التسويق الثقافي و الأخلاق
العقيد بن دحو
حتى القرن الثامن عشر كانت تعني كلمة (بيع) باللاتينية رفع تمثال أو مقاربى
البيع بالمزاد العلني . و هنا في هذا البيع بالمزاد العلني ، الهتك الفظ لسر الخلق
و الإبداع ، على ضوء مجهول في ساحة عامة، و ثمة عنف بالتراضي و هرطقة شرعية ،
وصدمة للرهافة العامة مهيمن عليها اعتبارات مادية ، فعملية التجارية مسلوخ من عمق
الذات ، هي عمليه فيها من التعهر او
" بيع الجسد كما كان يقول (بلوت).
حاول د.طه حسين في مؤتمر البندقية ايطاليا للدفاع عن الثقافة و الفنانين
1954 ، أن يجد توليفة اربط يين كفتي ميزان ، معايير الكتل من جهة و الواد و القيم
الأدبية الفنية الثقافية ، كما حاول أن يربط مابالسوق ما يمنحه رجل الثقافة و
الادب. الفن و بين نصير الفكر و الثقافة و
انتهى الى القول كما ورد في مجلة اليونسكو 1954 بقوله :
هناك علاقة مشبوهة ، غير شريفة بين نصير الثقافة و رجل الثقافة ، فنصير
الثقافة يعطي ذهبا وفضة ينفقها رجل الثقافة كلما حصل عليهما ، بينما رجل الثقافة
يعطي فنه ، يعطي ادبه ، يعطي فكره و ابداعه الذي لا يمكن أن يصرف بأي حال من
الأحوال !.
اذن يوجد خلل في الإتزان (التجاري) اصلا ، بل اختلال ثقافي ، اذا ما
اعتبرنا الثقافة عموما : اعادة التوازن بين الإنسان و المحيط.
من أصعب الأسواق ان صح التعبير ، اذا ما حاولنا أن نسوق للقيم الإنسانية ،
كالفن و ااجمال و الفكر دون أن نراعي كل ما يحيط بالمادة(....) سيكولوجيا
وسوسيولوجيا و اونثربولوجيا و كذا مختلف التبعات الأخرى !
المثل الشعبي الجزائري يقول : " وريني حقي و كولني "
بمعنى أشر الى القمر بأصبع افلاطون من جميع الجهات ثم تحدث عن القمر. بمعنى
تحدث عن التسويق الثقافي من جميع الجهات ثم تحدث عم السوق كما يروق اليك مادمنا في
زمن ليبرالية السوق و التسوق ، و اللي ما يتباع حرام كما يقول التجار.
تحدث عن الجانب المعتم للقمر ، القمر جميل لكن الشمس اجمل ، القمر جرم
سماوي مضاء ، يستمد ضوءه من الشمس ، يينما الشمس جسم مضيء !
التسويق الثقافي يطرح منذ (روييرا اسكاربيب) الى دوركايم الى بن خلدون
اشكالات و تأويلات اخلاقية ، و الا كيف نفسر حسب (مالرو) الولادة الإبداعية
بالولادة الطبيعية البيولوجية ؛ ووقق جميع
المراحل التي يمر بها الجنين ، من ساعة التلقيح الى الحمل الى الولادة دون ان ننسى
الرعاية الطبيبة ، ثم يقدم هذا (المولود) على طبق من ذهب الى زبون لم يشعر يوما
بعذابات الولادة ، سواء كانت كلمة او لوحة او فكرا.
فكرة التسويق الثقاقي لم تكن ولادة اليوم بل تعود الى نشأة الدولة السياسية
عند الأغريق ، مع قوانين " صولون" الحكيم من كتب رفقة الحكماء السبعة
اثارت تخلد اسماءهم. كتب صولون في معبد (دلفي) أو / (دلف) : " لا شيء يزيد
على حده" !
جعل صولون الفنان و الشاعر ألا يفقد حريته ان عجز عن رد دينه للدولة
الاغريقية..و لكا وصل الحاكم الديكتاتوري الحكم " بيزستراتوس " سنّ
قوانين نزولا عند رغبة الشعب بتدوين الإليادتين الشهيرتين : " الإليادة"
و " الأوديسا"
كما يعود له الفضل ان جلب الإله " ديونيسيوس' و اعتبرها عبادة لكافة
الشعب الأغريقي ، ورد الإعتبار لفن المسرح و جعله طقسا لغويا دينيا دنيوية.
غير ان على طرفي نقيض أعتبر الشاعر الملحمي " هزيود" صاحب "
للثيوغونيا" أو اصل الآلهة أو انساب الآلهة : " أن الأدب الذي يعيل
صاحبه ما هو إلا أدب سوء " !
ومع التقدم الثقافي و الحضاري للأمم و الشعوب رأينا جل القوانين الاي تجعل
من الأدب و الفن و الثقافة سوقا تجارية ، بمعنى (....) كتلة و مساحة وحجما و لونا
، نتاجا ، ثم سوقا ، ثم مستهلكا الأ و كانت ترافقه تبعات اخلاقية..
و لكن رغم غضاضة الكلمة (تسوق) الفعل الثقافي إلا أن لابد في الأهير أن تتم
العملية ولو على مضض ، بنفس الكيفية الاي يريدها السوق وراء كل نتاج (....)
استهلاك و بيع !
غير ان هذا لا يجعل المجموعة الثقافية الفمرية الأدبية الفنية أن تجلس في
هلع آسر ، و تدع هذا السوق الذي حول كل شيء للى بضائع أن يملي اليها رغباته
الطفولية.
و اذا وجدنا التروبج / البروبجندا / الدعاية المجانية للتسويق الثقافي هذا
لا يمنع الدولة من التكفل و الرعايا بالأداب و الفنون و الفكر ، و تنزل رجالاتها
منزلة التكريم و الجوائز لحفظ البقية المتبقية من ماء الوجه..كما ان الدول
الثقافية اليوم تسند بعض المهام العليا في للدولة لبعض المثقفين و الأدباء و
الفنانين ، بيس كونهم سياسيين أو رجالات دولة اداريين ؛ انما كنوع من الرعايا و
الدعم.
فالمثفف الحقيقي لا يعيش من انتاجه الفكري على خسب كهنية اهل السوق ، انما
الدولة من تتكفل برعايته و دعمه و ترعاه المكانة الاي تليق به و مجهوداته التي لا
تقدر بثمن ، المثقف ملح الخليقة التي يخميها من الفساد ، فضل أن يتاجر مع نفسه ،
شرف الكلمة و نبل المعنى و دفء الحياة.
و تبقى الإجتهادات البشرية قائمة من اجل أنسنة التسوق ، و تجعله مستصاغا في
زمن ولت فيه القيم ، و صار مل شيء يرى بعين السوق.
" التسوق الثقافي" كلمة متداولة بأوساط المجتمع ، لكن اا نريدها
من لدن ألسن لطالما حسبناهم رجال الصفوف الأمامية ، غيرتهم على الثقافة بنثلبة
الغيرة على الشرف ، يدافعون عنها ، كونها في مجرى التاريخ هشة في حاجة الى دفاع.
من أجل اخلقة القطاع اولا ثم لكل حادث حديث...... !