اللغز) في الأدب التمثيلي اليوناني
العقيد بن دحو
لا يزال مما قبل التاريخ ، و لا سيما عند اليونان حاضرة الأغربق عدة اشكالات و انشغالات و خصائص سياسية اجتماعية فنية اقتصادية وقضايا اخرى انسانية ، سواء قبل التدوين اوبعد التدوين.
كان الغرض من طرح السؤال او اللغز او تسميها جهات اخرى ناقدة للغعل الدرامي
و نقيضه " الأحجية" !.
المكون الأساسي للغز ان يضع المتلقي و حتى صاحب (الفعل) في حالة (رائز) سيكولوجي
سوسيولوجي و غيره من القيم تقويما و تقييما و اتحاذ قرار او تغذية راجعة.
اللغز غايته ان يضع المجموعة البشرية في حالة تفكير و ابداع و محاكمة.
لذا لا غرو ان وجدت كل عارض تفكيري ابداعي يدعو الى البحث عن حلول معينة
لقضايا معينة يستهل حديثه بعقدة او بلغز أوديب ملكا :
ما الكائن الذي يمشي في أول النهار على اربع
وفي وسط النهار على اثنين
وعند آخر النهار على ثلاث !؟
صحيح اجاب اوديب في حينها (الإنسان) و خلص المدينة من ذل السؤال من الذباب
و من المرض بمختلف انواعه و اشكاله العضوي و الاجتماعي. و عليه على كل انسان
حي على هذه المعمورة مطالب بايجاد الحلول المختلفة التي لا تزال الهة الشر تطرحها
، تحديات التي تجابه الانسان في كل مكان و
في كل زمان. من الانسان العارف Homo
sapient، الى
الانسان اللعوب Homo Ludens ، الى الانسان الخرافي Homo Faber، الى الانسان الشاعري Homo poetics، الى
الانسان العرقي المتدين Homo
released، الى انسان
هذا العصر الذي لا صفات له.
صحيح الناس و ليس كل الناس تعرف مصير أوديب جراء اجابته على اللغز ،
التبعات الاخلاقية السياسية و الامنية منها.
حين لم يوظف حواسه الخمس بشكل صحيح و لا سيما حاسة العين. فالعين لا ترى
الاشياء في هذه الحياة و انما ترى المغزى من الحياة !.
كما ان اوديب لم يطور من هذه الحاسة عندما اعتلى سدة الحكم غلى غرار الكاهن
الاعظم (تريسياس).
في الحقيقة أوديب و اوديب ملكا و أوديب في كولونا و أوديب عند كل رجل مريض
(فريود) واجه سلسلة من الالغاز ، و سلسلة من الأسئلة كان مطالب بالاجابة عنها
تباعا ، و لما عجز عن حلها بصفته الفردانية فقأ او فقع او سمل عيناه و انتهى به
الحال حيث انتهى ملوما محشورا حسيرا وحيدا طريدا شريدا أعمى !
اذا كان هذا اللغز " الأوديبوسي" الذي كان تطرحه (الهولة) او ابي
الهول او السفانكس او المونيتور ؛ اللغز التي تتغذى عليه هذه العجائبيات ، تتغذى
على لحم البشر إلا ان هناك ألغاز أخرى داخل النص الدرامي الواحد غير مصرح به و غير
معلن.
ما الكائن الذي صادف في طريقه أباه فقتله ، ثم تزوج أمه و أنجب منها بنينا
و بناتا هم ابنائه و اخوته في نفس الوقت !؟
اوديب و تريسياس أيهما الاخر !؟
أوديب و الاخلاق ، هل الجريمة تفيد.
جميعها الغاز بالنص الدرامي الواحد.
اذ تجد بالاغريقيات القديمة كل نص درامي تراجيدي او كوميدي يطرح لغزا
مستترا يحمل معان شتى و تأويلات اخرى.
كما هو عند فريود عندما يذهب بنص (الكترا) الى عقدة اوديب عند المراة.
و بإمكان ان نجدها في شكل اشكال أو لغز :
ما المرأة التي لم تجد من يحاكمها
فحاكمت نفسها بنفسها !؟
أو من تلك التي حبست نفسها بالظلام المطبق حتى الموت !؟
او نجد لغزا آخر في نص (أياس) :
ما الذي لم يفوز بالجائزة فجن و لما أسترد صوابه و عقله قتل نفسه !؟
او قد نجدها عند (اونتجونا) : من تلك الفتاة التي دفنت اخاها ووقفت وحيدة
ضد القوانين المملكة الجائرة!؟
او نجد اللغز في تلك العبقرية المقترنة بالمرض (فيلوكتيتيس) : من ذاك الذي
لدغته حية افعى بعد ان جلب النصر لأثينا و نوفي بعيدا وحيدا عشرة سنوات ، ثم أوحت
الألهة اليونان لن تظفر أثينا ان لم يشارك المريض هذا بدرع و سهام هرقل المجنحة !؟
كما نجدها في (ليستراتا) : ما المراة التي حرضت نساء أثينا بالاضراب الجنسي
ضد ازواجهن حتى يدافعوا عن وطنهم !؟
كما نجدها عند (مجمع النساء) لماذا قمن النساء بثورة ضد حكامهن الفاشلين
الطاعنين بالسن !؟
و هكذا يصنع النص الدرامي الجيد الكلاسيكي لغزه الخارجي و لغزه الداخلي ،
يتغذى عليه ليضمن الاستمرارية و الديمومة في مكان هو كل مكان و في زمان هو كل زمان
، مادام الانسان هو الانسان ، مركز ثقل و ومحور مل عمليه اجتماعية سياسية اقتصادية
و ثقافية أمنية.
اذا استطاع اوديب ان يجيب عن اللغز فإنسان اليوم مطالب للبخث عن اجابة هول
هذا العصر الحديث الذي اثقله منطقه ، عصر عودة الاوبئة ، عودة جنون التاريخ
(الحروب ، الأمراض الفتاكة ، السأم ، الملل ، الكلل ، العبث ، اللاجدوى....) !.
لذا لا غرو ان سمي نابليون بونابرت 1792 ابان حملته على مصر و هو يقف
ممتطيا حصانه وجها لوجه امام ابي الهول ، يأمر بإطلاق نيران مدافعه على انف
الخرافة الفرعونية. بعد تلك الحادثة اطلق مجموعة من المؤرخين و النقاد و المثقفين
لقب (اوديب فرنسا) على نابليون بونابرت.
غير انها يوجد لغزا بائنا في الاسطورة البابلية عند (شمشون و دليلة) في شكل
سؤال : ما هي أكلة الأكلة و خرج من الجاف القوي حلو المذاق !؟
اكيد اللغز كان يشير الى الاسزةرة التي ذمرت في سفر التكوين الصراع الازلي
بين الفلسطينينن الكنعان و يين اليهود.
حل اللغز يكمن في قتل شمشون الأسد و خرج منه العسل !
اللغز عند الاغارقة او ليس مجرد احجية احلام الجدات للاحفاد ، انما سؤال
فلسفي مطلوب على كل انسان ان يمر في تقرير مصيره جراء ما تطرحه الحياة من تحديات.