تيسير المغاصبه
(لن تشرق الشمس أبدا )
قصة متسلسلة
بقلم :تيسيرالمغاصبه
٢٠٢٤
الفصل الثاني
-١٦-
الغولة
مرت أيام لم يتحدث فيها أهل قرية أم الملح عن الغولة التي يخيفون بها الاولاد ،وفي حقيقة الأمر أن حتى الكبار
يخافونها.
ويالها من غولة..تلك الغولة الرهيبة التي كانت تسكن وراء الجبال ،وفي
الوديان والغابات.
وكانت تظهر أحيانا لتخيف من يمر ليلا في أطراف القرية.
لكنها عادت للظهور مجددا في منتصف الليل ،تنظر من النوافذ ،وتسير في الأزقة
،وتقفز على أسطح البيوت.
قيل بأنها تختطف الرجال ومن ثم تغتصبهم في مغارتها البعيدة ،المظلمة ،فتنجب
منهم اولاد على شاكلتها؛غيلان.
البعض ربط إختفاء يحيى بالغولة ،وأنها هي وراء إختفائه، عندما عثرت عليه
تائها في البرية.
والبعض الآخر نقم على حميدان لأنه إن لم يكن هو الذي أضاعه متعمدا بتركه للغولة ،فقد يكون قد أضاعه بسبب استهتاره
وكراهيته له.
وكان أكثر من يكرهونه من الفتيات ،
لكن البعض الآخر قال بأنه من غير الممكن أن تقدم الغولة على إغتصاب فتى
بعمر يحيى بقصد الإنجاب منه، لأن يحيى كان لايزال صغيرا وقد لا تخصب منه،
لكن يمكنها أن تأكله.
وقد كان أشهر ممن إغتصبتهم الغولة في القرية هو "جميعان"، والذي
حينها عاد إلى القرية مخبولا طوال اليوم.
وقد لقب بعد ذلك بالغول ،أو زوج الغولة ،حتى كادوا أن ينسوا اسمه الحقيقي.
فكان جميعان أو زوج الغولة ،أسمر لدرجة الاسوداد ،قبيح الصورة، صوته مختنق
.
وبالرغم من ذلك فقد حظي يوما بفراش فريال التي حبلت منه في تلك الليلة
الظلماء بابنها زكي.
قيل عن فريال تلك المرأة الجبارة، الصامتة، والباكية دوما بأنها هي المرأة
التي فعلت مالم تستطع هلاله فعله،وهي تصنف من جميلات القرية.
لقد ضاجعها زوج الغولة ولم تصاب بأذى.
ولهذا السبب كان زكي هو الولد "الزفر" القذر ،كما كانوا يصفونه
،وهذا ماجعله ينقم ويحقد أكثر على أخيه يحيى الفائق الجمال.
قيل بأن الغولة تظهر مساء كل جمعة،لكن في الواقع هي تظهر كل يوم ..ووقتما
تشاء،تمسك بيدها عصاها المدببة وتتنقل بين المغر ،فحينما تعثر على رجل تائه أو
مقطوع في الخلاء ،كانت تبول بيدها وترشقه ببولها على وجهه ،فيصاب بالخبل، فتقول
له:
-يله عاد إمشي معاي ياابن أمك؟
فتقوده إلى مغارتها ومن ثم تغتصبه فيها،وحينما يفق من الخبل تطرده.
ومن ثم تبحث عن غيره ،أما عندما تشعر بالجوع فأنها تقوم بأختطاف طفل أو
ماعز وتأكله.
وقد أنجبت الكثير من الاولاد الذين أنجبتهم من رجال القرية سيئي الحظ.
وقد إنتشروا كغيلان في جبال ووديان قرية أم الملح البعيدة،
ومن الحكايات الكثيرة التي تروى عنها، بأن لها سيطرة تامة على الضباع فتفهم لغتها وتأمرها بما تريد فتطيع أوامرها.
يقول حميدان في إحدى التعاليل مع أسرته محدثهم عن تجربته مع الغولة:
-لمني شفت الغزالة لحقتها ..وأنا بركض ..وهي بتركض..قلت لازم إني أتعشى
عليكي اليوم ..بس الغزاله فاتت بالهيشه "الغابة" ونا أظل وراها ..هي
بتركض ..وأنا بركض ..وني مبعد كثير ..وأغربت الشمس علي ..وضيعت الغزاله ..وإني أنا
كمان ضايع ..ونسيت من وين طريق الرجعه ؟
فيقول عبدالله بحماس كبير وشوق:
-وبعدين ..وبعدين يابه شو صار؟
ويقول زكي:
-إصحى تطلعلك الغولة يابه؟
وتقول رشيدة:
-إرجع يابه..إرجع؟
يقول حميدان وهو منسجم كل الانسجام بحكايته:
-صبركو علي ياعيال ..أنا جاي إلكو بالسالفه ..مطلعت إلي الغولة ..والله
طلعت إلي؟
وصمت الجميع مصغيا بشوق ،بينما تابع حميدان:
-شفتها مفحجه فوق صخره..وقاعده بتحك بجريها إلي كلهن شعر بالصخره..والبعوض
والذبان ياكثره عليها وقالت إلي وهي مكيفه إنها لقتني :
-يله جهز حالك مشان نمشي ياابن أمك؟
قالت رشيدة:
-ييييي يارب دخيلك ..أيوه وبعدين؟
-ومثل ماقلت إلكو طاحت من فوق الصخرة وقالت إلي يله بينا على مغارتي..يله
..ومشينا ..ومشينا ونا بطلع عليها وريانتها "لعابها "بتسيل وبتنقط مثل
ريانة الجلب الله وكيلكو؟
قالت فريال :
-بييييييييه يارب سترك؟
-المهم مشينا بجنب القناه..وكان المكان ضيق كثير ..وكانت بتلز علي بتعرفو
لويش؟
قالوا معا:
-لويش ؟
-عمنها خايفه من الميه ..الغوله مابتخاف إلا من الميه ..وبعدين خليت حالي
إني أنا كمان خايف من الميه ..وهي كيفت كثير ..وبعدين غافلتها وأنا أقول إلها
هااااكي"خذي" وأنا أجمع كل عزمي وأدفشها بالقناه..وكفينا شركو..وهي تقوم
تزاعق ماهي عارفه تطلع من الميه ..وقالت إلي الكلمه إلي بتقولها لما واحد يشرد
منها ..قالت سلمت الله لايسلمك؟
قال زكي:
-يابيييه ماأقواك يابه؟
قالت فريال:
-يا لطيف ماأقوى قلبك ..لو كان واحد ثاني كان استفردت بيه وأكلته؟
يقترب الصغار من أمهم بخوف ،وآخرين يتلفتون حولهم،
قال حميدان وهو لايزال منتشيا :
-صبركو علي ماكملت سلافتي..وبعدين قمت أركض ..وأركض ..وبتعرفو شو شفت
بعدين؟
قال الاولاد بصوت واحد:
-شو شفت يابه ؟
-أيوه..شفت الغزاله ..شفتها معلقه بفخ كان ناصبه إلها واحد صياد ورايح
..قمت بفك الغزاله وأنا بقول إلها أنا ماقلت إلكي إني بدي اتعشى عليكي
اليوم..المهم ..ذبحتها وزميتها على ظهري وأخذتها على الدار ..والله وكيلكو بعد
هالخوفه إتعشيت على الغزاله وقرقطت عظامها إتقرقط؟
بدأ الاولاد يمصمصون بشفاههم من شدة الجوع الذي بدأ بقرص بطونهم عند ذكر
وجبة الغزاله ،وسأل زكي :
-يابه هو طعم الغزاله زين مثل طعم الغنم؟
-إيييه هذا إنت إهبل ..وين طعم الغنم ووين طعم الغزال ..طعم الغزال مافي
مثله ..لو إنك تذوق لحمه غير إنك توكله لحالك؟
قال عبدالله:
-وإنت أكلته لحالك يابه ؟
-طبعا ..وبعد هذا التعب والركض والخوفه بدي أطعم ناس منه ؟
-والله إنك كاين بتخوف يابه.
-إيه قال بخوف ..إسمعوا هالحكي..أي أنا بشبابي كنت باكل ذبيحه
"ماعز" لحالي ..هذا الحكي أيام الخير ..وكنت بقوم بمجابهة عشر زلام لو
إنهم وقفو قدامي؟
قال حموده لأمه:
-يمه انا جعان؟
ردت بضيق:
-يييييه شو بدي أطعمك هسى ياولد هو في إشي بالدار ياحسره؟
بدأ حموده بالبكاء رافضا ذلك العذر،
وقال حميدان :
-سويله قليه "قمح محمص" ؟
نهضت فريال وتابع حميدان :
-وبالمره سويلنا بريق شاي يامره؟
-منتي عارف البير وغطاه ياحميدان ،والله إنو مافي بالدار لاشاي ولا سكر.
* * * * * * * *
أما جميعان أو كما يطلق عليه "زوج الغولة" ،فلم يكن يتحدث عنها
أبدا ،فكان كلما ذكرت الغولة أمامه كانت عينيه تتلون باللون الأحمر فتزداد قباحته
كما وأنه لايرغب بالاتيان على ذكر زوجته الغولة.
أو أنه قد تعرض لشيء لايريد ذكره..أو لايستطيع ذكره.
* * * * * * * *
تمر عشرة سنوات على غياب يحيى ،
وبينما كانت "وطفى "تملأ جرتها من القناة وهي منهمكة بالغناء
لسميرة توفيق:
"يابو قضاضه بيضا مغير عليا لونه ويش أقول يايمه..ويش أقول
يايمه؟"
،سمعت صوت خطوات وراءها ،ولم تعرها
أي إهتمام، لأن ذلك كان شيئا عاديا أن يمر أحد بالقناة ليشرب أو ليغسل وجهه.
شرب ماء دون أن تلتفت إليه ،ثم قال
لها :
-قوك يختي؟
لقد كان الصوت مختلفا جدا عن أصوات شباب القرية :
قالت وهي تنهض وترفع جرتها فوق رأسها وقبل أن تنظر إليه :
-أهلين يخوي..كنك مو من القرية؟
وعندما إستدارت دهشت وقد سقطت جرتها من فوق رأسها وتحطمت،وقالت :
-يارب ..والله إني ماني مصدقه حالي..والله إني ماني مصدقه حالي..هذا إنتي.
(يتبع...)
تيسيرالمغاصبه
١٦-٣-٢٠٢٤
