الحُكم و صراع الأجيال
العقيد بن دحو
لطالما أعتبرت اليونان القديمة حاضرة الإغريق : "الحُكم كنز".
الحكم كنز ؛ لا يقل قيمة عن مختلف الثروات و البنى التحتية و الفوقية و كذا
البشرية ، المختلف المبدع الخلاق للثروة و القيمة المضافة المادية و المعنوية منها
و من تجدد نفسها بإستمرار.
و منه أشتقت العبارةالفرنسية / Le pouvoir cést un trésor
ومنه جاءت العبارة الإنجليزية : Judjement is a treasure
و حتى القرن التاسع عشر ظل هذا الشعار ، شعار الحُكم قائما و كذا بالوصول
اليه ، شعارا ترابيا و لا سيما في ظل الحكومات الملكية او هي الحكومات الشمولية
التي يتمركز في الفرد المهيمن او الجماعة ذات القربى السياسية الواحدة.
مما قوى و عزز على طرف نقيض النعرات و الصراعات و قوى تلك الحروب الداخلية
الأهلية من أجل الوصول الى هذا الحكم الكنز. الى ان بلغ طائفة تستعين بكل ما اوتيت
من غايات ووسائل غير اخلاقية و الأستعانة بالآخر الأجنبي من اجل الوصول الى الحكم.
و كلما وصلت طائفة لعنت الطائفة التي قبلها ، و أتهمتهتها ببئس الألقاب و
النعوث ، كان لا غاية لها من حب الوطن الا كونها متعطشة دموية السلطة ، و أنها
مستعدة تحرق الأخضر و اليابس من اجل الوصول الى هذا (الكنز) ؛ بل البقاء فيه و
اكثر مرارة و قسوة هي توريثه للأبناء و الأحفاد. مما يجعل الحكم يدور في حلقة
مفرغة ، فيه تفرغ القيم ، و تفرغ اللغة ، و يفرغ الحوار ، و يصبح الشعب بدوره
مفرغا عن أي كلمة رنانة ديماغوجية كانت تغذي فيه روح الوطن و الوطنية ، كما يقوي أواصل
التحجج و التحرر و روح الإنتقاد مما يكون السبب في تقسيم المجتمع على أساس عرقي أو
بيئي أو جغرافي أو اجتماعي ، مما تضعف الدول و تنهار الحكومات.
بل تبثت نظرية الحكم كنزا ، مقارنته بالفساد الوازع الاخلاقي ، و حين
تستحوذ فئة عمرية معينة على الحكم..العجائز خطزون فهم لا يكترثون بما يحدث حولهم
في العالم (مالرو).
يجبر هذا بحكم المجايلة الى ثوق الأجيال القادمة من الوصول الى هذا الحكم
(الكنز) الذي رفض فيه العجائز تقسيم كعكته على أجيال اخرى من أعمار اخرى و من فئات
اجتماعية أخرى !
بل يكون الجيل السابق الذي وصل الى مستوى احداثيي فواصل و تراتيب محوري
البلوكاج السياسي و من خلاله الثقافي الإقتصادي الإجتماعي.
معظم الصراعات التي تشهدها بعض الدول داخليا سببها رفض الجيل المستحوذ على
الحكم تقسيم كعكة (الكنز).
هو صراع على كل حال ، غير أن التقدم الحضاري الديمقراطي قننه و جعله اكثر
اخلاقيا ، على الرغم السياسة كالماء لا لون و لا رائحة و لا طعم لها انما تأخذ شكل
الإناء التي توضع فيه. السياسة كالسراب يحسبه الظمآن ما... حتى اذا ما وصل الى
مبتغاه اكتشف بأنه لا يعرف شيئا. السياسة فن الممكن ، كل شيئ ممكن ، الغاية تبرر
الوسيلة غير أنها في احظة معينة تضرب بكل الأعراف و المواثيق على حين غرة و فجأة.
لهذا عوضا عن ذاك الصراع الاسطوري بين الآلهة و الابطال و أنصاف الإلهة ، و
آلهة الشر و البشر من يستحود و يسيطر أكثر على الأرض و خيرات الأرض Ghea
ظل هذا النزاع قائما الى ان اهتدى
اطراف الصراع الى لعبة سياسية تضمن حق الجميع فقراء و اغنياء و نبلاء في المشاركة
في الحكم. ليكون النهج الديمقراطي هو خبز الفقراء مع الحفاظ على ترف الأغنياء !.
ليتحول مع التقدم الثقافي و الحضاري للأمم و الشعوب من صراع الى تنافس ، و
من نظام اقطاعي ، بربري، عائلي ، عشائري ، قبلي ، جهوي ، عنصري مقيت الى نظام
مؤسساتي حزبي. اين يخضع الجميع الى لعبة اخرى مدستر و مسطر عليها سلفا عليها ،
يكون فيها بلوغ هذا الكنز ليس عن طريق فك طلاسم شفرة حجر الرشيد ؛ أو وفق خيط
(أريادني) الساحر الآسر بتلافيف متاهات جزيرة كريت اليونانية ، انما و فق نظام
عالمي متفق عليه الأنتحابات. أين تقدم برامج المترشحين ، من لهم الرغبة و الطموح
الوصول الحكم (الكنز) نيابة عن الشعب. فيكون من حق الناخبين الإختيار (...)!.
و حتى الآن اذا كانت الديمقراطية هي آخر ما توصلت لها العبقرية الإنسانية
منذ عهد الاغارقة القدامى مما قبل الميلاد الا أن الإنسانية لا تزال متأخرة في
اكتشاف عن حكم آخر أكثر عدلا و اكثر حرية و أكثر مساواة. و ما ادرانا لعل الذكاء
الإصطناعي يوصلنا الى حكم ما بعد الديمقراطية أكثر نزاهة ، أكثر كفاءة ، و أكثر
اخلاصا!
الحكامة الرشيدة تقول الثروة هي غير الكنز ، يجب على كل مواطن أن يقتنع بأن
نصيبه من (الحكم) مضمون ، بمعنى يشعر بأثر الحكم الثروة ، بأن له نصيب محفوظ على
الدولة يخشى أن يفقده و له مكاسب ارباح من هذا الحكم يطالب به..اما اذا لم يشعر
بشيء يكسبه الا مزيد من خسارة بريقه البشري يلجأ في صمت و سمت الذين يدرون و لا
يدرون يترقب الأحداث..و اذا كانت الديمقراطية اليونانية افرزت حزببن عتيدين
يتنافسان عن السلطة ، الحزب الأورستقراطي و الحزب الديمقراطي فإن رغم الديمقراطية
الحديثة و التعددية الحزبية و الحكم الراشد ، لا يزال (الحُكم) بكيفية أو بأخرى هو
الكنز ، و لا يزال الصراع الوصول اليه قائما و لو سلميا.
و لا يزال القضاء و القدر الأرسطي الذي يقرر مصير الأفراد و الجماعات
بالدراما المأساة التراجيديا اليونانية قائما في دولة يحكمها النظام الديكتاتوري ،
القمعي ، الدولة البوليسية. تلك الأجهزة التايلورية التي تريد الشعوب على مقاس
واحد و على سرير "بروكست".