الشر فطرة والخير استثناء الوديعين" …"فتبينوا…"
دراستي النقدية لقصة "نهايات مطروقة"
الكاتب:الأديب حسن أجبوه
بقلمي: سمية الإسماعيل
العنوان: نهايات مطروقة
العتبة التي استثار بها الكاتب فضولنا للعبور إلى المتن و استكشاف أيّ
نهايات يقصد، و لم ألصقها بإسم المفعول " مطروق" و التي تعني أنه سُلك
من قبل، لكنها تعطي أيضًا معنى الطّرق، و الطرق جرس تنبيه لقادم من الأحداث يحثنا
الكاتب بحنكة أن نفتح بواباتها للولوج بحثًا عن مقاصده فكانت "نهايات
مطروقة" بداية لقصة حملت من التشويق ما جعلنا نسترسل بحثًا عن هاتيك
النهايات" المطروقة"
الفكرة:
-
﴿ ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة
فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ﴾ [ الحجرات: 6]
-«أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكِ على خطيئتك»الحديث
-ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلًا عظيما"الآية {النساء 27}
-عندما يتساوى الموت و الحياة، أي خيار للمرء الحرّ حين تكون سمعته في
الميزان. الموت على كونه قدرٌ إلهي، عندما يتدخل به البشر، هل يكون عقابًا؟ أم
خلاصًا؟
تبدأ القصّة بداية تبعث على التساؤل، "للموت رائحة شبقة و نتنة"
فكيف للموت أن يتصف بالشبق، أو النتانة؟
عند الاسترسال في عمق النص، نكتشف تلك التجميعية ال، امرأة تتهم بعرضها/
رجال يحاولون انتهاك عرضها/ رجل تقيّ "زانٍ في دائرة السّوء / الموت يجمعهم.
بداية أقول إن إطلاق الحكم جزافًا غالبًا ما يعود بالسوء على طرفٍ أو ربما
الأطراف كلها..
في مجتمع مغلق تحكمه الموروثات الاجتماعية، فكل غريب هو قِبلة الأحاديث و
أسّ اجتماعات الرجال و النسوة، و هو متهم بكل مشين إلّا أن يثبت العكس، فما بالك
إن كان هذا الغريب أو القادم الجديد امرأة.
في مجتمع يرفض أي مظهر لا يتماشى مع تقاليده ستكون امرأة بغير لباسهم، و
غير أفكارهم عرضة للنميمة و الهمز و اللمز.
في مجتمع يخطّئ المرأة و يعفي الرجل من مسؤولية اتباع الهوى، ستكون المرأة
ضحية هذا المجتمع.
في قصتنا " نهايات مطروقة" لدينا ضحايا مقابل ضحية، ما هي أوجه
الشبه بينهما و أوجه الاختلاف
فالضحايا هم الرجال الذي استرخصوا لحمها و استسهلوا أكله، لكن قدرًا آخر
كان يترصد بهم.. إنه نفس اللحم عندما بدا قاسيًا لا يؤكل فكانت أرواحهم ثمن رعونة
تفكيرهم و اتباع شهواتهم.
و الضحية هي أيضًا لأن سيرتها بقيت مضغة في أفواه النساء، تأخذهم الغيرة
على أنفسهن تارة و تارة على شبابهن و شيوخهن الذين فتنوا بهذه المرأة، حتى و إن
كانت بريئة الذمة من اغوائهم.
فها هي و في حالة دفاع أمام كل الادعاءات المتوارية و المكشوفة من النساء
نحوها، تقول:
"أصوات النسوة المنافقات تخدر أحاسيسي، فيتصاعد تدفق الأردينالين
بعروقي، ليغدي بدني الكسيح و يحوله غيلة تزدرد كل الأجسام المتواطئة
أمامها..."
لكنه المجتمع الذكوري الذي حتى في الخطيئة لا يلقي اللوم إلّا على النساء ،
ليس من قبل الرجال فحسب بل تكون النساء هن أول من يرجمن المرأة.
"هؤلاء النسوة المتواريات خلف الباب بجلابيبهن السوداء أراهن وقد كتمن
تشفيهن بهلاكي، فأنا بالنسبة لهن مجرد دمية ممسوخة دخيلة على البلدة، فتنت أعين
شبابهن وأسالت لعاب شيوخهن"
لم يتوقف الأمر عند الرجال و قد سيطرت عليهم شهواتهم و هذا من قبيل الحدوث
عندما ينتاب المرء ضعف أخلاقي أو غياب وازع ديني، أما و أن يطال الأمر " رجل
الدين" فأي شيطان يكمن في هذه النفوس حتى تستضعف امرأة قليلة الحيلة.
عندما قرأت عبارة"لأدفن عاري البريء..." تساءلت كثيرًا ما عنى
بها الكاتب، و هو يتحدث عن امرأة بدت " سيئة السلوك" لكن الابحار في متن
القصّة أعطى تفسيرًا لما استتر وراء هذه العبارة
نعود لبداية القصة لنحكي وقائعها، امرأة غريبة ، لم يتحدث الكاتب عن سبب
دخولها هذه البلدة فهي تصفها ب " الغربة" : "تعجل بتكويري كندف
ثلجية تتضخم أحجامها نزولا لقعر الغربة"
و نساء البلدة يعتبرنها"مجرد دمية ممسوخة دخيلة على البلدة"
و الرجال يرونها"صيدٌ سمين"
ثلاث صفات لكل منها دلالاتها..
معاناة امرأة " وحيدة" في مجتمع منغلق لا يقبل بالوافد يعتبره
" دخيلًا" و يحمله أسباب الشرور كلّها، مع أن الشر كامن في نفوسهم.
يأتي الزلزال، و للزلزال سيميائية، قد تكون مادية أو معنوية، فافتضاح أمر
رجل الدين زلزال، تكشّف الحقائق زلزال. لقد اختاره الكاتب ليعطي الأحداث الإذن في
الحركة و للغامض منها أن يتكشّف..
لقد انتصفت القصّة و لم نكن نعلم لماذا قالت "عاري البريء"، و لم
نكن لندرك أن هذه المتهمة بريئة إلا من ذنب أنها امرأة، تعرضت للغواية و لم
تعرضها، قتلت كل من حاول الاقتراب منها من الرجال و دفنتهم في سطح القبو .. حتى
وصل الأمر إلى ذاك الذي أسمته "الفقيه الزاني الذي طالما ادعى العفة
والكفاف"
توّضحت لنا الصورة هنا عندما قالت :
"و طفقت أدق على هذا الوجه الزائف الذي يذكرني بالرجال.. كل الرجال
الذين رغبوا في انتهاك لحمي كان مصيرهم مثله.."
و في مكان آخر يظهرها الكاتب كارهة حتى لمنظره و هو يرتمي على ركبتها
كالصخرة، بعد أن أجهزت عليه هو الآخر
"أدير وجهي ناحيته، فتشمئز نفسي من منظره الملطخ."
يعود السؤال ليطرح ذاته، ما سبب وجود تلك المرأة الغريبة في البلدة؟
لماذا لم تغادر البلدة و هي الغريبة و يمكنها اللجوء لبلدة أخرى قد تكون
أرحم؟
ما السرّ الذي يرافق المرأة، و هل كان لها تجربة سيئة مع رجل مسبقًا حتى
اعتملت كل هذه الضغينة و كل هذا الحقد في صدرها؟
هل كانت المرأة بريئة فعلًا؟ أم أنها تحمل جزءًا من الخطيئة؟
تقول :
"لابد من الهرب قبل فوات الأوان وأن... أحاول لملمة جسدي العاري"
إذًا كان هناك غواية من المرأة لاستدراج الرجال، هذا قد يجيب عن سؤالي الذي
طرحته سابقًا عن أسبقية حدوث تجربة قاسية لها مع رجل ما، جعلتها تنتقم من كل من
يحاول الاقتراب منها.
المشهد يتأزّم، و لا تملك وسيلة لملمة شعث فعلتها، و هي إن خرجت سليمة جسديًا
فلن تكون كذلك أخلاقيًا في نظر من سيراها، هنا أجد نقطة التبئّر في القصة، هنا تصل
القصة في خطها البياني المتصاعد في تواتر أحداثها إلى ال climax أو
الذروة عندما أسقط في يدها، و لم تجد ما
تستر به عورة جسدها فكانت لحظة" اختيار " أو لحظة " اتخاذ
القرار" تقول:
"أحاول لملمة جسدي العاري و إبعاد الصخرة الجاثمة فوق ركبتي... فلا
أستطيع لذلك سبيلاً."
كان الموت خيارها الآخر و الأسلم ، الموت الذي يأتي منقذًا عندما يتساوى الموت و الحياة. و
هنا وجدت راحتها في رحلتها الى العالم الآخر.
تقول:
". أتحسس الركام بجانبي ،الغبار والأتربة وقطع الزجاج ... بخفة ورشاقة
أزرع القطعة بجيدي فتتطاير شرارات الدماء لتغطي الضوضاء المستشرية بالمكان و يحل
معها سكون لم أنعم به مُذ وطأت رجلاي هذه البلدة."
سؤال طل يرافقني طوال أحداث القصّة، هل بطلة قصتنا بريئة أم مذنبة فيما
فعلته؟ تحت قناع ادعاء البراءة نجد أن هناك شرٌ مطلق تضمره البطلة داخلها لم يفصح
عنه الكاتب لكن أفعالها فضحته ، ربما كان رد فعل على تجربة مريرة ل"اعتداء
جنسي" سابق، قادتها إلى هذه البلدة درءاً لعار يمكن أن يتلبسها، لكنه رد فعلٍ
يحمل فيه " شرٌ" كبير.
قد تكون مارست هي بدورها فعل الغواية فعلًا لاستدراج الرجال و الانتقام
منهم.. فعل ليس فيه "براءة"
قد تكون نساء القرية على حق ..
و لولا أن الزلزال قد كشف سوءة فعلتها ، و أن مصيرًا أبشع قد ينتظرها من
أهل البلدة، لما ارتكبت فعل " الانتحار".
كان للزلزال سيميائية قوية، فهو كان نقطة التبئّر التي هزت أركان الأحداث،
و سار بها نحو التداعي إلى نهايتها إنه الصورة الحدث الذي أخرج الأثقال كلها و كشف
الخبء، و وضع تفاصيل النهاية.
النص يحتمل أوجه متعددة من الاحتمالات .. و هذا يعطيه قوته.
الحبكة: بدت الحبكة ظاهريًا متماسكة و تسير في خطها البياني المعتاد
انطلاقًا من نقطة الزلزال و الذي كان الأساس الذي انطلق منه الحدث و الذي تشابكت
عندها مجريات الأحداث، و أججت الصراع الداخلي عند الساردة.
لكن المتمعن في مجريات الحدث، يلاحظ أن هناك عوارًا في جزئية مهمة، ألا و
هي الاعتقاد السائد بين النسوة أن اختفاء أزواجهن كان بسبب سفرهم إلى المدينة ،
يقول الكاتب:
" سيفتضح أمري وتدرك تلك النسوة مصير أزواجهن وأبنائهن الذين تصطف
هياكلهم بالقبو ! (وقد ظننن) أنهم هاجروا للمدينة !"
إن كان الرجال قد هاجروا إلى المدينة، فقد انتفى فعل الغواية. فلا حق لهم
بمحاربتها.
إن كان الرجال قد هاجروا، أتساءل أ لم يتواصل هؤلاء الرجال كل تلك الفترة
مع نسائهم؟ تساؤل يحتاج لإجابة تفيد مجريات الأحداث.
إن كانت المدينة قد أغوت رجلًا أو أكثر منهم، فهل أغوت الجميع بحيث فقدوا
التواصل مع عائلاتهم؟
أسئلة كثيرة دارت في مخيلتي، فجعلت فراغًا في الحبكة يحتاج أن يُملأ أو
يبرر.
اللغة كانت سلسة و بليغة، اعتمد فيها على بعض الرمزية، ربما هربًا من
المباشرة في عرض الفكرة لما لها من حساسية.
كانت بعض العبارات التي لم أفهم سبب كتابتها
مثل " تنكشف أقنعة
الرتابة" ؟
ليغدي أم ليغذي؟
الزمان و المكان :
لم يتم التركيز على الفضاء الذي تجري فيه الأحداث سوى أنه "
بلدة" ما يمكن أن ترمز لأي مكان على هذه البسيطة.
و الزمان اتخذ في النص فترة زمنية تحددت بفترة حدوث زلزال ، و التي قد لا
تتجاوز ال خمس عشر دقيقة، داخل أحداث النص، و لكن إن أردنا فتح باب التأويل فهو
يرمز لكل زمن في تاريخنا قديمًا و إلى ما بعد.
كانت النهاية غير متوقعة، جاءت قوية و أضفت على النص قوة.
القصة
نهايات مطروقة
للموت رائحة شبقة و نتنة، تعجل بتكويري كندف ثلجية تتضخم أحجامها نزولا
لقعر الغربة، أفتش مسارعة دقات عقارب الساعة، عمّا أدثر به عري جسدي المشتعل..
مخافة الفضيحة.. الطرقات المتتالية على الباب، تحاصر شرودي و تتغلغل داخل دماغي،
الذي يكاد ينفجر باحثة عن منفذ بين الأصوات لأدفن عاري البريء...
- إنه الزلزال ! عجلي بالهروب قبل أن تتهدم الحيطان..
- ياجماعة، دعونا نكسر الباب .
أصوات النسوة المنافقات تخدر أحاسيسي، فيتصاعد تدفق الأدرينالين بعروقي،
ليغدي بدني الكسيح و يحوله غيلة تزدرد كل الأجسام المتواطئة أمامها...
- يالهذا القدر العنيد! لمَ لمْ يمهلني هنيهات لأكمل صولاتي، وأجفف مستنقع
الآثام المحيط بذاكرتي!!
هؤلاء النسوة المتواريات خلف الباب بجلابيبهن السوداء أراهن وقد كتمن
تشفيهن بهلاكي، فأنا بالنسبة لهن مجرد دمية ممسوخة دخيلة على البلدة، فتنت أعين
شبابهن وأسالت لعاب شيوخهن، لتُقطع خيوط المودة وتنكشف أقنعة الرتابة..
أحاول بكل ما أوتيت من طاقة أن أزيح هذا الجلمود عن ساقي منازعة الألم و
الفضيحة.. تتمازج قطرات العرق مع تدفقات السائل الأحمر و اهتزازات ماتبقى من
الحيطان.. تتلاشى الأصوات المقززة ومعها تتوالى همهمات حشرجة تئنّ بجانبي.. هل
أكتمها ؟ لا بد من وأدها لتكمل تعداد الجثث التي دفنتها خلسة تحت سطح القبو.. هذا
الفقيه الزاني الذي طالما ادعى العفة والكفاف، باتت روحه الٱثمة بين يدي.. لابد من
التخلص منه و إخراس هاته الحشرجة و لنقل أن الزلزال فعل فعلته وذهب معه لخالقه ! باليد اليمنى حملت رفات بعض الحجر
المتساقط من السقف و طفقت أدق على هذا الوجه الزائف الذي يذكرني بالرجال.. كل
الرجال الذين رغبوا في انتهاك لحمي كان مصيرهم مثله..
لكن ماذا أنا فاعلة بعد انتهاء الأمر؟ سيفتضح أمري وتدرك تلك النسوة مصير
أزواجهن وأبنائهن الذين تصطف هياكلهم بالقبو ! (وقد ظننن) أنهم هاجروا للمدينة !
لابد من الهرب قبل فوات الأوان وأن... أحاول لملمة جسدي العاري و إبعاد
الصخرة الجاثمة فوق ركبتي... فلا أستطيع لذلك سبيلا.. تتوالى الهزات ومعها تتقاذف
النبضات وتتسارع والمصير المحتوم يدنو...
أدير وجهي ناحيته، فتشمئز نفسي من منظره الملطخ.. أتحسس الركام بجانبي
،الغبار والأتربة وقطع الزجاج ... بخفة ورشاقة أزرع القطعة بجيدي فتتطاير شرارات
الدماء لتغطي الضوضاء المستشرية بالمكان و يحل معها سكون لم أنعم به مُذ وطأت
رجلاي هذه البلدة.
تمت
✍️ حسن أجبوه