عبدالحليم الطيطي
أحزان ،،
.
**كان معنا في مدارس المخيم ،،ولا أدري كيف شعرتُ حين سمعت بموته ،،لقد مرّ
في ذهني شريط حياته وشريطنا ،،تذكرته وهو يقف في المطر يمسك حبل خيمتهم ،،ينظر لا
أدري إلام ينظر ،، ساهماً كأنّه لا ينظر إلى شيء ،،،فالفقير وهو يرى بؤسه ،يرجو
عينيه أن تُرخيا ستارة على ذاكرته كي لا يطول تركيزه في ألمِه ،،!
..نحن رحمة بأنفسنا وهي تحترق ..نحاول أن نطفئ الجحيم.. ,,,،!
.
..وأذكُره وهو يصيد العصافير بين قصب الذرة ،،فيقطع رأسه وينتف ريشه ويشعل
ناراً ويُقلّبه عليها ،،،ثم يمضغه !!
،،ويذهب إلى بيته ليسهر مع أمّه وأخته على ضوء سراج تحت نقط المطر التي
تتسرب من الشقوق في عظمه ،، ،، كانت تتكلم أمّه دائماً عن قريتهم وما فيها من خير
،،وتسأل : أين ذهب مَن كان فيها من الناس وذاك الخير كلّه ،،،!،،بعد العاصفة
..تقول : كم تكثر الأوطان الجديدة في كلّ نكبة ،،ويقلّ الخير ،،لأنّك في
وطنك أنت تعطي نفسك وحين ترحل يعطيك الناس ....وما يعطونه مع ذُلِّك قليل ....!!
...وحين ترحل تنتزع نفسك من وطنك انتزاعاً فكأنما يخرج الناس من نفوسهم
،،يتمزّقون كما تتمزّق النار في السماء شرارات كثيرة !!.إذا رميتَ جِمارها بحجَر
!!!!
.
...وتذكّرتُه وهو يمشي في الطين حافياً حول خيمة المدرسة ،، تصطكّ أسنانه
من البرد ،،أو الغضَب ،،فهو دائما غاضبٌ ...!!يمشي مُكشّرا لا يضحك وكأنما يقاتل
في طريقه ،،أعداء يجلسون في العراء ،،!..يقول أنا دائما أينما أروح أسمعُ نُباحاً
وعواء ...........!!
.
..وعرفتُ آخر العمر أنّه عاش فقيرا أيضا ،،!وحظّه من العُمر كان قليلا
ايضاً ..!!..لقد مرّ في الدنيا ولم يأخذ شيئاً بيده ..! لم يذُق طعم الحياة وهو
حيّ يمشي فيها ،،! كمَن يمشي في النهر عطشانا ولا يشرب،،!
... ومع ذلك سمعتهم يقولون :أنه مات !.،،فهل كان حيّا ..!.
.
...وقلتُ وأنا أتخيّل نعشه الذاهب الى الموت الطويل: ..هي رحلتنا القاسية
الأخيرة أيّها الأخ ،،،سنجتازها ضاحكين كما كنّا طاهرين مظلومين ،،وتذوق عند الله
الحياة التي لم تذقها هنا : فاللهُ ينزع أشواكا وضعها الإنسان في أرواحنا
,,,,لنذوق ما فاتنا من الحياة ..........
ونظرتُ الى نعشه و أحسسْتُ ،،كأنّه يبتسم لنا ،مع دمعةٍ تسيل من عينيه
...!!
.::: عبدالحليم الطيطي