جاري تحميل ... ألف ياء

إعلان الرئيسية

إعلان

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد علَّم نفسك

 

من قتل المؤلف المبدع

العقيد بن دحو



و كما يولد الفنان الأديب المفكر المبدع مرتين حسب رؤى سوسيولوجية الأدب (روبيرا اسكاربيب). ولادة طببعية بيولوجية بشرية ، وولادة أدبية عندما يتجاوز مرحلة (الحلم)  ، و يصير الكاتب الفنان شاعرا أو رساما أو نحاثا أو موسيقيا أو راقصا أو ممثلا على خشبة المسرح او عند بلاطوهات و استديوهات السينما و التلفزيون ، أي عند مرحلة (الصور) , او يصير مفكرا مثقفا او فيلسوفا إذا ما تجاوز مرحلة الحلم و الصور الى مرحلة (الفكر). فالفيلسوف شاعر سابق لأوانه ؛ تعاهد الفكر ليعبر عن خواطره و مشاعره .

أخيرا صار الفيلسوف فنانا ، كما صارت الفلسفة أم الفنون الزمكانية منها ؛ عوضا ان كانت أم العلوم ، بعد ان تعرض مسارها الطويل المزدهر ، ما قبل التاريخ و التاريخي الحضاري  الى عدة خيانات علمية ، شط عنها من (لقيلو)... و (السوفيا).... ، و ظلت وحيدة تجابه التجريب و التجديد و كذا تقلبات و تطور العصر و البشر  الى ان صارت تقتات بدورها من ذاكرة المستقبل.

كما يعود الى فلاسفة الحياة الالمان و لبى برتولد بريخت الكيت رقضوا ان تطل فلسفتهم حييسة ادمغتهم ، بل جعلوها تسري في كيان الإنسان و تهز روح روحه.

أيضا سيموت الكاتب المبدع الفنان ميتتين ، واحدة طببعية عندما يوفى أجله ،  و أخرى ميتة أدبية وهو على قيد الحياة هذه التي نعيشها. عندما يٌهمش و يٌبعد عن المشهد الثقافي الإعلامي العام و عن سائر الدوائر الثقافية و الإجتماعية. غير أنه يٌمكن أن يٌبعث من جديد عبر مؤلفه أو ما يخلفه من أثر ينفع الناس و يٌزين به وجه الخليقة و البسيطة من جديد.

على كل ، المبدع ذاته يدري بأنه مقتولا لا محالة ، يوما على آله حذباء محمول

لكن من ذا المجرم في مجرى ما قبل التاريخ يقتفي أثر الادبب الفنان المبدع المثفف و يقتله ، من هذا العدو المستتر الذي يتكيف و يتموه مع أي طارئ و ظرف و لن يتأخر بدم بارد أن يصوب حد سيفه او نيران بندقيته الى صدر أعزل و يرديه قتيلا !؟

تعددت الأسباب و الموت واحد.

في الحقيقة وسائل الآعلام ما فتئت تطلعنا من حين الى آخر عن اغتيال صاحب فن البديهة الراصدة (الكاربكاتير) أو عن ذاك الشاعر او عن ذاك الأديب او عن ذاك الفنان المبدع ، ربما يلقى القبض عن المشتبه به او تسجل الجريمة في عنق التاريخ ضد مجهول.

و حتى ان قال وزير الدعاية الرايخ الالماني ووزير اعلامها الحرب في حكومة  (ادولف هتلر) ابان الحرب العالمية الثانية (جوزيف جوبلز): " كلما ذٌكر لي مثقف أتحسس مسدسي".

صحيح لا يمكن التستر عن الجريمة ، من حيث الجريمة لا تفيد في مجرى التاريخ ، لا يمكن اخفاء الظاهرة المؤلمة فهي موجودة في كل زمان و في كل عصر و في كل مكان ، مادام الصراعات أزلية ، شتى لا سيما تلك الإجتماعية و السياسية و حتى الإيديولوجية موجودة ، و إلا ما كان سقراط الفيلسوف يموت مسموما و غيره كثير ، و من لم يمت بالسيف مات بغيره !

على المرء أن يسعى الى الموت الذي هو يعرفه مما قالت الأغارقة القدماء.

ان الموت يعرف الفنان المبدع و الفنان يعرفه، غير أن القاتل الحقيقي للفنان المبدع داخل (أثره) ، الرسام داخل لوحته ، الشاعر داخل قصيدته الشعرية ، النحاث داخل منحوثته ، الممثل داخل دوره ، و المفكر داخل أفكاره. فخلف كل نص جيد قناص جيد ، يراقبه ، يتابعه حتى اذا ما حانت الفرصة يخرج ماردا من قمقمه و ينفذ وعده . لا يهم طبيعة ولون و شكل السلاح المستعمل ، حيث جميع الأسلحة الموجهة لصدر الفنان المثقف الاعزل قاتلة حتى تلك النيران الصديقة و حتى تلك التي تصدرها اسلحة لعب الاطفال البلاستيكية.

وراء كل (اثر) يبدعه المؤلف هو بمثابة عد تنازلي ....

كونه تاريخيا ذاكرته مرتبطة بذاكرته الحيوانية. يوم كان الإنسان و الحيوان شيئ واحد.

(مالبورور) و سمكة القرش نموذجا في الأثر السيريالي (رامبو).

فإذا كان بالأسطورة الأغريقية جعل من بروثيموس يغذي وحش طيره (النسر) من كبده بمعنى : على المرء أن يغذي ضميره بالندم. فالندم انفع و أفضل للناس كما  قال النص الاغريقي الدرامي في بروثيموس مقيدا أو في بروثيموس حرا او طليقا.

على الكاتب او الفنان و هو يمارس (لعبة الله) أي الإبداع أن يراعي و يعلم أن وحشا كاسرا ووحشا ضاريا ، و حتى أن بدى هادئا إلا أن لا أحد يضمن الهدوء الذي يسبق الهيجان ، و يصير فيه الكلئن هذا(....) أعمى أين يرى كل ما هو امامه فريسه ، و يطلق العنان لأسافين مخالبه وتروس انيابه تطحن و تهرس صاحبها لحما على عظم.

لهذا الأغريق الدرامية التراجيدية كانت تشير الى هذا الوحش الذي يتغذى على لحم البشر ، سواء (الهولة) أو (السفانكس) عند أوديب ملكا او (المونيتور) عند ثيسيوس في تلافيف متاهة جزيرة كريت !.

هذا الوحش في عصرنا الحاضر ، هو بمثابة القناص ، عدو المثقفين و المفكرين صناع الحياة ، لا يعجبهم العجب العجاب ، أن تكون الحياة جميلة هادئة منتظمة ، انما يريدونها فوضى و بيئة ملوثة  او محيط فاشل مدمر ، غير منسجم مع قوالب عصره ، الناس منشغلة بالطرهات بالهرطقات بالحماقات ؛ كيما يفضى لهم الجو ، هم و بعدهم الطوفان.

و بدأت الظاهرة اكثر وحشية عندما كفّ (الحكم) عن مجاراة التاريخ السياسي و صار الحكم (كنز) !. أي ثروة قومية لا تقل عن أي ثروة قومية مادية او مالية او بشرية تحت الارض و فوق الأرض.

اذن من قتل الفنان المفكر المبدع بالامس و اليوم و غدا مادام الصراع قائما و الإبداع قائما ايضا.

ان امًحاء المؤلف التدريجي على هذا النحو يظهر القارئ على انه (خالق) للأثر (...)  ، لقد تحول القارئ الى انسان فعال له الدور الأول في عملية الابداع الأدبي  كما تحول عصرنا هذا الى غصر القارئ.

اذن من قتل المؤلف !؟


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *