جاري تحميل ... ألف ياء

إعلان الرئيسية

إعلان

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد علَّم نفسك

 أدباء الجوائز

العقيد بن دحو

الكثير من الجزر الكثير من الجوائز Beaucoup de carottes beaucoup de prix ،في اشارة الى ذاك المثل الفرنسي الشهير القائل : " تلك الجزرة التي تقود الحمار" LA carotte qui guide l'^ane.

و انا اتمثل هذه الامثلة و الاخرى عن الحالة التي وصلت اليها ادابنا و فنوننا و ثقافتنا ، لكن سوف اخص بالذكر  الادب بصفة خاصة.

عندما نجد الاديب و هو يكتب ، لم يعد يكتب دفاعا عن محيطه و عن جمهورة ، كما يجب ان يكون ، و انما يتخيل خسارته الكبرى ، كون طبيعة الكتابة سوسيولوجيا تدل عن الخسارة اكثر مما تدل على الكسب. و اذ هو صار يكتب. ينسلخ عن جلدته ، و عن هيموغولبين و ميتاكوندري و كروزومات عائلته ، قبيلته ، عشيرته ، جهويته ، و يصير يكتب من خلف ستار وكواليس هذه الجائزة او تلك ، سواء (اعطوها) له او امتنعوا....! و في تلك الحالتين يغترب الاديب ، يتفكك ، يتفتت ، و يؤدي به الى الهروب من المجتمع.

يدخل الاديب عند هذه المرحلة الى ما يسمى بالبافلوفية ، او المنعكس الشرطي ، عندما يصير الادب ؛ الجائزة الادبية  شريحة مختبر تحت مجهر ؛  مخبر الروائز الشرطية ، تسيل لعاب بعض من الادباء كلما دق جرس رنين موسم عرض المتن و الفتن و اشياء اخرى....!

لقد عبر عن هذه الحالة (...) بعض من المفكرين المثففين في علم سوسيولوجية الادب ب: "الخطيئة الادبية" ، عندما ينجر الاديب و يستسلم لاغراءات وحوافز وصفت في العديد من الامكنة العالمية غير اخلاقية.

الاديب الحقيقي فوق هذه المسلمات و الهرطقات الشرطية البافلوفية ، فوق الجوائز و فوق التكريمات ، انهم يكرمون التكريم كما يقول غابرائييل غارسيا ماركيز ، يوم عرضوا عليه التكريم او الجائزة.

لا تهم الجائزة ، و لا يهم من يفوز بها ، لكن من يهم حقا من  يرفضها لاسباب تاريخية ثقافية اقتصادية اجتماعية ، حين يذوب الاستغلال الفني الادبي في الاستغلال الاقتصادي التجاري !

اذن هناك (استغلال ما) سميه كما شئت.

فالتاريخ الادبي المحلي الوطني  الجزائري و العالمي  ، خير و جدير و غني بهذه النماذج الانسانية ، منهم الكاتب الروائي رشيد بوجدرة ، المدعو "الجنرال" الذي رفض العديد من الجوائز الرسمية و غير الرسمية ، بل رفض منصب وزير الثقافة في يوم ما ، على اعتبار المنصب نوعا من انواع الدعم و الرعايا حينما يسند الى اديب او مثقف ليس الا ، على غرار يصير وظيفة لو اسند الى شخص اخر من قطاع اخر.

كما لنا امثولة عالمية حين رفض المفكر الفنان الفيلسوف الوجودي جان بول سارتر جائزة نوبل باكملها !

هؤلاء او غيرهم الرافضين لسياسة الجوائز ، في الاصل رفضوا لعبة الجزرة و الحمار. رفضوا سياسة التجريب و التجميد ، و التجهيز و "الشيئية" ، كان تتحول القيم الانسانية الى مجرد شرائح عينية او مجهرية يقع عليها الفعل البافلوفي.

فكيف يكون الحال لاديب يقدم دمه ، عصارة جهد تفكيره ، مادته الرمادية التي لا يمكن ان تصرف باي حال من الاحوال ، بينما نصير الادب ، من يقدم الجائزة ؛ يعطي ذهبا او فضة ينفقها رجل الادب كلما حصل عليها د.طه حسين (نصير الادب و رجل الادب) 1952 - البندقية - ايطاليا ؟

صحيح لا يمكن ان ننكر دور الجوائز في النماء الحضاري و الدور الطلائعي النهضوي للادب.  وقدرة  مساعدته على الانتشار عند الفئات و الدوائر الشعبية ، كما يمكن لجائزة مالية مادية ان تغني اديب على ان تحفظ ماء وجهه من ذل سؤال (المساعدة) او طلب الدعم و الرعاية مصحوبا بمن او نظرة دونية. كما وقف ذات يوم (صمويل جونسون) على ابواب قصر  اللورد (تشيسترفيلد) يلتمس مساعدة و طرد من بابه سنة 1957.

تندرج الجائزة تحت طائل المهنة الثانية ، او التمويل الخارجي و كذا الدعم ، غير ان على الاديب  ان يتخلى على هذه العادة السيئة ، و ان يكف عن مجاراة مجرى الجوائز (....)! التي تختل بالتوازن الادبي و تجعله تابعا غير سيادي كما ارادوا له محاميه ان يكون سلطة. سلطة ادبية لا يظلم عندها احد

جميعنا صرنا نعلم الخلفيات السياسية الاجتماعية الثقافية الاقتصادية للجائزة.

فالسياسي او الحكومي لا يمنح شيئا (....) لله في الله ، و انما من اجل غرامشيتة و ميكيافليتة المثقف الاديب ، و بالتالي تصير هذه الجائزة نوعا من (الجميل) تستدعي منه نوعا من انوع (ردالجميل) ، مما ينعكس على ذائقته الفنية ، كما تجعله يفقد حياده الفني و الاجتماعي و الاخلاقي ، رهان راس مال كل اديب ، و ما يبقى له عندما يخسر كل شيئ ، مادامت الخسارة جبلة ، اصيلة في طبع و تطبع وطباعة اثره الادبي، يمكن التقليل منها لكن لا يمكن القضاء عليها.

رايت الناس من عنده مال اليه قد مالوا....

ومن عنده ذهب اليه قد ذهبوا...

ومن ليس له فضه عنه الناس قد انفضه !

لا خيل عندك تهديها و لا مال *** فليسعد النطق ان لم يسعد الحال .

او كما يقول الشاعر.

لا باس من بعض الجوائز ، لكن الخشية ان تنحول الى هاجس الاديب الى ادمان ، الى ورطة لا يستطيع من خلالها الرجوع الى طبيعته الاولى الدفاع عن الانسان و انسنة الانسان ، ان يحسن من هذا العالم الذي اثقله منطقه.

في مجرى ما قبل التاريخ كانت الجائزة اسطورة الجنون (اياس) عند الكاتب الدرامي الاغريقي صوفوكليس:

كان اياس بن تليمون ملك سلامين ، بطلا من ابطال اليونان امام طروادة .حارب فاحسن البلاء ، وظهر على الطرواديين في مشاهد عظيمة ، وحمى لليونانيين جميعا بعد ان انهزم زعماؤهم و ابطالهم ، فمازال يدافع عنهم حتى اقبل اخيل فرد اعداءهم منهزمين . فلما كان مقتل اخيل ، جعل اليونان سلاحه جائزة لاعظم ابطالهم شانا ، و اجلهم خطرا ففاز بها اودسيوس ، وغضب لذلك اياس ، فذهب عقله ، و انحى على ما كان من حظائر اليونان من ماشية ، فلما عاد اليه صوابه استخزى لما فعل فقتل نفسه.

لا نريد هذه النهاية الماسوية التراجيدية لادبائنا ، لا الجنون و لا الانتحار ، انما نريده ان يسترد وعيه ، و اللايكتب من اجل جائزة مريضة هزيلة هو اغلى منها بكثير ، و لا من اجل تكريم ترابي متاخر !

نريده ان  يرفض و لو على مضض ، احيانا كل ما يعرض عليه ، من سياسة القطيع ، ناجيا بنفسه. و عائدا الى عرقه و بيئته و تاريخه.

لا نريد لهم ان يصنفوا ضمن ادباء الجوائز ، يطرح في كل مرة اشكالا و تاويلا اخلاقية او ان يكون طرفا في هذه الازمة الذي يشهده المشهد الثقافي العام .


 فنون أخرى للكاتب 

العقيد بن دحو


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *