الليل في الأدب و الفن و الثقافة
العقيد بن دحو
* - و السعيد السعيد من يعيش*** كالليل غريب عن هذا الوجود.
* - و ليل كموج البحر أرخى سدوله *** عليّ بأنواع الهموم ليبتلي.
ذاك أن الليل هدأة الكون و سكون الحياة ، و مهبط إلهام و مصدر خيال خصب
للعديد من الشعراء و الفنانين الادباء و كذا المثقفين و المفكرين.
غير أن الذهنية الأغريقية ، سواء قبل التدوين و بعد التدوين ، اعطته ابعادا
و معان ميثولوجية أكثر نضجا ورويّة و شعورا وروحا ، تشعر فيه القرب بإمعان في
حياتنا ، له وفعه على احلامنا وقعا مباشرا ، سواء كانت أحلام يقظة أو احلام نوم أو
اضغاث احلام.
لقد جعل الحلم الفردي او الحلم الجمعي ؛ على اعتبار الأسطورة نفس جماعية لا
فردانية من (الليل) ابنا للزمن (كرونوس) ، فالليل كما ورد في "انساب
الآلهة" Theogonia ، عند الشاعر الملحمي الأورستقراطي هوميروس
في "الإليادة" و "الأوديسا" ، و عند الشاعر الملحمي الشعبي
الديمقراطي هزيود. فالليل أخا النهار و أخا للإله الأعظم ، سيد النظام
"زيوس".
يعود الفضل لليل أن أستمد من خلاله أرسطو أهم وحدة من وحدات المذهب
الكلاسيكي التقليدي الأخلاقي ؛ كأن أتخذ من الزمن أهم وحدة، (دورة شمس واحدة) : أي
يوم و ليلة ، أي ليلتين و نهار واحد. أي 24 ساعة ليل مقابل 12 ساعة نهارا.
غير أن مع التقدم الثقافي و الحضاري للأمم و الشعوب ، و كذا تطور المدارس و
المذاهب الأدبية و الفنية ، الى أن كفّ الأدباء و الشعراء و الفنانين و المفكرين
عن مجاراة التاريخ و صار لكل واحد منهم مدرسته الخاصة و تصوراته الذهنية ووجهات
نظره الحرة المستقلة في جل القضايا الإجتماعية و كذا في المفهوم الحديث بالنسبة
لليل و النهار !.
ورغم جور و بطش و دكتاتورية الزمن الأ أنه يوصف بالإله الحكيم : " أن
الزمن لإله رحيم" .
تقول الأسطورة السيريالية (ميلوزبن) Melosine مثال أعظم
على المرأة الطفلة . انها المقابل الأنثوي للسنطور الرجل (جسد حصان ورأس امرأة) ،
لأنها المرأة و الأفعى ، و لحظة تكون القسم الأسفل من جسدها ؛ يتحول الى ذيل أفعى
في ليالي السبت المشؤومة ، تقابل تحول ذراعي (دافني) الى غصني شجرة و ساقيها الى
جذور الشجرة . تعكس هذه الحالة ثنائية الطبيعة في الرجل و المرأة و علاقتهما
بالعالم المادي.
اننا نجد في قصة (ميلوزين) ، حين عرفت ليلة المأساة ان زوجها قد رآها و هي
تصير أفعى .اذ أن المرأة تمثل معرفة للعالم فربدة طاغية الى حد أنها يجب أن تظل
مخبأة عن الرجل . المرأة منبع المدهش في العالم و الرجل شاعر و حسب أو مشاهد يتأمل
هذا "المدهش" دون أن يتفهمه.
تقول الأسطورة السيريالية أن (ميلوزين) لحظة عرفت أن زوجها قد رآها ، نظرت
من النافذة الى (الليل) ؛ الذي صار بالنسبة اليها ليل السحر الذي ستطير عبره. و
بعد ان كانت المرأة كائنا بريئا أغرته الأفعى . صارت الأفعى - المرأة جنيّة فضاء
التي تخلق الليل و تنشر عليه السحر الى ان تتحول قبل بزوغ الفجر الى نجمة الصبح أو
نجمة البحر Stella Maris.
امثلة كهذه عند الشعراء السيرياليين أمثال بودلير و رامبو ولوتربامون كانوا
يريدون تحويل المرأة الى ليل ، ليل سحر و أسر. "هيرودياد" نموذجا عند
الشاعر "ملارميه" التي تريد أن تصير أخت الليل. تصبح جامدة عقيمة كجواهر
الارض و معادنها.
ان المبدأ الشعري الباطني هو الذي يميز هيرودياد عندما تسامت الليل و
ميلوزين عندما تربد ان تكون أختا لليل وفق وجوهه الرئيسية الثلاث المكونة للبل
اللاهوتي : الملائكية ، الكهنونية ، و النرجسية.
فالملائكية : تعني الشاعر يخلق عالمه الخاص ، و يعيش فيه فهذا يطابق هجر
هيرودباد العالم ورجوعها برجها العاجي ، ووجودها المنعزل. أما الكهنوتية : تتجلى
من جهة في محافظة الشاعر على أسرار شعره
وغيرته عليها ، و نتجلى من جهة أخرى في مسلكية هيرودباد السحرية و أساليب
حياتها الشعائرية. اما النرجسية : المفروض أن يكون في كل ساعر ذاته ، موضوع أشعاره
و يتجلى في كلام هيرودياد الذي وجهته الى مرآتها.
هذا و اذا كانت ميلوزين الهة "المدهش'"
وهيرودياد الهة "النرجسية"
و المرأة عموما أسطورة الرجل الشاعر
فإن (الليل) ، السر و السحر ، الوسط الأعم الاعظم الشامل الذي يتم فيه كل
هذا التحول الخلقي ، تحول دافني الى شجرة
، ميداس الى ذهب ، هيرودياد الى جنية فضاء ، ميلوزين الى أفعى أو الى نجمة صباح.
فالليل ابن الزمن يكون اخا لزيوس الحاكم الاكبر سيد النظام ، و يكون. ابنا
للزمن من دونه لا قيمة لكي تحول أو تنقل في حياة الامم و الشعوب ..و حده الليل الفريد
صديق الساهربن الشعراء و من يحرصون الثخوم و كذا المفكرين..معنى جديد لليل المخلص
الساحر على شدة قتامته.