عالم مجنون لا يحكمه سوى القادة المجانين
العقيد بن دحو
فوز الرئيس الأمريكي " دونالد ثرامب" Donald Trump ثيوغونية جديدة ؛ تظهر
وراء فوز كل رئيس للولايات المتحدة الامريكية فكرة مجنونة ، فمن الفوضى الى الفوضى
المدمرة الى الفوضى الخلاقة وصولا الى فكرة ما اطلق عليه " جنون التاربخ
".
وصول دونالد ترامب بهذه (الحالة) السيريالية الى سدة الحكم لا يعني ان
العالم عاجز عن صناعة و تكوين رجال حكم وفق النمط التقليدي الكلاسيكي ، لكن
المرحلة التي يعيش فيها العالم من حروب ، قتل ، دمار ، تعذيب ، الدم ، الخوف ،
القسوة ، و كل الاشياء التي تؤدي الى الغموض دفعت الى تواجد مثل هذا الشخص على رأس
امريكا او على رأس الامركة او الكوكبة او العولمة.
صحيح فكرة الجنون السياسي ليست وليدة اليوم ، بل تعود الى سذاجة بداية
المكون الإغريقي مما قبل التاريخ أو ما قبل الميلاد Folie Politique أو Parafrosyni بالأغريقية
للفصحى.
تعود الفكرة الى بطل اليونان " أياس" أو يسمى "
أجاكس".
كان أياس بن تليمون ملك سلامين ، بطلا من ابطال اليونان امام طروادة . حارب
فأحسن البلاء ، و ظهر على الطرواديين في مشاهد عظيمة ، و حمى اليونانيين جميعا بعد
ان انهزم زعماؤهم و ابطالهم. فما زال يدافع عنهم حتى أقبل أخيل فرد اعداءهم
منهزمين ، فلما كان مقتل اخيل جعل اليونان سلاحه جائزة لأعظم أبطالهم شأنا ، و
أجلهم خطرا ، ففاز بها أوديسيوس ، و غضب لذلك أياس فذهب عقله. وأنحى بسيفه البتار
على ما كان في حظائر اليونان من ماشية ، فلما عاد اليه صوابه استخزى لما فعل فقتل
نفسه.
كانت هذه اللمحة الاولى للنظرة الأولى ،
للكلمة الاولى ، للفكرة الاولى ،
للفعل الاول للفطة جنون.
الجنون الاغريقي الذي كان يعنى (الأخذ) المقرون بالشخص "
الملهم"!.
حتى قال افلاطون : الشعر جنون سماوي ، و الشاعر مجنونا سماويا عكس الشخص
العادي الذي ذهب عقله وصار مريضا اكلينيكيا أو يسمى اصطلاحا جنونا ارضيا لا يقاس
عليه.
الجنون هو الملح الذي يحمي العقل من الفساد.
ظلت الفكرة اليونانية القائمة على الشخص المهتلس الى ان جاءت السيريالية
كمذهب ادبي فني قائم بذاته ابان الحرب العالمية الأولى 1919 أعلن مجموعة من
الفنانين التشكيليين شعارهم : " كل شيء لا شيء.. "
في اشارة الى التململ و اليأس و خيبات الامل التي اصابت المجموعة البشرية
جراء هذه الحرب المجنونة.
أدى هذا المذهب الى ظهور فكرة الهروب من المجتمع بأية وسيلة كانت..فلم يعد
الجنون مقرونا بالمرض الساذج البسيط على ققد الوعي و العقل ، و انما على كسب
العقل. صار الجنون فكرة عبقرية ، العبقرية الجريحة كما عي عند ابطال اليونان
بالملاحم الكبرى و بأشعارهم الدرامية الخالدة المأساة و الملهاة منها. انتقلت و
انزاحت من الأعضاء البشرية الى ما يميز القيّم الإنسانية كأن يعلق المعلق الرياضي
عن المقابلة بقوله يا إلهي... ما هذه المقابلة المجنونة!؟.
حتى أن الثورة الفرنسية اتخذت من فكرة الجنون شعارا لها : "ولنكن
عقلاء و نطلب المحال " !
وعندما تتخذ الصحافة العالمية من
تصرفات الرئيس الأمريكي الفائز مؤخرا و مجددا برئاسة البيت الأبيض ، خارج العهود و
المواثيق و الأعراف الدبلوماسية ضاربا بقواعد البروتوكولات و اتيكيت المراسيم.
فتراه يرقص احيانا ، مصارعا ، ساخرا هامزا غامزا لمزا من كل مسلمات القرن
21 ، طالقا العنان دون حسيب و لا رقيب ،
مادامت الغرامشية الامريكية الميكيافلية الماكلوهانية الجديدة تتطلب هذا النوع من
الجنون الاكثر عقلانية ، ليصدق المثل الشعبي الجزائري القائل : " أهبل تعيش
" !
امريكا جربت كل العلوم الدبلوماسية الممنهجة و في الاخير ادركت ان بعض
الفنون جنون !
و ان بعض اللحظات " ترامبية" المجنونة خير من ألف عقل لا يجلب
لامريكا الا المزيد من العداوات السلبية.
تكفي بعض الرقصات الخليجية بالسيف أن تقدح على بلده ارميكا الملايير من
الدولارات و المئات من الصفقات و العقود !
تحت شعار : الأمن لمن يدفع أكثر !
جاء ترامب الرجل المناسب ليقود هذا العالم المجنون ، يخاطب بما تفهمه كل
دولة حتى اولئك الاكثر تطرفا ، كل حسب جنونه ، و حسب خطورة مرضه.
ترامب يعتبر العالم اكلينيك عقلي سيكولوجي كبير ملئ بالحكام المرضى ، منهم
من يتوهم الحكم الديمقراطي ، و منهم من يتوهم الحكم الشمولي الدكتاتوري ، و منهم
المعتدل ، و منهم المتطرف.. و منهم من
مصاب بالعصاب الذهني ، و منهم المعقد ، و منهم السيكوباتي ، و منهم الشخصية النرجسية
، و منهم المصاب بداء الرهّاب / الفوبيا من ان بتخلى على الحكم طواعية أو يطاح به.
منهم المصاب بجنون العظمة....
كل هذه الامراض برقصة واحدة بصرعة واحدة ، و يدفع ما عليه من تكاليف علاج
تشفى الدول و كبار قادتها من امراض الوهم و الوهن.
أخيرا أنتصر الجنون و ساد العالم ، جنون التاربخ ، و جنون الحاضر ، و جنون
المستقبل..الجنون كفكرة تبرر الغاية..بل الجنون هو الفكرة و الوسيلة.
وراء كل رجل امريكي منتخب فكرة و فكرة ترامب الجنون و تجنن العالم كيما
يحمي ما تبقى من عقل و تعقل و عقلانية من الفساد.
المجانين وحدهم هم من يحكمون العالم حاضرا و مستقبلا.