دراسة تحليلية تأويلية أولية لنص ( أبحر في محبرتي ) للشاعرة الوارفة هدى عز الدين .
دراسة تحليلية تأويلية أولية لنص ( أبحر في محبرتي )
للشاعرة الوارفة هدى عز الدين .
النص
..................
أبحَرَ في
مِحبرَتِي
في تلكَ
الليلةِ الهاربةِ من تاريخِ الحِيلةِ
مشَتْ أقدارٌ
حالتْ بيني وبينَ
نفسِي
وها هي رقعةٌ
في ثوبِ التردُّدِ
لا تخافُ
الرياحَ الآتيةَ
بطرفِ عُمرِ
السعادةِ أُقلِّبُ شريطَ عقلي
كي
يُلملِمَ
قلبي الحَصى مِن
بُستانِهِ
المَهجورِ
يسعى جاهِداً
لإعادةِ بناءِ القصيدةِ
أو يُلطِّفَ
أنفاسَهُ مِن دخانِ احتراقِهِ
فجأةً أعلَنَ
المُستحيلَ
خبراً
عاجِلاً
قالَ:
لقد أفلسَتْ
بنوكُ الدمِ
وما عادَ
شِريانُ العروبةِ
يتبرَّعُ
بكُراتِهِ
البيضاءَ
وإسلامٌ
يفتحُ أبوابَ التبرّعِ بكسراتِ خبزٍ أسودَ
كي نُلوِّنَ
العَطاءَ
بريشةِ
العفَنِ
جفَّ القلمُ
والمُفكِّرُ
يعومُ في
مِحبرتِهِ
يسرقُ مِنها
كلماتِ التغييرِ
أقسمَ
بالعُروةِ الوُثقى
وحنينِ
الأُمومةِ لطفلٍ
بعمرِ
الحضارةِ
وحضارةٍ
نسمعُها مِن خلالِ مقالاتِ تِلفازٍ
فقَدَ
طاقتَهُ الكهربائيَّة...
.....................................
القراءة
...............
منذ طلق
المخاض الأول
نحن أمام
دلالة تحمل تجوال ما بين الزمكان عبر حلول حرف " في " الذي يدلل على
كليهما ، والذي يحمل هذا التماس ما بين العنوان الحادي للتأويل وبين عتبة النص ،
وفي محاولة
بسيطة لسبر تلك المفردات نضع أناملنا على محفزات عروج تلك الحروف المخثرة في
مساكنها من السطور ،
لنلج الحيز
المكاني نقلب فيه على تمهل لنرى أننا وبكل ما تعنية الكلمة لا نستطيع تحديد المكان
دون الخوض في معية زمانية فهناك تماس خفي توارى خلف مرايا الحبر ليحمل هودج كل
مفردة هذا وذاك ،
فمع حضورية
العنوان كمثال تحت المجهر نحن أمام حيز مكاني دواة ـ هذا وظاهر الحضور المعجمي
للفظ ـ ولكنه يتنامى في تحليقه التصويري الذي حمله تحليل العبارة
" أبحر
في محبرتي "
مع حلول ياء
الملكية وتنحي أداة التعريف ( الألف واللام ) والتي وضعت اللفظة في معية التجهيل
مع الملكية ،
ليصبح هذا
الحبر هنا مجهول الهوية التعريفية للمتلقي ومعروف بالنسبة لناسجة الحرف لنلج من
خلال تلك النقطة يم صورة يفرضها التأويل تغير من مكانية العنوان ليتحول من المنحنى
التجسيدي الجمادي إلى مجسد بشري عبر إستحضار الجزء من الكل ـ شريان ـ ليتغير
الحاوي ونصبح أمام إبحار في الشريان ،
وعبر حلول
سريع يفرضه التماس الآخر من التأويل والذي يحمل صفة الزمان يتحول هذا التجسيد
للمرة الثالثة إلى المعنوي ـ مشاعر ـ بما تحويه من ماضي ـ ذكريات ـ وحاضر ومستقبل
ـ الأحلام ـ في حلول درامي جديد يحملنا من تماس الزمان والمكان نحو إسقاط على
استجرار ما كان والعودة للإبحار به مع مدى بعيد تبحر نحوه بمجرد النظر من مهد وسن
الأحلام التي تحمل انعكاسات الحاضر وأمنيات المستقبل القريب والبعيد في نظرة نحو
الغد ،
فنحن أمام
حلول زماني توارى خلف ظاهر مكاني لفظ أبحر الذي وشى بمكان وفي رحمة زمان مستمر بعد
لم ينقطع حدوث الفعل فيه ،
ثم هذا
الافتتاح في عتبة النص الذي حمل في معيته ناموس حياتي ـ الليل ـ عبر تقليص أزلية
حلوله لليلة واحدة غير معلومة فهي في معية التجهيل مجرد حدث زماني غير معروف
كميقاتية حضور ، مع وضع لفظ " تاريخ " الذي يحملنا نحو شمولية الصورة
وخروجها من عباءة الخاص يؤكده لفظ " أقدار " في معية الجمع والمجبول في
حضورية عوائد خارجية أو قوى خفية تعترض مسير تلك الروح ، هنا نحن أمام تصريح
بزمانية غير معلوم لدينا وقت حدوثها مع التلويح بالمكان ـ عن طريق الصورة ـ وهو
الوحيد المعلوم عبر ألفاظ مثل ( الهاربة .. الحيلة ) هنا نتوقف ،
فسيعترضنا
عكاز سؤال بديهي ،
كيف تأتى لك
هذا التأويل وأين هو هذا المكان ؟
أمام هذا
السؤال يجب أن نفكك الحضور التصويري لعتبة البداية عبر تحوير ناموس كوني ـ ليلة ـ
إلى مجسد مؤنسن يستطيع التفكير واتخاذ القرار الذي يصبح حادي لفعل الهروب ،
هنا نحن أمام
حد زماني ـ لحظات التفكير ـ وحد مكاني لحظة تنفيذ القرار الذي يحتاج لحيز مكاني
للهروب ،
ثم يأتي
تعبير " تاريخ الحيلة " والذي يحمل تحوير من المعنوي ـ حيلة ـ إلى بشري
،
فالإنسان
وحده وحتى تلك اللحظة التي نكتب فيها هو الكائن الوحيد الذي يملك تاريخ ـ فهذا هو
التعريف الوحيد الذي وقر واقرته نفسي من تعاريف الإنسان ـ والتاريخ يحمل صفة
زمانية فهو ماضي قريب وبعيد وأيضا يحوي صفة مكانية تستلزم حدوثه ـ الأماكن ـ فيها
، ثم يأتي تعبير " مشت أقدار " في تصوير تحول فيه القدر والذي أتى هنا
بصفة رمزية تعني عوائد حياتية من حضورها المعنوي صاحب الأثر النفسي والمادي إلى
مؤنسن يسير باتجاه بطلة الحبر وهو يعي أين سيلتقي بها وأين سيضرب ضربته النجلاء ،
من هذا التفكيك نحن أمام حضور مكاني واضح تحمله تلك الصور التي تسقط على واقع حال
يحمل دفاتر حلول تلك الذات المتشظية ـ حالت بيني وبين نفسي ـ إبّان لحظة فارقة ـ
ليلة ـ من عمر الدهر لم تستطع أن تجابه تفلتها ـ تاريخ الحيلة ـ فقد خذلتها رجاحة
عقلها أمام ما يمكن أن نطلق عليه المشاعر الضريرة ـ يلملم قلبي الحصى ـ لتداهمها
عوائد الحياة في لحظة غفوة كطود عظيم يفصل ما بين الأنا العميقة وما تحويه من
أحلام وبين الأنا الواعية وما تحمله من درع واقي تحاول به صد محاولات وأد الحلم .
النص يحتاج
عودة أخرى ولكنه عروج سريع على محطة العنوان وعتبة البداية .
ولكنه في
حضوره يحمل نزعة نحو الخاص مع تلويح في
منتصف النص يذهب به لعباءة العام في استحضار لهموم تحيط بمجتمعات متشابهة في
العقيدة والعرق ، وإن اختلفت المشارب .
مودتي وضوع
نيل دياري .
هشام صيام ..