جاري تحميل ... ألف ياء

إعلان الرئيسية

إعلان

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد علَّم نفسك
آراءالعقيد بن دحو

الأدب في صميم الظاهرة الإجتماعية و الأنفصال عنها

 

الأدب في صميم الظاهرة الإجتماعية و الأنفصال عنها

العقيد بن دحو

العقيد بن دحو

من نافلة القول أن الأدب يمتاز بالظاهرة الأجتماعية ، أي لا يمكن فصل الأدب عما يحدث بالمجتمع ، من تحولات ، تنقلات ، تأويلات ، اشكالات ، سياسية اجتماعية اقتصادية ثقافية فنية تقنية و حتى جمالية أمنية.

ما يسقط عن المجتمع يسقط عن الأدب من أفراح ، مسرات ، مظاهر احتفائية أخرى....  ، و ما يحدث من أقراح و مآسي ، كوارث ، أوبئة ، حروب ؛ حتى قيل تمرض الأداب و الفنون و الثقافات بمرض المجتمع ، حين يسقط الأدب بالتكرار الممل ، و التدوير ، و التكعيب المخل ، و يسقط في اراجيف سقط المتاع و الزراية و يناقش سفاسف الأمور ، بل يسقط في فخ أداب تحت الطلب أو أداب النوم أو أداب الهروب ، الهروب من ثقل المادي للحياة لبعض الوقت.

تمرض الاداب و الفنون و الثقافات عندما تصل (الأشباه) و (الأنصاف) و (نصف النصف) الى سدة السلطة الأدبية أو يصير الأديب بوقا وصنجا ؛

ناطقا رسميا أو حاجبا للسلطة السياسية..من ثمة يغترب المجتمع و يلجأ الى ما أطلق عليه "اضراب الصمت" او الصمت العقابي الجمعي ، و تعجز وسائل الاعلام الخفيفة و الثقيلة ، الكلاسيكية و الحديثة و ما بعد الحداثة عن ايصال المعلومة من الفئة العليّة السلطة و من الفئة المثقفة الإنتلجنسيا الى فئة افراد المجتمع السفلية.

المجتمع السيد و السيادة للمجتمع هو خير العارفين بالسليقة و بالخبرة و الممارسة  بفرسانه الذين يقودونه بالماضي و الحاضر و المستقبل الى ااجدوى و المغزى من الحياة ، و عندما لا يجد نفسه في من اختارته الحكومة ليمثلونه أو ليدافعون عنه ، يلجأ الى ارثه متكئه الأول في صمت و سمت الأولين مترقبا في ما آلت اليه الأحوال.

يمس هذا الأدب مباشرة ؛ أذ من غير الممكن أن تطلب من دولة فاشلة أن تنتج أدبا قويا ناجحا و العكس صحيح كأن تطلب من أجب فاشل مجتمعا قويا متراصا عضويا أو غيره. على الرغم الأدب عموما كتابة تدل على الخسارة أكثر منها على الكسب. غير أنها خسارة حميدة. تلك الخسارة التي تبني حضارة ما بالوجه المقابل لا يطالها تقادم و لا زمن و لا يمسها نسيان.

غير أن مع التقدم الثقافي و الحضاري للأمم و الشعوب ، و التقدم في المدارس و المذاهب الأدبية و الفنية ، و منذ ظهور الإنطباعية و الدادائية و السيريالية (1919 - 1939) تحول الكائن البشري ، الانسان الى لون و ضوء و وكتلة و مساحة و حجما و صار ما يميز الأشياء و البضائع يميز البشر. صار الإنتاج يتحكم في الشخص المنتج ، و اذ العامل وهو يعمل يتفتت ، يتفكك و صار برغي صغير في دولاب آليات ضخمة و كأنها آلهة قضاء و قدر بالمعنى الأرسطي القديم Parque تتحكم في مصائر البشر.

فاذا كانت الظاهرة الاجتماعية مكنت السوسيولوجيين من أن يرون (الأثر) من جميع الجهات : الأثر ، و و ما بعد الأثر ، و الأثر الذي يخلفه الحدث ، من جهة أخرى مكنتهم بأن يرون الأسد و عرينه ، الحيوان وقوقعته ، و الانسان و بيئته ، بينما منذ  الحرب العالمية الأولى ، الحرب  جنون التاريخ ضربت بكل قيم الاداب و الفنون و الثقافات التي كانت تغذي المجتمع الاوروبي على الخلق و الابداع يوم ذاك. فرقت بين الخيوان و قوقعته و الانسان و بيئته ، و بالتالي أظهرت وعرّت الحيوان الرخو عرضة  فريسة لنطرية الارتقاء "الدارويني" ، كما أدت بالمقابل فصل الانسان عن بيئته وعرقه و تاريخه ، و أدت عزل الأديب عن مجتمعه الى ما يسمى بأدب الهروب. الهروب من المجتمع. فصل للاديب عما ضحت عليه الفنون و الاداب و الثقافات و ما قدمته من تضحيات جسام في مجرى التاريخ و عليه وصلنا الى ما نحن عليه من رداءة عالمية مملة.... رتيبة لم يعد لها في الامكان ابداع أكثر مما كان !.

فكرة جنونية مثل هذه ، فكرة تخلي الكاتب الاديب الفنان المثقف عن المجتمع ، يشعر فيها هذا الأخير و كأنه متجه نحو الكارثة ، سعيا الى الخلاص الوجود العاري.

و عندما تردد "جوترود شتاين" ترنيمة " الوردة" و كأنها تعويذة سحرية : الوردة هي الوردة هي الوردة ، كأنها وقعت في توربين أو دوامة مطب هوائي سرمدي ، تكرر نفسها من خلاله ، عاجزة عن اي تفسير آخر للوردة !.

الابتعاد عن كل شكل من اشكال الواقع الإجتماعي ، و التحلل من جميع الإرتباظات ، و التركيز على شيئ واحد يتحول بطريقة آسرة ساحرة الى "شيء في ذاته" ؛ من حيث كل شييء لا شييء !.

يذكرنا بأثار الحرب المدمرة على الجميع حيوانا وقوقعة ، انسانا و بيئة ، و أدبا فنا ثقافة و مجتمعا.

هذا (الهارب) من كل شيء و من كل شيء لا شيء شبيه بشخصية بظل (ارنست همنجواي) ، شخصية "نك" ، بلا مضمون ، خارج الأحداث  التي تحرك العالم و بعيدا عنها .

"نك" وهو ينصب خيمته وحيدا بأعماق الليل . كان قد أقام خيمته و استقر. لا أحد يستطيع أن يعكر صفو مزاجه أو يمسه بسوء.انه مكان آمن و ملائم لإقامة الخيمة. و هو هنا في مكان مناسب.انه في بيته حيث اقامه....و الظلام مطبق في الخارج و كان في الداخل أقل قتامة.

ورغم هذه الترتيمة "نك" همنجواي تختلف عن ترتيمة تعويذة Sortilège جولدن شتاين : الوردة هي وردة هي وردة - على وزن : هربت منك وجدت نفسي فيك - الا انها تمثل النموذج الاكمل و الأمثولة الأشمل عن فلسفة انسان يهرب من المجتمع.

الهروب من الحياة اليومية من السأم ، الملل ، من مرض السياسة ، من الوعود التي لا يؤوب منها مسافر. يختار الملايين من شبابنا ركوب امواج البحر نحو المجهول ، المهم الهروب من الهروب ذاته ، أين يدفن رأسه كالنعام وسط التراب أو بعباب البحار أين تستقر اسطورة ظلمات يونس ، الليل و البحر و الحوت و ظلمة ذوي القربى..هو يعرف و يعلم لم تعد جنة فوق الأرض تستهويه '، غير أن قدره أن يهرب من الظلام الى الظلام الى الظلام...!

صحيح الحروب جنون التاريخ ، و تهديم الاثار الصفر التاريخي ، وامراض القيم السياسية و الدبلومية عجلت بهذا الانفصام و الانفصال ، غير أن تخلي الكاتب عن دوره التاريخي في الدفاع عن المجتمع و انحيازه التام الى أن يكون كاتب بلاط يقوم بدور الحاجب القديم عجل بهذا الهروب ، و أصبح الفريقان (الكاتب - الجمهور) يعيشان في كوكبين معزولين عن أي وزن ثقلي أو جذب عام يشدهم على أرض مجهولة ، مما كان له وقعه العكسي على الاعلام عموما ، حين يكتب و لا يدري الى من يكتب ، و حين يقول و لا يدري الى من يقول  ، و حين يظهر بالصورة وهو لا يدري من يراه !؟

وحدها السياسة المريضة تزاول دورها السريري الاكلينيكي في غياب من يجس نبضها و يبين لها عيوبها العضوية الفيزيولوجية الحقيقية.

الغريب عندما ينفصل الأدب عن المجتمع لا شيئ وقتئذ يصبح معبرا عنه ، و الحوار الذي يستجديه حوار طرشان ، رجع صدى لا ينطوي عن أي مضمون.

 


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *