قبيلتنا ، عشيرتتا يحمل العديد من
المعاني و الدلالات و الإسقاطات التاريخية ، بل ما قبل التاريخية ، الأنثربولوجية
، السوسيولوجية ، السيكولوجية.
فبالنسبة الى قبيلتنا الجد أم الأب لم يمُت ، كونه خلف حفيدا يحمل اِسمه !
بل يحمل دلالات طقسية و عادات و تقاليد صوفية دينية او هي قريبة من الدين
(البركة).
أعتز بإسمي منا هو في ذاته ، و إن كان بي نصيب من لقب و اسم أخي الضابط
العسكري الأمني الجزائري الوطني العربي - مع حفظ الألقاب و الرتب - هذا يزيدني
اعتزازا و فخرا ، و يشكل لشخصي ذاك المكون الإلتزامي و الإخلاص و الكفاءة و
الإستعداد الدائم و التنظيم.
العديد من الباحثين و المفكرين يستغربون أن يكون الضابط العسكري فنانا او
كاتبا ، و لم تسمح له العقيدة العسكرية أن يكتب على سبيل المثل تحت نل يطلق عليه
(واجب التحفظ) إلا بعد أن يُحال على التقاعد او المعاش. يكتب مذكراته فقط !
الجندي العسكري و الضابط هو فنان شأنه شأن أي فنان آخر. فأسطورة فنان
بالمدرسة أو المذهب السيريالي تشير الى أن الثلاثي : الشاعر ، الكاهن ، و الجندي
المحارب المقاتل صاروا يشكلون أسطورة فنان. بل ربطوا هذه الحالات الثلاث بأفعال
ثلاث. فإذا كان الشعر يرتبط بفعل الخلق و الإبداع ، و الكاهن: فعل المعرفة ، فإن
من شأن الجندي المحارب المقاتل على جبهات القتال فعل القتل.
أخيرا : لقد كفٌ الجندي المحارب عن مجاراة التاريخ ، انما صار يرى بما يراه
الفنان ، فإذا كان الرسام يرى بالالوان ، و النحات يرى بالحجوم المقاسة ، تسبة و
تناسب ، و اذا كان الروائي يرى وفق الإنطباعات المعاشة او وفق وقائع الشعور كما هو
في علم النفس ، ڤإن الجندي المحارب او الضابط يرى بكل هذه الأعين دفعة واحدة.
أخيرا صار الضابط فنانا و الحرب صارت ابداعا و فنا من الفنون الزمكانية.
اذن لا غرو و لا عجب ان كان اسم " العقيد" أديبا أريبا لبيبا ،
فنانا مبدعا خلاٌقا ، أو هو ضابطا مرابطا على جبهات القتال أمينا حارسا حريصا
شفيعا.
شكرا للاخوة الأصدقاء و للأشقاء العرب.
وليصدق المثل العربي القائل : "الأسماء و الطباع قلما لا تتفق" .