متى ينتهي الفقر و تموت الأمية
العقيد بن دحو
* - "الفقر ديّة الكسل".
* - "عن قريب تحتفل ألمانيا بموت آخر أمي".
هاتان المقولتان أعلاه ؛ الأولى : تعود للشاعر الدرامي الملحمي الأغريقي
(هزيود) Hésiode في قصيدته الشهيرة " الأعمال و
الأيام" ، و هي تحاكي و تحكي أن الفقر ليس قضاء و قدر سماويا مسلطا على
العباد و البلاد ، و ليس أمرا الهيا يريد الشعوب أن تظل فقيرة الى أبد الأبدين ،
يائسة يحُفُها الاحباط و الملل و الكلل و الفشل. بل يعود الفقر الى شيء في ذات
الإنسان ذاته ، كونه كسولا و بالتالي لا تسأل عن مخرجات الأفعال اذا كان المدخل و
المتخلل تحصيلا حاصلا.
الإله و البطل و نصف الإله عند الاغارقة غنيا غير نرجسي أو سادي . لا يحبب
أن يرى البشر فقراء . اذ صوت الشعب من صوت الإله ، و امتازت البشر بما امتاز به
الأله من قوة ، جد ، كد ، اجتهاد ، بطولة و فروسية . شهامة ، كبرياء ، أنفة و عزة
نفس.
بينما المقولة الثانية: تعود للشاعر الفيلسوف الألماني (جوته) Gothe : تشير الى
أن الألمان عن قريب يعلنون فيها - ولو أنه تعبير مجازي - عن احتفائية عظمى موت آخر
أمي ببلدهم. أي نهاية الأمية . العائق
الأكبر لأي تقدم تنموي نهضوي تشهده دولة من الدول.
في بلد خرج من حربين كونيتين مدنرتين ، لو أنها في باد آخر أقل اقداما و
أقل عزيمة لسحقته من على وجه البسيطة.
غير أن الملموس لدينا و من خلال حركيات دينامية الشارع عندنا ، بإمكان
المتتبع الملاحظ أن يلحظ بأن القضاء على الفقر في مدننا و كذا القضاء على الأمية
ليس اليوم و ليس غدا ، لا سيما ان ظل الوضع الحالي على ما هو عليه على جميع
الاصعدة و المحاور السياسية الإجتماعية الإقتصادية الثقافية. على أساس مكون الدولة
دولة اجتماعية، مما ركب أمواج بحرها بعض الطفيليين ، المتسلقين المرتزقة ، يصطادون
بالمياه العكرة ، و يستغلون الأوضاع لأغراض ميكيافلية ماكلوهانية سياسوية ليظل
الفقير فقيرا و الغني غنيا.
مظهر صورة طفل متسول بالشارع هو الشارع نقسه فقيرا ، و عليه حتما سنصل الى
حي فقير و الى مدينة فقيرة..و عندما تكون اغلبية المدن بها متسولين فقراء ، سواء
مزيفين أو فقراء حقيقيين فلا تسأل عن ازدهار المدينة.
المدينة منذ المعجزة الإغريقية الأولى أعتبرت كائنا حيّا ، تمتاز بالصفات المعنوية
، يسقط عليها ما يسقط على البشر. بل الاغريق جلّت و عظّمت و قدّست المدن حتى صارت
"أثينا" المدينة الإله.
الحالة الإجتماعية هذه التي جعلت من مدننا تُخرج أجيالا من المتسولين ،
عوائل بأكملها ليست خشية املاق ؛ انما امتهنوا الفقر و صار حرفة و مهنة من لا حرفةله
و من لا مهنة له ، دون قلب و لارحمة و لا حياء و بلا أخلاق و لا ضمير ، ولا ماء
وجه و لا شرف و لا عزة نفس و لا كرامة و لا كبرياء للمحيط و لا للإنسانية و لا
للمدينة التي بنيت بعرق و دم الألاف من الشهداء و العمال الشرفاء الميامين ؛
يحسبهم الجاهل أغنياء من شدة التعفف.
مظهر التسول اليومي هذا لم يستثن
مدينة من المدن ، سواء كانت ساحلية أو غيرها جعل الفقر رجلا يمشي بين الناس ،
مألوفا ، حتى ظنت الناس بأن له حق عليهم ، عليهم أن يردونه أو يدفعونه له ، كما
يدفع التجار المتجولين لأعوان ضرائب البلدية عند كل صباح و
حين يمسون !.
الفقر عيب و كل عيب ، و الأمية عيب و كل عيب لن تواصلت بلا أهداف و غايات
استراتيجية .
قد نتفهم بعض السياسات التي يطيب
لها أن يكون السواد الأعظم من المجتمع فقيرا محبطا لتمرير رسائل معينة ، كتلك التي
كنا نسمعها من لدن أفواه
كبار بعض مسؤوليين المتفيهقين ؛ أصحاب المهام القذرة ، خطباء و بلغاء لغة
الخشب مطلع الالفية : "جوّع كلبك يتبعك" !
رغم أن الدولة ريعية وغنية بأمتياز.
الا أن ظل التسول عنوانا للفقر الذي جنوه علينا هؤلاء الرعاة الشفعاء
الأمناء الورثة ، الصفوة العليّة الذين علوا بأنفسهم أولا و بالبلاد و العباد صعدا
نحو الاسفل ، لولا لطف الله و الخيرين في هذا الوطن.
ّأولا يجب تحديد سقف القضاء على الأمية فمن غير المعقول أن تظل أقسام محو
الأمية مفتوحة الى أجل غير مسمى !
بمعنى على الدولة الجزائرية أن تحدد سقفا معينا و خطا معينا و سنة معينة
تقضي فيها على الأمية تماما و كفى المؤمنون شر القتال.
أن تحدد سقفا معينا القضاء على الفقر ، و لو في
مدينة واحدة نموذجا صفر فقر كرائد Pilote.
قد يقول قائل أو فتوة مفتي رجل دين أو رجل سياسي ان الفقر في أحشائنا كامن
، و لا يمكن القضاء عليه !
مثل هذه الأقاويل و الأراجيف هي التي جعلت التلامز بالكلاب الجائعة ، و هي
التي أخرت مدننا عن مدن العالم سنينا فلكية ، و جعلت من الفقر و التسول عنوانا
لازقتنا و شوارعنا و احيائنا....
علمتنا الحضارة الاسلامية أن في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز المسلمون
كفوا عن أخذ الصدقات من بيت مال المسلمين ، كونهم صاروا جميعهم أغنياء ، كفوا و
عفوا عند المغانم و عند الأسلاب.
يمكن أن نتخذ من سويسرا نموذجا عن صفر متسول و عن صفر فقير اليوم.
أما مشاهد طوابير قفة رمضان و هدايا العيد ، و التسول المقنن و غير المقنن
كلها ظواهر و مؤشرات تنبئ على ان نهاية الفقر و الكسل ليست اليوم و لا في الآجال
القريبة على الأقل !
و أن موت آخر أمي عندنا ولو اكلينيكيا ليست غدا أن ظلت السياسات المتعاقبة
تتخذ من أداب الهروب الى الأمام تغذيات راجعة لأي مشروع واع واعد عادل وازن يقضي
بالقضاء على الآفتين العقبة الكأداء لأي تنمية تشهدها الجزائر اليوم و غدا ،
العدويين الاجتماعيين ؛ ألا و هما الفقر : دية الكسل؛
و الأمية دون أن تحدد لها سقفا معينا و القضاء عليها نهائيا.