تيسير المغاصبه
نور اليقين
-٤١-
(لن تشرق الشمس أبدا )
قصة متسلسلة
بقلم: تيسيرالمغاصبه
٢٠٢٤
الفصل الرابع
------------------------------------------------------
نور اليقين
-٤١-
بعد أن ذاقت السيدة جواهر حلاوة الإيمان تستقيل من كافة مناصبها متنازلة عن
نفوذها.. وقوتها.. وهيبتها وهيمنتها،
مستسلمة لله ..ذليلة له.. طالبة عفوه؛ لكن بحب لايمكن وصفه أبدا.
يختفي الحراس من حول قصرها ،تسرح جميع خدمها وموظفيها مضحية بكل ذلك لأجل
الاعتكاف والتفرغ للعبادة .
ترتدي الحجاب وتمضي وقتها بتلاوة القرآن ومناجاة ربها.
فتشتغل بجميع أموالها بتوزيع الزكاة والصدقات باسم "فاعلة خير مجهولة
"فكانت أيضا تتبرع بالشقق وتبني
الوحدات السكنية لإيواء الأرامل والأيتام
..فتبدلت قوتها إلى رحمة للضعفاء.
* * * * * * * * * *
يقوم "احمد العواد" ببناء منزلا سريا من دورين ليستقبل بالدور الثاني منه بنات الليل ومن يرغب بمعاشرتهن مقابل أجر قد حدده هو.
وأما الدور الأول فكان للعب القمار وكان يستقبل فيه حتى من كانوا يخسرون نقودهم على الطاولة لكنه يوقعهم على
شيكات ليجبرهم على الدفع فيما بعد.
فيتستر عليه الجميع حالما يأتي الوقت المناسب للإجهار بتلك الأعمال .
ومن جهة أخرى يمر إخوة تمارة وإبن عمها سليمان بمنزلها ومعهم إحدى المومسات فيطلبون من أختهم
أن تعطهم خمارا كي ترتديه المومسة حتى لايتعرف عليها أحد ليأخذونها إلى البرك
الملحية كي يتمكنون من إسقاط جنينها الغير متوقع هناك .
فتضحك تمارة وهي تعطهم الخمار
وتقول لهم :
-الله يخزيكو ماأوسخكو يا...............هههههههههه؟
* * * * * * * * * * *
يستدعي يحيى أحد البنائين ويصطحبه معه إلى مستشفى المحافظة القديم الذي كان
خاليا من المرضى بسبب أعمال الصيانة.
يستطلعون المكان والمظلة التي تحتاج إلى سقف من الأسمنت ويقول يحيى لمعلم
الصنايعيه:
-هاذي هي المظله ..قلي قديش الصبه
بتكلف ..إحكيلي المبلغ كامل شامل كل إشي؟
-شوف سيدي ..مع المواد وإجور العمال وأتعابي بتحسب حسابك على متين دينار.
-متين دينار؟
-نعم سيدي.
-طيب بتقدر تنجز الشغل بيومين ..خميس على جمعه؟
-أف ..طبعا بقدر سيدي.. شو هي
كاينه صنعة صاروخ ..مهي كلها صبة بطون وسلامتك تعيش.
-طيب يوم الخميس..يعني بكره ..فيه عطله رسميه ..يعني مع يوم الجمعه هي
يومين..بكون مافي عمال وصنايعيه غيركو هون مشان تشتغلو براحتكو..كويس ؟
-كويس كثير سيدي..بسلمك إياها جاهزه يوم الجمعه الظهريات .
-طيب ..وإلك مني إنتي وعمالك إكراميه خمسين نيره وفوقهن كمان سدر
كنافه..كيف أنا معاك؟
-الله يديمك ويتمم عليك سيدي.
-يله جهزو عدتكو وقولو يالله وبنلتقي ظهر يوم الجمعه.
* * * * * * * * * * *
في صباح يوم الخميس يتوجه يحيى إلى المدينة قاصدا زيارة حبيبته جواهر بعد
أن رأى نفسه يتزوجها ويرفع الطرحة عن رأسها في الليلة المشؤومة مع عناد .
وكانت تلك هي الزيارة الأولى التي يقوم بها إلى جواهر منذ أن تسلم مهامه.
وعندما يصل يتفاجأ بعدم وجود حرس أو موظفين أو خدم كما هي العادة، فيشعر
بالقلق الشديد على جواهر .
يدخل من بوابة الحديقة ..يمشي ببطء بينما ساقيه ترتعشان .. لقد كان القصر
كما وأنه مهجور .
يصل إلى بوابة القصر الداخليه بينما قلبه يخفق بشدة قلقا على جواهر ..يقرع
الجرس وهو يخشى ألا ينفتح الباب .
ينتظر دقائق وهو يشعر بأن الدقائق
كساعات ..أخيرا يفتح الباب ..فتظهر أمامه جواهر مرتدية الحجاب وعيناها
تدمعان من شدة الإيمان فتتفاجأ بزيارته.
اعتقد يحيى في البدايه بأنها امرأة أخرى..لكن عندما قالت :
-يحيى...؟
تأكد بأنها حبيبته جواهر فقال وهو يقترب منها وقد إنفرجت أساريره:
-والله حلو عليكي لحجاب ياحياتي؟
يدخل ..يغلق الباب من ورائه بينما جواهر تنظر إليه ووجهها يشع نورا ،فيقول
يحيى:
-تأخرت عليكي حبيبتي مش هيك؟
يقترب منها أكثر يريد أن يحتضنها ويقبلها بشوق لكنها ترجع إلى الوراء بسرعة
وتمد ذراعيها معترضة صدره بكفيها كي تمنعه من لمسها ،وقالت:
-لا يايحيى؟
فيقول يحيى بدهشة :
-إيش مالك حبيبتي..أنا يحيى؟
-عارفه..عارفه يا يحيى.
-طيب فيه إشي حبيبتي أقلقتيني عليكي؟
-إنتي مش شايف إشي متغير يايحيى؟
وعندما نظر يحيى حوله متأملا الصالة أدرك كل شيء ،خصوصا عندما تلفت في
أنحاء الصالة الواسعة جدا ولم ير أي أثر للصور التشكيلية المحفزة على الحب الصارخ..والمنحوتات البشرية
المثيرة والتي استبدلت جميعها بلوحات
لآيات قرآنية ورفوف إمتلأت بالكتب والمجلدات والمراجع الدينية.
هنا تابعت جواهر :
-صحيح يايحيى إنك كنت أول حب في حياتي ..لكن هسى فيه إلي بستحق حبي أكثر
منك؟
-مين هو ياجواهر؟
-الله ..هسى أنا بحب الله ..ورايحه أعيش على هادا الحب وبس ؟
-.................. .
فتابعت جواهر :
-كانت غشاوة بتغطي عيوني يايحيى..أغرتني السلطه والهيبه والنفوذ والمصاري
..وعمو عيوني وقلبي..وبعدوني عن تعاليم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم..وقسيت على
ناس كثير ..وظلمت ناس كثير بتمنى إنو الله يسامحني ..وهمو كمان يسامحوني؟
-................ .
-وهسى رجعت لحبي العظيم ..لله إلي مابحب إلي غير الخير ؟
بالرغم من أن يحيى تمنى لو أنه بكر قليلا بزيارته لجواهر كان من
الممكن أن يصل إليها قبل هذا التغيير
المفاجىء..لو أن مشاغله لم تبعده عنها حتى يتمكن من احتضانها للمرة الأخيرة ويشم
رائحتها..وتختلط أنفاسه بأنفاسها كالعادة.
ليته كان يعلم بذلك التغيير مسبقا ..لما تركها أبدا .
لكن يحيى عاد وإستغفر ربه وقال وهو لايزال
متمسكا بآخر أمل له :
-والله أنا سعيد عشانكي ياجواهر
..بس ..بس هاظا ما بأثر على حبنا وعلاقتنا ..ممكن إنا نجوز ونكون مع بعض ..لأن
دينا مافيه رهبنه ياجواهر ؟
-لا بأثر كثير يا يحيى..لأني هسى صرت ما أشعر بأي شعور أو أي رغبة
حسية تجاه أي رجل ..أنا مابشعر هسى بأي
إشي غير كلام..حبي العظيم..الحب الدائم..حب الله ؟
فقال يحيى بخيبة أمل كبيرة لكنه كان صادق في قوله:
-أنا بتمنالكي كل خير ياجواهر..استودعكي الله ياحبيب.......يا....جواهر؟
-مع السلامه يايحيى..الله يحميك من كل شر..إن شاء الله رايحه ماأنساك من
دعائي مشان الله يحميك..أنا يايحيى صرت مابشوفك هسى غير إنك أبني البعيد؟
يخرج يحيى ويغلق الباب من ورائه فتنهمر دموعه مدرارا فيقول محدث نفسه :
-الله يحفظكي ياجواهر ويعطيكي الصحة والعافية ويسعدكي في الدنيا
والآخرة..استودعتكي الله إلي مابتضيع
ودائعه ياجواهر ؟
وبعد أن أدرك يحيى أن جواهر الآن لاتتمتع بأي سلطة أو قوة أو نفوذ ،ولن يحمها من أي مكروه سوى الله وحده يقول
وعيناه تدمعان:
-يالله أحميها مثل ماحمتني..وأحرسها مثل ماحرستني؟
مشى يحيى وهو يعيد شريط ذكرياته مع جواهر منذ أن دخل قصرها لأول مرة وهو
صغير إلى تلك اللحظة .وكان يشعر بأن كل ماحدث معه في علاقته بجواهر أشبه بالحلم الجميل الذي أفاق منه فجأة.
* * * * * * * * * *
في ظهر يوم الجمعة كان مأمون في زيارة إلى صديقه يحيى الذي أخبره بحكاية
المظلة الأسمنتيه واصطحبه معه إلى موقع المشروع.
وهناك كان العمال قد إنتهوا من صب المظلة التي كانت تكلفتها فقط مائتي
دينار ..وقد أنجزوا عملهم على أكمل وجه.
وقد أوفى يحيى أيضا بوعده لهم باعطائهم الاكرامية وقدم لهم سدر كنافة ساخن
على حسابه الشخصي ،وعند عودتهما قال يحيى لمأمون:
-شايف يامأمون بس متين وخمسين نيره
؟
-وهسى المبلغ إلي ظايل معك شو بدك
إتسوي بيه ؟
-وهي هاذي بدها كلام طبعا برجعه لخزينة الدوله؟
-الله عليك يايحيى كنت متوقع منك تعمل هيك؟
ثم تنهد مأمون وقال:
-بتعرف ياخوي يايحيى؟
-شو ؟
-لو فيه مثلك بالبلد كمان أكمن واحد شو ممكن تعملو.
-هي إنتي أول واحد من الأكمن واحد هظول ياخوي يامأون ؟
ثم تنهد مأمون وقال :
-والله فيه موضوع كنت بدي أقلك إياه بس أجلته شوي على بين مانرجع من مشوارنا ..مشان ماأربكك في
شغلك؟
-خير أخوي شو فيه؟
-الموضوع بخص خالتنا..الحجه نوال؟
-أقلقتني يامأمون أحكيلي بسرعه إيش
مالها نوال ؟
ثم تنهد من جديد بحزن وقال:
-والله تعبانه يايحيى ..تعبانه كثير..ومابخفي عليك .. وشكلها خلص ..بتودع
"أي ستموت"؟
-ياساتر يارب .
-وهي إلي ودتني عليك ..بدها إياك مشان تعطيك وصيتها؟
-تعطيني أنا وصيتها؟
ففهم يحيى بسرعة بماذا تريد نوال
أن توصيه ..بكل تأكيد سوف توصيه على فرح ،فقال لمأمون بسرعة:
-مأمون.. يله معي مشوار سريع على المحافظه وبعدين بنروح على لجبال ..مش
رايحين نتأخر طالما سيارتنا تحت إدينا..يله ؟
وإنطلقا معا إلى المحافظة.
وعندما وصلا إلى المحافظة يترك مأمون في السيارة ويذهب بمشوار سريع إلى
إحدى المحال ويعود.
ومن هناك ينطلقا معا إلى الجبال حيث نوال وفرح وغادة.
* * * * * * * * * *
تتوجه جواهر إلى طبيبها لإجراء بعض
الفحوصات قبل توجها إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج.
وما أن يرها طبيبها القديم ويتعرف عليها بالحجاب حتى يقول لها:
-تشرفنا ستي جواهر ؟
فترد بتواضع:
-بلاش كلمة ستي يادكتور ..ماعاذ الله إني أكون ست حدى ..سيدي وسيدك الله ؟
يتفاجأ الطبيب بذلك التغيير المفاجىء الذي طرىء على المرأة الجبارة فيقول :
-والنعم بالله؟
وبعد إجراء الفحوصات يقول الطبيب:
-أووووو وضعك تمام لولى ضغطك إلي دايما مرتفع ؟
-يعني مافي إشي غير الضغط.. بسيطه يادكتور؟
-لامو بسيطه ياجواهر ..وهو الضغط سهل.. لاتستهيني بالضغط ياجواهر ..إنتي
ضغطكي دايما مرتفع ..وإنكي تروحي على منطقه حاميه كثير بعد ماتعوتي على القصور والمكيفات والمسابح
ممكن يكون فيه خطر على حياتكي؟
-الأعمار بيد الله يادكتور ..ماحدى بموت وهوه ظايل إله عمر؟
-معليش إسمحيلي ياجواهر..إنتي بتكي إطوفي وتمشي تحت الشمس وشغله طويله رح
تجهدك؟
-مثلي مثل غيري يادكتور ..يعني أنا
هسى بدي أكون أحسن من المرضى وكبار السن إلي بروحو على الحج وهمو مش عارفين حتى
يمشو؟
-يعني مصرة ؟
-أيوه مصره.
طيب إنتبهي كويس وخلي معاكي جهاز الضغط المحمول مفهوم ياجواهر ؟
-مفهوم.. شكرا يادكتور.
- خليني أشوفكي لما ترجعي ياجواهر حتى أطمن عليكي ..وتقبل الله طاعتكي
مقدما.
وعندما خرجت جواهر تنهد الطبيب وقال :
-سبحان مغير الأحوال ..كنتي ياجواهر
الجبل الصخري الأعلى والأقوى في البلد الذي لايستطع الوصول إلى قمته أصلب
لرجال وأكثرهم قوة وجبروت..بلحظة بس تواضعتي وضعفتي قدام ربكي..فعلا إنك لاتهدي من
أحببت ولكن الله يهدي من يشاء.
(يتبع...)
تيسيرالمغاصبه
٢٧-٧-٢٠٢٤