جاري تحميل ... ألف ياء

إعلان الرئيسية

إعلان

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد علَّم نفسك
تيسير المغاصبهفنونقصة

قوم يحيى -٢٢- (لن تشرق الشمس أبدا )

تيسير المغاصبه

 (لن تشرق الشمس أبدا )

      قصة متسلسلة

  بقلم : تيسيرالمغاصبه

            ٢٠٢٤

       الفصل الثالث

-------------------------------


-----------------------

       -٢٢-

    قوم يحيى

تمر عدة سنوات على غياب يحيى في الجبال، ويكون قد بلغ عامه  العشرين.

وقد إكتسب الصبر والجلد والقوةوالشجاعة وذلك يعود لقسوة الطبيعة.

وأخيرا يتخذ قراره بالعودة إلى قريته لرؤية أمه وأخوته ؛فمهما رأى منهم فهم يبقون أخوته ،وحميدان مهما قسى عليه وكرهه وحاول التخلص منه فأنه يبقى أبيه؛هكذا حدثته نفسه.

لم تقبل فرح العودة إلى القرية لأن أمها ومربيتها نوال تؤثر حياة البرية والحرية الحقيقية.

وقد رضيت نوال  بأن تبقى الغولة ،أو منافسة للغولة ؛ذلك إن وجدت تلك الغولة فعلا.

وبالتالي لم تقبل فرح  تركها وحدها ،فغادر يحيى بعد أن أعطاهن وعدا بزيارتهن بين الحين والأخر، وعدم تركهن أبدا.

شق يحيى طريقه الطويل نحو قريته وهو كله شوق لتراب قريته وبساتينها.

وعندما وصل كان قد أنهكه التعب وشعر بالعطش الشديد ،ذهب إلى القناة وتذكر أيام طفولته وعندما كان يسبح فيها ،

وعادت به الذاكرة إلى أيام نزهاته وحده في القرية أيام طفولته البائسة،وقد إنتشرت حوله الرائحة الطيبة المنبعثة من البساتين،والماء والخضرة والتراب المبتل .

فكان يشعر كما وأنه عاد إلى موطنه بعد أن كان  متغربا في بلد آخر.

* * * * * * * * *

الحاج...

رجل في العقد الرابع ، ممتلىء ..يمتلك نظرات حادة ،غامظة؛لكن يفهمها الأطفال فقط.

عرف بإخافته للأطفال،وكان أسمه محمود، لكنه عرف بلقب الحاج ؛ذلك الاسم الذي كان في مثابة كابوسا مرعبا للأطفال.

لقد كان مجرد ذكر اسمه كافيا لإدخال الرعب بقلوبهم،فكانت وسيلة ناجعة للأمهات ليخيفن صغارهن به؛فولد لايكف عن البكاء ،وأخر يبكي متشبثا بأبيه إذا أراد الخروج من المنزل ،وأخر يرفض أخذ جرعة الدواء .تقول الأم مهددة:

-نادو على الحج ..هيو أجاك الحج؟

فيرتعب الطفل وينفذ ماتطلبه منه أمه.

أما الحاج وهو اسم لا ينطبق مع الوصف والجوهر،وكما يقال "اسم على غير مسمى"فما أن يخلو الحاج بطفل حتى يزرع الرعب بداخله ،فيبقى الرعب في صدره حتى يشب.

لم يهتم أحد بالبحث عن سبب خوف الصغار منه ،وماذا يفعل بهم حتى يرتعبون من ذكر اسمه بقدر اهتمامهم  بأنه يفيدهم في إرعاب اولادهم ليكفوا عن إزعاجهم.

فبقي الحاج يفعل حركات وإشارات بيديه لايفهما سوى الصغير .

بعد أن دخل يحيى القرية ،وبينما كان مارا سمع صراخ طفل ..وصل الطفل إليه صارخا:

-عموه ..عموه ؟

 وقد إرتطم به وتشبث به وهو ينظر  خلفه حيث الحاج الذي كان ينظر  إليه نظرات مخيفة واضعا كفه  تحت أذنه ..وحين أخر يضعها تحت إبطه.

قال يحيى مهدئا :

-لاتخاف عموه لاتخاف..من شو إنتي خايف..مافي إشي بخوف؟

 احتضن الطفل ومن ثم رفعه عاليا وضمه على صدره ،حينها رأى الحاج فعلم يحيى أن الطفل كان خائف منه ،فنظر إليه بغضب وقال:

-مين إنتي ..وشو بدك من الولد ؟

لكن الحاج تجاوزهما وهو مبتسم دون أن ينبس بكلمة واحدة.

* * * * * * * * *

 كانت وطفى تملأ جرتها عندما رأت يحيى وعرفته على الفور بالرغم من طول مدة غيابه ،وماطرأ عليه من تغيير ،صوته الذي أصبح خشن ؛رخيم ،طوله اللافت ،عرض منكبيه،وقوته البدنية التي إكتسبها من حياة الجبال والبراري الشديدة القسوة والوعورة.

قالت وطفى بسرعة:

-يحيى..والله أنا مش مصدقه عيوني ؟

قال وقد إزدادت ألفته وشوقه لقريته :

-أيوه يختي ..أنا يحيى بلحمه وشحمه ؟

قالت مستفهمة:

-بس وين كنت طول هاي السنوات يايحيى؟

تنهد وقال :

-إيييييه ..والله هاي قصة طويله يختي ..بلا زغره " أي عفوا " إنتي بنت مين ؟

-منتي عارفني يايحيى..أنا بنت عمك وطفى .

بالرغم من أنه لم يعرفها إلا أنه أجاب:

-والله والنعم منكي تشرفت بشوفتكي يابنت العم؟

كانت وطفى تشعر بكونها أول من إلتقت بيحيى أن ذلك لحدث عظيم بالنسبة إليها، قال يحيى:

-والله للقريه وناسها وحشه يابنت عمي؟

-والله نورت قريتك ياولد عمي.

-بيك أكثر يابنت عمي.

ثم سألها عن الرجل الذي مر به والذي كان يلاحق الولد ،وعندما ذكر لها أوصافه قالت ضاحكة:

-آآآه هذا الحج هههههههه ؟

-ومين هذا الحج ..مجنون.

-ههههههههه لا مو مجنون بس هو بظله يخوف لعيال لزغار؟

-بس مابصير هيك ياوطفى ..الولد كان صارله إشي .

-ههههههههه لامابصيرله إشي؟

-بس أنا إذني بشوفه مره ثانيه بخوف عيل زغير تراني ببهدله.

-كبر عقلك ياابن عمي ..هاي هي قريتنا مابتتغير..شو بدك إتسوي مشاكل من أولها؟

* * * * * * * * *

تزامنت عودة يحيى إلى القرية مع نقل أخيه عبدالله إلى نواحي القرية ،فكان يعود إلى منزله كل يوم لينام في منزله ؛بين اولاده بعد أن كان في السابق  يغيب عن منزله أيام.

بعد أن رزقه الله بسبعة اولاد لم يرزقه الله بغيرهم ،وكان قد عاهد أصدقائه بأن يحذو حذوهم وأن ينجب "دزينه كامله من الاولاد ".

يصطحب زوجته إلى المركز الصحي ومن ثم يتم تحويلهم إلى مستشفى المحافظة،وبعد الفحوصات يخبرونه بأن زوجته لاتشكو من أي شيء  يمنعها من الإنجاب .

 فنصحوه بأن يجري هو  فحوصات فقط للاطمئنان،

وبعد تردد يذهب إلى المركز الصحي التابع للقرية ،فيطلب منه الذهاب إلى مختبر المستشفى في المحافظة التي تتبعها قرية أم الملح لأنه  أفضل بكثير وأدق من مركز صحي  القرية،وفيها أجهزه أكثر تطورا.

يتوجه عبدالله إلى المحافظة وهناك تجرى له

عدة فحوصات فيتبين أنه عقيم ولايمكن أن ينجب اولاد .

 يستفسر من الطبيب بدهشة :

-قول كلام ثاني يادكتور ههههههه كيف بتقلي إنو معاي عقم وأنا خلفت  قبل هيك سبع عيال ؟

إبتسم الطبيب وقال ساخرا:

-هههههههه إنتي ياعبدالله من قرية أم الملح مش هيك؟

-أيوه أنا من قرية أم الملح.

-طيب إنتي ياعبدالله فيه معاك  عقم ..يعني مش ممكن إنك إتخلف عيال ..روح إسأل مرتك مين أبو عيالك الحقيقي ..أو جيبهم إفحص دمهم؟

فشق عبدالله طريقه نحو القرية وهو منكس الرأس.. يشعر بالخزي والعار، وكان يكلم نفسه:

-يعني السبع عيال مش إلي ..وأنا ياغافل إلك الله..لكن بسيطة لما أصل القرية بصير خير.

* * * * * * * * *

يسأل يحيى ابنة عمه وطفى عن الشيخ عبدالكريم فتخبره أنه قتل في نفس اليوم الذي إختفى هو فيه.

وعندما سألها عن رحاب أم مريم ،تخبره بأنها قد توفيت بعد وفاة ابنتها مريم بشهر ..توفيت حزنا عليها.

فلم يتامالك نفسه وإنهمرت دموعه حزنا على فراق الأحبة؛ عبد الكريم أخيه الروحي وسنده تطاله يد الغدر ،

ورحاب المرأة الطيبة ..العفيفة ..وأم مريم تموت أيضا .

يبدو أن القرية لاتروقها النفوس الطاهرة ..الطيبة ،وهي إما أن تميتها أو تلفظها خارجا.

يذهب يحيى إلى منزل أسرته وهو كله شوق لاحتضان أمه بعد تلك الغيبة الطويلة،وكان يعتقد بأنها ستنهار عند رؤيته،وأنها على الأقل إن تمالكت نفسها ستأخذه بين احضانها وستعوضه عن سنوات الفراق بحبها له، والتقرب منه أكثر ،وتمنحه كل ماحرم منه من حنان الأم وعطفها.

فتمنى أن يخفف الله عنها وقع المفاجأة.

تشاء الأقدار بأن يتزامن وصول يحيى مع وصول عبدالله من المحافظه ثائرا ،

كذلك وصول الأب غاضبا لدى سماعه بموت غروب ثمرة خطيئته.

كان الوضع متوترا جدا ..وقف يحيى في باحة المنزل أمام جميع أفراد الأسرة،كان الصمت مخيما على المكان كما وأنهم صدموا لدا رؤيته..أو أنهم قد إعتادوا على عدم وجوده بينهم ،أو أن غيابه كان يريحهم.

أو أن سياستهم العائلية تتطلب منهم التحفظ ودراسة كل خطوة يقوم بها كل فرد منهم .

جرى  يحيى إلى أمه فاتحا ذراعيه لاحتضانها، لكنه تفاجأ بأنها لم تفتح ذراعيها لاحتضانه بل إنكمشت على نفسها كما وأنه غريب عنها،بل لم تنظر في وجهه خشية رؤية عينيه ،لقد كان يشبه أبيه جودت بيك ؛بل واعتقدت فريال وللوهلة الأولى بأنه هو جودت بيك ذاته بالرغم من مر السنين.

أنزل يحيى ذراعيه بخيبة أمل كبيرة ،لكنه إنحنى أمام أمه وقبل يديها بينما كانت تجول النظر  في وجوه الجميع مرتعشة،خصوصا بعد أن تأكدت بأنه ابنها يحيى.

أما ابن عبدالله الأصغر ،المدلل فجرى إلى أبيه يريد احتضانه كالعادة وهو يردد:

-أبوي  أجا..أبوي أجا؟

لكن ماكان من عبدالله إلا أن باغته بركله غير متوقعة بواسطة بسطاره "الحذاء العسكري"صرخ الطفل من قوة الركلة وسقط متدحرجا على التراب ،وعاد إلى أمه صارخا.

فقال عبدالله كاسرا ذلك الصمت الرهيب:

-أنا معي عقم ههههههههه ..أنا ..معي..عقم..يعني مابخلف ..ومرتي العاهرة كانت عندكو أمانه ..عند أهلي..شرفهم وشرفي..وأنا بنحت مثل الحمار وبصرف عليكو راتبي ..يعني هظول لعيال السبعه ماهم عيالي ؟

ونظر إلى الأب وقال له:

-قول ياكبير العيله وقدوتها..قول ..يله قلي هسى مين هو  أبو عيالي؟

ونظر إلى أمه وقال لها:

-أيوه وإنتي يمه..ياأصيله..قليلي مع مين مرتي كانت إتنام وأنا غايب ياغافل إلك الله؟

قال حميدان :

-إنتي ويش بتخربط ياولد ..إصحى على حالك؟

-ويش بخربط ههههههههه أنا كنت سكران ..مسطل..مجنون وهسى صحيت ..مش سامعني شو بقول ..أنا بقلك إنو طلع معي عقم ..يعني طلعت مابخلف..يالطييييف وصلت الوساخة تبعتكو للحيتي.. فوق راسي أنا ..ما أنا داير بالشمس مشان أطعمكو وأعبي بطونكو ..مشان ماتذلو حالكو لعليان وغيره ..ليش ..ليش ؟

ثم أشهر سلاحه في وجوههم مهددا وقال:

-والله هساع إذا ماقلتولي مين هو الخنزير  أبو هظول لعيال  غير إني أطخهم كلهم قدامكو ..أما المره الوسخة هيك هيك أنا ذابحها..يله إحكو بسرعه؟

فاقترب أخيه حموده منه وقال :

-أنا هسى بقلك يخوي ياعبدالله مين  هوه  لأني كنت أشوف كل إشي؟

فشعر عبدالله بالراحة وقال :

-تعال ياحموده ..والله إنك أرجل واحد بالعيله ..قلي مين هو هذا الخنزير ولو إنو إحساسي قلي مين هو بس خليني أتأكد ؟

وقبل أن يتكلم حموده كان زكي قد خرج  متسللا من باحة المنزل إلى الخارج وأطلق ساقيه للريح.

أما سعدى فعندما سمعت كلام حموده جرت وإختبأت وراء حميدان وقالت متوسلة:

-أنا داخله عليك ياعمي؟

فقال حموده :

-زكي ..زكي هو أبوهم لأنه سعدى كانت دايما بتفوت على خيمته بالليل وكنت أسمع أمي لما إتقوم إتبهدله بس مابردو عليها؟

فصرخ عبدالله والشرر يتطاير من عينيه :

-وينك يازكي ياخنزير ..وين شردت ..والله لذبحك لونك بآخر الدنيا..استنى؟

فخرج يجري وهو يردد صارخا:

-وينك يازكي ياخنزير ..يابليه يازفر ..ياابن الحرام يانجس ..وين بدك تشرد مني ..وين؟

تجمع أهل القرية في الساحة..وإنكشفت الحكاية ..لم يعثر عبدالله على زكي لكنه أخذ يدور كالمجنون في الساحة وهو يردد لأهل القرية المتجمعين :

-أنا طلع معي عقم ..وعيالي كلهم ماطلعو إلي هههههههه طلعو لخوي زكي ..كانت العاهرة سعدى بنت الحسب والنسب بتنام مع زكي سنوات  ونا غايب ؟

لحظات و سقط عبدالله  على الأرض وفاضت روحه إلى السماء إثر جلطة دماغية،

يجري أصغر أخوة سعدى ويحمل بارودة عبدالله ويجري إلى أخته سعدى ويطلق  عليها النار ويرديها قتيلة.

وسط تلك الأحداث المتسارعة لم يلحظ أحد وجود يحيى إلا بعد أن خمد البركان ،قالت فريال بصوت مسموع:

-والله رجعت يايحيى وجبت المصايب معاك ..ياريتك ظليت بنظري ميت؟

وقال حميدان :

-يالطيف..إبن الحرام دايما بسبع أرواح.

أما أخته ساره فقالت :

-رجع بوم الشؤم.

وكان كل ذلك أيضا تزامنا مع بدء جائحة الكوليرا في  القرية.

(يتبع...)

تيسيرالمغاصبه

١-٥-٢٠٢٤ 


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *