الادب و السياسة - الفن و فن الممكن
العقيد بن دحو
لم تكن العلاقة بين الادب و السياسة دوما ، لا هي علاقة تقاطع ، و لا هي
علاقة اتحاد. و انما علاقة احتواء.
تحكمها الكثير من الريبة و الشك و الاحتياط ، حتى ان حاولت السياسة تقترب
من الادب لغايات ميكيافلية ماكلوهانية ، و حتى ان حاول الادب ان يكون متفهما
؛ يقوم الاستغلال الفني ، القائم على
النسبة و التناسب بالاستغلال فن الممكن ، او من الافضل القابل للتحقيق المتيسر كما
يقول الزعيم الفيلسوف الرايخ الالماني"اوتو بسمارك" سنة 1871.
تقول الحكمة الاغريقية : "اذا تعلق الشعب بشيئ صار قانونا".
و تعود قصة تقارب فن الادب الى القرن : (- 434 ق.م) ، يوم عاد الحاكم
"بزيستراتوس" الدكتاتور من منفاه. اراد ان يتحبب و يقترب من الشعب ، و
ان يشغله بشيئ من اللهو حتى لا يفكر في حريته السياسية ، فاصدر قانونا بتدوين
"الاليادة" و "الاوديسة" ، كما اصدر قانونا اخر يعترف فيه بفن
التمثيل ، و ان يكون من البرامج الرسمية للحكومة في عيد ديونسيوس. و بهذا يكون
الحاكم المستبد بزستراتوس اهدى للشعب الاثيني اقرار بحماية فن التمثيل.
بالطبع قد نعتمد هذا الاجراء على دكتاتوريته ، و استبداد فردانيته ، ليس حبا في اعين الشعب ، انما نزولا
لتعلق الشعب بهذا الفن ، و من اجل غايات سياسية حيث الغاية تبرر الوسيلة ، او حيث
الوسيلة ذاتها هي الغاية.
كان هذا (الاحتواء) ما قبل التاربخ ، كاول لمحة اولى للنظرة الاولى لاي
تقارب سياسي ادبي ، يشهده التاريخ سواء قبل التدوين او بعد التدوين.
غير ان يمكن اعتبار التقارب بين الشاعر الفرنسي (فولتير) و ملك فرنسا
(الويس الخامس عشر) ، تقارب (التسامح) كما
كان يسميه الفرنسيين ، كاول تقارب بين السياسة و الادب ، حين اعتبر محبة من
المؤرخين ، اذا ما كان الويس الخامس عشر ملك فرنسا سياسيا ، فان فولتير ملك فرنسا
ثقافيا.
بل قد اشار فولتير نفسه الى هذه الفكرة ، يوم كانا (فولتير و الملك الويس
الخامس عشر) في رحلة استجمامية على متن اليخت الملكي بعرض البحر ، فجاة اضطرب
البحر و عادا مسرعين الى شاطئ النجاة و السلامة ، فما كان على فولتير ان قفز اولا
مسرعا ، لم يابه و لم يحفل بقواعد اعراف بروتوكولات دبلوماسية القصر. فقال الملك :
اتظن حياتك فولتير اغلى من حياة الملك !؟
- فرد فولتير : عفوا ، يوجد كثير من الملوك في هذا العالم ، لكن لا يوجد
الا شاعر واحد !.
اذن رغم الدبلوماسية السياسية ، و الرياء الادبي الا ان الخلاف قائم بين
رجل السياسة و رجل الادب بشكل متوار ، مستتر عنه ، سرعان ما يطفو على السطح ، و
يصير قضية تتداوله اقلام و السن و اعين الصحافة ، فقد ينقلب السحر على الساحر ،
مما يسجن او ينفى او حتى يغتال هذا الاديب او ذاك.
الصراع ازلي و تاريخي بين الرجلين ، بين الفنانين ان صح التعبير ، بين
مهندسي الروح و مهندسي التفكير كما يقول (ستالين).
و قد ينتظر و يتحين رجل الادب الفرصة ، اين تطرح الاستحقاقات الوطنية او
المحلية ، اين ينزل السياسي من برجه العاجي طالبا التزكية و التصويت على برنامجه ،
اين تتدخل الثقافة كفيصل لتظهر زيف و كذب و فشل رجل السياسة.
ظل الحال على هده الوضعية ، كر وفر ، ترقب و حذر ، خوف و احتياط الى غاية
سنة 1875 السنة التي تبنى فيها السنة الافتراضية لظهور الادب ، اين صار سلطة.
منذ ان نشر الكاتب صمويل جونسون
رسالته الشهيرة و دعى انفصاله التام عن اللورد تشسترفيلد ، ساعتئذ كف الاديب عن
مجاراة الدعم و التمويل و عن اي رعاية سياسية. بمعنى اخيرا صار الاديب سلطة Mana , نسبة الى
الماناليزم Manaleisme . يستمدها من الشعب و من قوى الشعب لان
الشعب يريد هذا الفن ، و يريد هذا الادب.
غير ان القليل من الادباء لا يعون ، و لا يعرفون ، و لا يرون انفسهم سلطة ،
ناتج عن عقدة تاريخية لعبها بدلا عنه السياسي الاكثر قوة و الاكثر ذكاء . جعله
مجرد (كومبارس) يكتفي بلعبة دور البديل ليس الا.
بمعنى لا بنبغي ان يظهر الاديب و لا الادب في الصورة. الا اذا جرى مجرى السياسي ، مداهنة ، مواليا ،
مختلقا ، يقوم بدور الحاجب القديم.
رغم التطور و التقدم الحضاري و الثقافي الا ان السياسة و الادب طرفان
متلازمان في قضية واحدة. حين تصير السياسة فن الممكن و الادب فنا. و بين الممكن و
لا ممكن ، لا يمكن التعبير عنه الا بالمعادلات الرياضيات ، الاتصال بين ما يمكن
ادراكه و ما لا يمكن ادراكه.
هذه السياسة لا عداوة دائمة و لا صداقة دائمة ، لذة غير مجانية.
بينما الادب غير تكسبي لا يرجى
منها اية مصلحة.
ومع هذا يظل الاستغلال السياسي يذوب في الاستغلال الادبي ، يلون الطبيعي
بما هو خارق للعادة.