"اوديب ملكا" و نابليون بونابرت
العقيد بن دحو
يقول الكاتب الروائي " بلزاك" ، المدعو (الاله) : لقد عاش اربعة
اشخاص حياة غنية : "نابليون" و ""كوفيه" و "
اوكونيل" ، و استطيع ان اكون رابعهم ، لقد عاش الاول حياة اوروبا و ازدرد
الجيوش ، و تزوج الثاني من الكرة الارضية ، و تجسد الثالث في شعب ، اما انا
باستطاعتي ان احمل مجتمعا باكمله في ذهني.
تعود قصة نابليون الدرامية الى حملته العسكرية على مصر سنة 1798 ، يوم وقف
وجها الى وجه ممتطيا حصانه ، متاملا في عظمة ابداع و خلق الاهرامات و المسلات و
مختلف الاثار الفرعونية.
يوم ذاك امر جنده اطلاق نيران مدافعه حيث هشم انف ابو الهول.
و لما سئل لماذا فعل ذلك ؟
قال اننا نحطم انفة و كبرياء امة باكملها.
صحيح "اوديب ملكا" هو من جلب الخلاص و الانقاذ لشعب اثينا عامة.
و خلص الاغارقة من وباء وداء (الهولة) ، حين فك اللغز الذي كانت تتغذى عليه الهولة
او يسمى ابو الهول عند هلينة الشرق مصر.
كان اللغز يقول :
ما الكائن الذي يمشي في اول النهار على اربع
و في وسط النهار على اثنين
وعند اخر النهار على ثلاث ؟
الاجابة : الانسان !
انتهت و قضي على الهولة. و في طريقه صادف اباه ، دون ان يعرفه فقتله ، ثم
تزوج امه فانجب منها بنينا و بناتا هم ابنائه و اخوته في نفس الوقت.
نتساءل ما اللغز الذي اجاب عنه نابليون بونابرت ، حين قارنت نخبة من
المثقفين و المفكرين بين نابليون بونابرت ؛ و بين اوديب ملكا؟
حينها لقب نابليون بونابرت باوديب فرنسا.
هذا من جهة ، و اذا استطاع اوديب ملكا ان يتخلص من عقدة الكائن الخرافي ابو
الهول ، فانه من حهة اخرى عند العالم النمساوي (سيقموند فريود) ، اتخذها معالجة
سيكولوجية تسمى ب: "عقدة اوديب" ، تماما كما سميت عقدة
"الكترا" بعقدة اوديب عند المراة.
ما العقدة التي اصبحت تلازم نابليون بونابرت ، غير انه ازدرد الجيوش وعاش
حياة اوروبا.
اذا كانت بطولة و شجاعة اوديب ملكا ترتبت عنها جريمة تجر جريمة ، جريمة زنا
المحارم ، وجريمة قتل اباه ، و جريمة اخرى في عدم تقوى الالهة ، تثنية الفعل
الدرامي ونقيضه.
و لما ازالت الالهة غشاوة الغرور و العنجهية و القوة عن عينيه ، و اكتشف ما
اقترفت يداه في حق ذويه ثم في الحق العام ، استخزى مافعل وسمل عيناه ، و في حوار
مع الكاهن الاعظم الضرير "تريسياس" يقول اوديب ملكا :
- يا تريسياس ، كنت تحسدني على ضوئي فاردت ان تجرني الى ظلمتك ، منذ اليوم
لن تستطيع ان تستطيل علي بما يمنحك العمى من تفوق !.
لم يفقع نابليون عيناه ، حين هشم انف ابو الهول ، بل ازداد غطرسة و عنجهية
وواصل زحفه نحو القاهرة ، هناك واجه بمقاومة عنيفة ولته الادبار من لدن الجيش
البريطاني في محاولة لقطع طريق الحرير مع الهند.
انهزم نابليون بونابرت ، بنفس كاس السم الاستعماري الاستدماري الذي اذاقه
للجيوش التي استعمرها سابقا.
لم يقتل نابليون بونابرت اباه ، و لم يتزوج امه ، و لم يفقع بصره ، غير انه
اقترف اكبر جريمة في حق الانسانية ، اعمته انانيته ، و جعلته يتخبط خبط عشوائه ، وهو يدمر الاثار الانسانية ،
يقترف زنا المحارم و يقتلهم ايضا ، في حق عائلته اولا المقربة و البعيدة كونها
تشترك في هذا الارث الانساني.
لذا من تلك اللحظة ، اتخذ من تدمير
و هدم المعالم التاريخية ، ايذانا بسقوط المدن و الدول امام بطش المستعمر
المستدمر.
المقاربة هذه بين نابليون بونابرت و اوديب ملكا بين جنرال قائد الجيوش و
بين اسطورة ، ليست ككل الاساطير ، و ليست كسائر العقد ، حلم جمعي اغريقي. مع مرور الوقت و تقدم العصر و ازدهار الامم و
الشعوب ، اعطيت لها عدة تاويلات و اشكالات و معان اخرى ، لوغوسات ولبوسات حداثية و
ما بعد الحداثة ذات ابعاد عالمية . سيكولوجية سوسيولوجية انثربولوجية ميثولوجية ؛
ذات مكونات و اثار مخرجات و معالجات اكلينيكية اقتصادية ثقافية.
اين يصير الحرب و الادب. جنبا الى جنب ، رجل الحرب ورجل الادب ، يشكلان
اسطورة انسان ، في زمان هو كل زمان ، و في مكان هو كل مكان ، و في حدث هو كل حدث.
لا يزال التاريخ الانساني قبل التدوين و بعد التدوين ، يذكرنا بان الاحداث
واحدة ، بؤس ، حرمان ، شقاء ، تعاسة ، حروب ، اوبئة ، كوارث طبيعية تندرج تحت طائل
ما يسمى بجنون التاريخ ، حين يسود منطق ابليس ، وحين يفكرا نابليون واوديب وفق
قوتهما التدميرية .
فنون أخرى للكاتب