ما الحقيقة التي يخفيها الضحك
العقيد بن دحو
الضحك خاصية، تيمة و ميزة انسانية عميقة الجذور ، حتى سُمي الإنسان
بالإنسان الضاحك Homo Ridens
ومع التقدم الثقافي و الحضاري للامم و الشعوب ، لم يعد الضحك ترفيها و لا
لهوا يبدو أنه بدأ هكذا...... ، اكن الاقدم الثقافي و الحضاري جعله حضارة و ثقافة ، اما اليوم فهو
توعية. تعبئة... و سلاح !..
بطبيعة الحال ليس كل الصحك ضحكا ، دون مقاييس وضوابيط و
، دون تقييم و تقويم و دون رسالة نبيلة أو توجيهات و أهداف اجتماعية ثقافية
اقتصادية ، و دون مخرجات و تغذيات راجعة سياسية دبلوماسية و الا صار جنونا أرضيا
لا ينطوي عن غاية ما ، خبلا و حماقة ما بعدها حماقة أعيت من يداويها !
الضحك ظاهرة صحية اكلينيكية صيدلانية و صحي ، عندما يكون العقل السليم في
الجسم السليم.
حتى قيل كما ورد بالأسطورة الاغريقية أن الهة الطب و الحكمة (سكولابيوس)
تلك العلامة العالمية االتي تتميز لها لوغوس الصيدلانية ؛ كان إلها ضاحكا بالمقام
الأول.
و ان معظم ألهة اليونان كانت تستمد سر سحر قواها من الضحك حتى تلك الشريرة
التيانوس الأشد فتكا منها.
ناهيك عن كونه رياضة بدنية روحية
سيكولوجية و ترويض للوجه ، عندما يصحك المرء تتحرك في وجه الضاحك خمسة و ثلاثون
عضلة . كما تتسع شرايين الوجه مما يضخ القلب كمية من الدم المغذي شتى خلايا الوجه
، يبعث النظارة و ينعش و يجدد الخلايا الميتة.
الضحك رباضة (حلولية) حين يذوب الأستغلال الرياضي في الأستغلال الإجتماعي
السياسي الدبلوماسي.
حتى قيل أن المدينة (أثينا) الاله كانت مدينة ضاحكة ، لذا سميت بالمدينة
الأحسن معلم.
و لعل ابتسامة (الموناليزا) هي
التي خلدت الأسطورتبن معا (الصورة) ذاتها و الرسام (بيكاسو) و أعطى معنى عالميا
لخلود اللوحة في مجرى التاربخةو الزمن.
على المرء أن يتعلم مجددا كيف يضحك ، أن يكتشف ذاته الهائلة الضاحكة مجددا
، المذهلة الهائلة كما يقول (كوكتو).
ناهيك عن كونه لغة جسد ، صار يعوض عنها عن العطب اللغوي الكلاسيكي التقليدي
الذي مسّ اليوم جُل لغات العالم الحيّة منها و الميِّتة أصلا.
يجب على الحروف أن تضحك ، الكلمات ، الجمل ، الفقرات ، النصوص !
يجب أن تتحرر الكتب من سجن المجتمع بين دفتي الكتاب ، أم تحطم (سرير
بروكست) تلك الاي أدمت معصميها !
صار الضحك حوارا مع الآخر أيّا كان
هذا الآخر ، بغية أن يُعلم ، أن يُمتع ، و أن يهز. أن يكون مبعثا للأمل ، و أن
يجعل الجماعة المحيطة في أربحية من عملهم حتى أن كانت بهم خصاصة.
و في زمن تعقدت و تشابكت فيه دواليب الحياة و تعقدت صار كل شسئ باهتا بلا
ألوان و لا أفراح في زمن هيمنة الآلة و صارت بمثابة القضاء و القدر . هي الإنتاج ،
غابت تلك الابتسامات حتى لا أقول الضحكات المطمئنة ، تجعلك تعيش اللحظة لا ماض و
لا مستقبل.
يقول (برنادشو) اذا وجدت الشيء مضحكا فأبحث عن الخقيقة المختفية.
ثم يقول في باب آخر : كل نكتة مخلصة مضحكة تحمل حقيقة في رحم الزمن.. و أن
الزمن لاإله رحيم كما تقول الأغارقة.
اذن الضحك كالشمس ، حقيقة ، قد
تحجبها الغيوم لبعض الوقت لتعود تظهر أكثر قوة و سطاعة.
الضحك خلفية (....) ذات قوة و طاقة اشعاعية صحيح أثرها الفم و الأسنان من الشدق الى الشدق ؛ غير
أن الضحك يبدو و كأنه يصدر عن سائر أعضاء الجسد جميعها.. الضحك مرتبط أكثر بالعرق و البيئة و التاربخ.
؛ جزء لا يتجزأ بالعائلة و القبيلة و
العشيرة.
اختصر الضحك المسافات و تجاوز الأحقاب و العصور ليصل الينا اليوم بلسما و
ترياقا للعديد من اسقامنا و أمراضنا العضوية و كذا الإجتماعية.
فالدول كا لأفراد هي أيضا تمرض ، تصاب بالعدوى ، و يبث فيها الملل و الكسل
و الفشل و القنوط ، أن لم تجد من يفرج عنها كربها و يريح نفسها من حين الى آخر
و هذا العلامة المفكر الألمعي بن خلدون في مقدمته يقول : أن أول ما تُمس به
الدول تُمَس في أغانيها و ضحكاتها.
و العجيب اليوم نجد بعض التيارات الشبه الدينية تحرم الغناء ، و تمنع عنا
ضحكاتنا. تريدنا أحياءا أمواتا لا نفرح ، لا نغني ، لا نضحك بحجة أن الضحك يميت
القلب !.
الحزن و حده من بميت الإنسان و يسهل افتراس الاوطان فالحزين مكبلا بيأسه لا
يستطيع أن يدافع على نفسه ، ناهيك عن دفاعه عن وطنه او عن شعبه أو أمته.
أناس يريدوننا أن نعيش في دوامة
التعاسة و الشقاء و الألم.
الضحك شبيه بالتاريخ ، شأنه شأن العادات و التقاليد ، المادي و
اللامادي... و لبناء حضارة يلزمنا تاريخا
و الشبيه للتاربخ (مالرو).
ان جاءتك فرصة للضحك فأطلق العنان لشدقيك
اكسر قشرة ألفاظك و أفصح عن لب الفكرة. و أكسر قشرة أحزانك و أفصل عن لب
افراحك فلا حياة مع اليأس و لا يأس نع الحياة. و حدهم الموتى لا يضحكون....!
رغم ملهاة (الضفادع) كان (هادس) لا يضحك و كانت مملكة الاموات (هيديز) بلا
أفراح !.