رَمَضَانُ..
أحمد حسن محمد
***
الماءُ
وَضَّأَ
نَفْسَهُ فِيمَا تَبَقَّى فِي فَمِ الصَّوَّامِ
مِنْ رِيقٍ..
مُسَابِقًا
الأَذَانَ
وَقَدْ حَبَا
شَدْوًا عَلَى شَفَةِ الْمُؤَذِّنِ
طَعْمُهُ
حَبَّاتُ حُبْ
.
.
وَتَفَتَّحَتْ
قِنِّينَةُ الدَّعَوَاتِ..
وَالْعِطْرُ
الْمُعَتَّقُ فِي الْقُلُوبِ الْبِيضِ فَاحَ
مِنَ
الْحَنَاجِرِ..
طَيَّبَتْ
وَرَقَاتِهَا بِشَذَاهُ كُتَّابُ الْمَلائِكِ..
وَالسَّمَاءُ
تَشمُّ رَائِحَةَ الرَّجَاءِ...
وَلا
أَحَبْ...
.
.
وَتَفَتَّحَتْ
قِنِّينَةُ الدَّعَوَاتِ..
عَطَّرَ
نَفْسَهُ الْمَاءُ الَّذِي كَمْ كَانَ عَطْشَانًا
وَأَفْطَرَ
حِينَ مَسَّ الرِّيقَ..
يَا رَبِّ
اسْتَجِبْ
.
.
وَالْمَغْرِبُ
الْمَاشِي بِكُلِّ هُدُوئِهِ فِي قَرْيَتِي وَسطَ الشَّوَارِعِ..
يَجْمَعُ
الدَّعَوَاتِ مِنْ قَلْبِ الْبُيُوتِ..
مُشِيعًا
الصَّمْتَ الْوَدُودَ بِخُطْوَتَيْهِ عَلَى سَجَاجِيدِ النسيمِ..
مُرَفْرِفًا
بِجَنَاحَيِ الإِيمَانِ نَحْوَ اللهِ..
مِنْ بَعْدِ
امْتِلاءِ حَقَائِبِ الْحَاجَاتِ مِنْ فَرَحِ الدُّعَاءْ
.
.
وَعَلَى
جَبِينِ الْمَغْرِبِ الْمَشْغُولِ فِي تَقْوَاهُ:
حَبَّاتُ
النُّجُومِ تَفِيضُ نورًا..
لا تَقُلْ لِي!!
إِنَّهَا
عَرَقُ التُّقَاةِ السُّكَّرِيُّ عَلَى جَبِينِ الرِّيحِ فِي وَجْهِ السَّمَاءْ!!
.
.
وَالتَّمْرُ
يَرْقُصُ رَقْصَةَ الأَجْرِ الْمُمَاثِلِ بَيْنَ أَيْدِي النَّاسِ..
عَبْرَ
شَوَارِعِ الْبَلَدِ الَّتِي تَحْظَى بِلُقْمَةِ صَمْتِها الْعَفوِيِّ
قَبْلَ
عَوَاصِفِ الْجَرْيِ الْمُثَارَةِ فِي ضَبَابٍ مِنْ نِدَاءَاتِ الصِّغَارِ عَلَى
الصِّغَارِ..
وَلا يُنِيرُ
كُهُوفَ عَفْرِ اللاعِبِينَ سِوَى الْفَوَانِيسِ الَّتِي
لَمْ
تَخْتَلِفْ أَضْوَاؤُهَا عَنْ ضَوْءِ سَيْفٍ فِي مُثَارِ النَّقْعِ
إِلا
أَنَّهَا سَيْفُ مُضِيءٌ فِي يَمِينِ مُسَالِمِ
.
.
التَّمْرُ
يَرْقُصُ رَقْصَةَ الأَجْرِ الْمُمَاثِلِ بَيْنَ أَيْدِي النَّاسِ..
أَنْتَ؟!
أَمَا
رَأَيْتُكَ ذَاتَ تَقْوَى
تَجْمَعُ
(النُّقَطَ) الَّتِي تُلْقَى عَلَى التَّمَرَاتِ فِي الرَقَصَاتِ
مِنْ أَيْدِي
الْمَلائِكِ؟!
كَمْ رَأَيْتُكَ..
كُنْتَ تَبْحَثُ عَنْ وَلَوْ طِفْلٍ لِيَمْنَحَكَ الثَّوَابَ
بِتَمْرَةٍ
كَانَتْ تفتِّشُ مَعْكَ عن فَمِ صَائِمِ!!
.
.
وَالْمَسْجِدُ
الْفَرْحَانُ وَقَّافٌ عَلَى قَدَمِ انْتِظَارِكَ..
أَطْرَبَتْهُ
(إِقَامَةٌ) كَلِمَاتُهَا مَبْلُولَةٌ بِالْمَاءِ!!
في عفويَّةٍ
ذُقْنَا امْتِزَاجَ الْحَرْفِ فِي صَوْتِ (الْمُقِيمِ)
بِنَكْهَةِ
التَّمْرِ الْحَمِيمَةِ!!
مُدَّ خَطْوَ
الْقَلْبِ نَحْوَ الْمَسْجِدِ الْمُشْتَاقِ -يَابْنِي- فِي رَزَانَةِ مُسْلِمِ!!
.
.
وَعَلَى
السَّجَاجِيدِ الَّتِي نُقِشَتْ بِأَشْكَالِ الْمَآذِنِ نَسْتَوِي..
قِفْ
جَانِبِي فِي الصَّفِّ يَا وَلَدِي..
حَمَامَةُ
نَظْرَتَيْكَ تَظَلُّ هَادِئَةً عَلَى أَكْتَافِ تِلْكَ الْمِئْذَنَهْ
.
.
لا صَوْتَ
أعلى مِنْ خُشُوعِ اللفْظِ حِينَ يَبُلُّهُ دَمْعُ الإِمَامِ..
-
"اللهُ أَكْبَرُ"
............
غَنِّ يَا
قَلْبِي
لَعَلَّ
اللهَ يَسْمَعُ صَمْتَكَ الْمَقْطُوفَ مِنْ شَجَرَاتِ نَبْضِي
إِذْ
يدَلِّيها الرَّجَاءُ إِلَى يَدَيْنِ مِنَ السَّمَاءِ..
يَذُوقُهَا
مَلَكٌ..
وَيَكْتُبُ
فِي صَحَائِفِهِ بِحِبْرٍ أَبْيَضٍ مُسْتَخْلَصٍ مِنْ سَوْسَنَهْ
.
.
نَهْرُ
الصَّلاةِ
–وَأَنْتَ
تَرْكَبُ زَوْرَقًا هَيْمَانَ مِنْ نَفَحَاتِهِ-
مُتَفَرِّعٌ
فِي الصَّدْرِ شِرْيَانًا وَأَوْرِدَةً
وَتَنْتَعِش
الضِّفَافُ عَلَى حُدُود الْقَلْبِ
حِينَ
يُطِلُّ -مِنْ أَرْضِ الْحَنِينِ- الْعُشْبُ مُبْتَهِجَ النَّدَى..
وَتَطُولُ
أَعْدَادُ النَّخِيلْ
.
.
وَتُسَلِّمُ
الأَرْوَاحُ عَنْ أَيْمَانِهَا وَشمَالِهَا...
وَتَهُبُّ
رَائِحَةُ النَّوَافِلِ فِي الْمَكَانِ بِسُرْعَةٍ..
وَتَفُوحُ
أَجْسَامُ الصِّغَارِ بِجَرْيِهِمْ لِلْبَابِ يَسْتَبِقُونَ خَيْلَ خَيَالِهِمْ..
وَالْفِكْرُ
فِي شَكْلِ الطَّعَامِ مُهَرْوِلٌ بِهمُو عَلَى طَيْفِ الْمَوَائِدِ فِي
الْعُقُولْ
.
.
وَابْنِي
امْتَطَى كَصِحَابِهِ فَرَسًا..
وَشَمَّ
رَوَائِحِ الأَكْلِ الَّذِي مَا زَالَ مُنْتَظِرًا وُصُولَ الْفَارِسَيْنِ..
عَلَيْهِمَا
تَاجُ الصَّلاةِ..
وَعَادَ
يَرْشقُنِي بِنَظْرَتِهِ الَّتِي رَاحَتْ تُوَضِّحُ لِي:
بِأَنَّ
النَّاسَ قَدْ ذَهَبُوا، وَلا يَبْقَى سِوَانَا.. وَالصِّيَامُ لَهُ أُصُولْ
.
.
سَلَّمْتُ
عَنْ شَطِّ الصَّلاةِ الأَيْمَنِ الْمُخْضَرِّ..
مُلْقِيًا
التَّحِيَّةَ نَحْوَ ضَفَّتِهَا الشّمَالِ..
وَتَارِكًا
رُوحِي تُصَلِّي فِي مَكَانِي وَحْدَهَا
تَرْقَى
إِلَى التَّقْوَى سَلالِمَ حِضْنِهِ
.
.
وَالْجِسْمُ
يَسْبِقُهَا لِدَارِي، وَاصِلاً
-ما بَيْنَ
روحي في الصلاة وَبَيْنَ جسمي في الطريق-
خُيُوطُ
الاسْتِغْفَارِ..
وَالدَّعَوَاتُ
أَرْشَقُ مَا يَكُنَّ..
قَفَزْنَ
مِنْ قَلْبِي إِلَى قَلْبِ السَّمَاءِ..
فمَسَّنِي
عِطْرُ الْحَفَاوَةِ فِي السَّمَاءِ بِهِنَّ...
وَابْنِي
سَابِقٌ قَدَمِي، وَتَسْبِقُهُ أُبُوَّةُ نَظْرَتِي...
وَيَحفُّ
كَفَّيْنَا تُرَاثٌ عَائِلِيٌّ مِنْ تَشُابِكِ كفَّيِ الأَبِ وَابْنِهِ
.
.
وَلَدِي
مُصِرٌّ أَنْ يُضِيءَ عُيُونَ مَائِدَةِ الطَّعَامِ بِنَظْرَتَيْ فَانُوسِهِ..
"وَحَوِي"
عَلَى فَمِهِ غَمُوسُ رَغِيفِهِ..
يَا لَيْتَ
يُمْكِنُنِي الشُّعُورُ بِطَعْمِهَا حَتَّى تُشَبِّعُنِي سَرِيعًا
مِثْلَمَا
شَبِعَ ابْنِيَ الطيَّارُ في مَلَكُوتِ كِلْمِتِهِ..
وَأَلَّفَ
-مِنْ حُرُوفِ طُفُولَةِ (الْيُوحَا)- قَصِيدَةَ كَوْنِهِ
.
.
سَهْلٌ إِلَى
أَقْصَى الصُّعُوبَةِ أَنْ تُقَلِّدَ (بَسْمَةَ الْوَحَوَي) عَلَى شَفَتَيْكَ..
دُونَ
الْعَوْدَةِ الْخَضْرَاءِ لِلْمَاضِي بِسَيْلِ حَنَانِهِ
.
.
قَدْ كَانَ
-فِيمَا كَانَ فِي كُتُبِ الطُّفُولةْ-
قِصَصٌ
بِرَائِحَةِ الْحُقُولِ قَدِيمَةٌ، فِيهَا تَفَاصِيلِي مُرطّبَةٌ
تَسَاقَطُ
مِنْ نَخِيلِ الذِّكْرَيَاتِ عَلَى النَّجِيلَةْ
.
.
جَيْشُ
الْفَوَانِيسِ الْكَبِيرُ الآنَ يَمْلَأُ حَارَةَ الذِّكْرَى..
أَنَا
جُنْدِيُّهُ (الوَحَوِيُّ)
نَحْتَلُّ
الْهَوَاءَ بِكُلِّ أَسْلِحَةِ الْفَوَانِيسِ الثَّقِيلَةِ وَالْخَفِيفَةْ
.
.
وَيَقُولُ
أَيْمَنُ: "صُمْتُ حَتَّى الظُّهْرِ"
قُلْتُ:
"أَنَا أَصُوم إِلَى أَذَانِ الْعَصْرِ"
يَهْربُ
جَارُنَا الآتِي مِنَ "الحَضَرِ" الْبَعِيدِ، بِبَسْمَةِ الْحَرَجِ
اللطِيفَةْ
.
.
وَبِجَيْبِهِ
كِيسٌ مِنَ "الشِّيبْسِي" المُتَبَّلِ بِالْحَيَاهْ
يُخْفِيهِ،
لَكِنْ طَعْمُهُ الْفَوَّاحُ يَفْضَحُهُ، وَيَنْبِضُ فِي الشِّفَاهْ
.
.
.. صَرَّحْتُ
أَمْ لا .. وَقْتَهَا..
فَالصَّيْفُ
كَانَ يَمُصُّ رُوحِي، كُنْتُ أَحْسُو الْمَاءَ فِي كَأْسِ الْخَفَاءْ
.
.
مُتَحَفِّزٌ
دَوْمًا
إِذَا
احْتَاجَتْ -إِلَى أَحَدٍ يَذُوقَ الأَكْلَ- أُمِّي..
كَالْخَبِيرِ
أَذُوقُ مَرَّاتٍ لأُخْبِرَهَا بِأَنَّ الْمِلْحَ مَضْبُوطٌ،
وَأَمْضِي..
فِي فَمِي أَلْفُ اشْتِهَاءْ
. .
.
.
بَعْضُ
النَّسِيمِ يَمُرُّ بَيْنَ سُطُوحِ دُورِ النّيِّ، قُرْبَ الْمَغْرِبِ/
الْوَرَقُ
الْمُعَلَّقُ فِي خُيُوطِ الزِّينَةِ اسْتَحْلَى النَّسِيمَ، مُقَلِّدًا أَوْرَاقَ
أَشْجَارِ الْحُقُولِ
بِصَوْتِ
"كُورَالِ" الْحَفِيفِ، وَكَانَ مَسْرَحَهُ الْهَوَاءْ
.
.
وَسَأَلْتُ:
كَمْ يَبْقَى؟
تَرَدُّ
عَلَيَّ أُخْتِي: نِصْفُ سَاعَةْ
.
.
فَأَمصُّ
مِنْ شَفَتِي عَصِيرَ جَفَافِهَا.. وَالْوَقْتُ يُبْطِئُ فِي فَظَاعَةْ
.
.
سَنَتَانِ
أَمْ هِيَ نِصْفُ سَاعَتِهَا الَّتِى
تَمْشِي
كَجَارَتِنَا الْعَجُوزِ، وَطِفْلَةِ ابْنَتِهَا بِمَرْحَلَةِ الرَّضَاعَةْ
.
.
هَلْ
أَخْرَجُوا "حَجَرَ" المُنَبِّهِ مِثْلَ أَمْسِ، وَطِفْلُ جَارَتِنَا
أَضَاعَهْ
.
.
..
وَ"المدْفَعُ"..
.
.
فِي
الْقَلْبِ يُطْلِقُ قُنْبِلاتِ النَّبْضِ بِالأَمَلِ الَّذِي يتَوَقَّعُ
لَكِنَّهُ لا
يُسْمَعُ
.
.
وَالشَّيْخُ
"شَعْرَاوِيُّ" فِي "التِّلْفَازِ" يَبْدَأُ دَرْسَهُ
.
.
يَنْسَى بِهِ
عَطَشِي وَجُوعِي نَفْسَهُ
.
.
هَا..
"مدْفَعُ
الإِفْطَارِ"
هَا..
"اضْرِبْ"
- أَشْرَبُ
الآنَ؟
- انْتَظِرْ
حَتَّى التَشَهُّدِ فِي الأَذَانِ
"اللهُ
أَكْبَرُ...
......."
- هَلْ شَرِبْتَ
الْمَاءَ كُلَّهْ؟
- قَدْ صَارَ
بَطْنِي الآنَ "قُلَّةْ"
طَرَقَاتُ
بَابٍ..
وَابْنُ
جارَتِنَا مَعَ الطَّبِق القَدِيمِ، وَفِيهِ أَطْعِمَةٌ جَدِيدَةْ
.
.
وَأَنَا
غَرِقْتُ بِمِهْرَجَانِ مُبَارَكَاتِ الأَهْلِ.. وَالْعَيْنَانِ مُسْرِفَتَا
التَّشَهِّي نَحْوَ أَطْبَاقٍ بَعِيدَةْ
.
.
- كُلْ مِنْ
أَمَامِكَ! أَوْ إِلَيْهَا فَانْتَقِلْ
.
.
وَإِذَا
انْتَقَلْتُ، غَرَسْتُ فِي طَبَقِي الْقَدِيمِ -بِنَفْسِ إِسْرَافِ التَّشَهِّي-
كُلَّ حَبَّاتِ الْمُقَلْ
.
.
والآنَ
تَنْدَهُنَا الشَّوَارِعُ لِلَّعِبْ
.
.
- الدَّوْرُ
كَانَ عَلَيْكَ يَا مَحْمُودُ.. عدَّ الآنَ..
رَاحَ
يَعدُّ، لَكِنْ فِي غَضَبْ
.
.
عَيْنَاهُ
مُطْفَأَتَانِ بِالْكَفَّيْنِ.. نَادَانَا:
-
"خلااصْ؟!" ( ) - لا ... لا...
-
"خلاااااصْ؟!!" - لا ..
- "لا،
خَلاصْ.."
وَيُزِيحُ
لَيْلَيْ كَفِّهِ عَنْ صُبْحِ عَيْنَيْهِ..
وَيْبْدَأُ
فِي سُؤَالِ شُجَيرَةِ الصَّفْصَافِ عَنَّا.. لَمْ يَجِدْ أَحَدًا وَرَاءَ
النَّخْلِ..
فِي قَلْبِ
الطَّرِيقِ يَنَامُ صَاحِبُنَا "سَلامَةُ" نَبْضَةً، قَدَمَاهُ مِنْ
قَلَقٍ..
وَعَيْنَاهُ
تَدَفَّقَتَا بِسَيْلِ تَرَقُّبٍ فِي كُلِّ أَوْرِدَةِ الطَّرِيقِ..
لَوِ
اعْتَلَى "محمودُ" جِذْعَ النَّخْلَةِ الْمَحْرُوقَ..
لاعْتَرَفَ
الطَّرِيقُ لِنَظْرَتَيْهِ عَلَى "سَلامَةَ" (لا مَنَاصْ)
.
.
وَأَنَا
خَصَفْتُ عَلَيَّ مِنْ وَرَقِ النَّبَاتِ..
وَبَعْضَ
أَعْوَادٍ مِنَ الذُّرَةِ الَّتِي قَطَّعْتُهَا لِخَرُوفِيَ الْمَرْبُوطِ بَيْنَ
النَّخْلَتَيْنِ..
فَلَوْ خَطَا
"محمودُ" نَحَوْ يَمِينِهِ..
لَغَدَا لَهُ
خُفَّانِ مِنْ لَحْمِي وَعَظْمِي أَخْضَرَانِ..
وَغَابَ
"أيمنُ" من أمامِ الْعَيْنِ فِي حِضْنِ الْخِصَاصْ
.
.
(( -اثْبُتْ!
- أَلَمْ
يُخْبِرْكَ "أَحْمَدُ" عَنْ مَكَانِي... ؟!
- لا..
- وَلا
حَتَّى سَلا...؟!! .............))
وَاللعْبَةُ
الْخَضْرَاءُ يَقْطِفُهَا الْخِصَامُ ..
نَعُودُ
لِلدُّورِ الْتي صُدِعَتْ بِثَرْثَرَةِ الإِوَزِّ، مَعَ احْتَجَاج الْبَطّ فِي
وَجْهِ الدَّجَاجِ... (وَمَا إِلَى..)
وَجُيُوبُنَا
فِيهَا قَلِيلٌ مِنْ تُرَابِ الأَرْضِ..
مَعْجُونٌ
بِمَاءٍ قَدْ رَشَشْنَاهُ عَلَيْنَا، نَبْتَّتْ فِيهَا شُجَيْرَاتُ الشَّتَائِمِ..
(لَمْ
تُشَذِّبْهَا مَسَامِعُ أَهْلِنَا حَتَّى وَلَوْ طَرَحَتْ عَلَى عُشْبِ الْمَلا..)
و..."الله
أكبرُ.."
كَمْ أَبٍ
نَادَى، فَصَلَّيْنَا الْعِشَاءَ..
هُنَاكَ فِي
الصَّفِّ الأَخِيرِ مُغَامَرَاتٌ فِي صَلَاةِ صِغَارِ قَرْيَتِنَا...
وَعَامِلُ
مَسْجِدٍ دَوْمًا يَصِيحْ
فِي الْحَالِ
نَهْربُ..
حِينَ
تَنْدَهُنَا الشَّوَارِعُ بِالنِّدَا غَيْرِ الصَّرِيحْ
وَنَمُرُّ
بِالْبَيْتِ الْقَرِيبِ.. لِشَحْنِ أَرْصِدَةِ الْبُطُونِ...
الآنَ
يَحْمِلُ كُلُّ طِفْلٍ حِمْلَ خُبْزٍ فَوْقَ كِتْفَيْ بَطْنِهِ..
وَيُقَابِلُ
الأَوْلادَ..
نَلْعَبُ..
لَيْسَ
مَنَّا مَنْ تَذَكَّرَ مَا جَرَى مِنْ قبلُ مِنْ ضَرْبِ الرَّصَاصْ..
وَتَمُرُّ
سَاعَاتٌ مِنَ الْجَرْيِ الْخَصِيبِ، رَوَتْهُ غَيْمَةُ الانْسِجَامِ..
فَأَنْبَتَتْ
سِكَكُ الْقُرَى شَجَرَ التُّرَابِ..
وَلَمْ
نَزَلْ نَتَسَّلَقُ الشَّجَرَاتِ، نَقْطِفُ عَفْرَهَا فِي سَلَّةِ الْجَيْبَيْنِ..
وَالْقُمْصَانُ
-طُولَ
اللَّيْلِ-
سَلاّتٌ
لِجَنْيِ الْعَفْرِ فِي حَقْلٍ مِنَ الْجَرْيِ الْمُسَمَّدِ بِابْتَسَامَةِ
أَصْدِقَاءْ..
حَانَ
السّحُورْ
وَاسْتَيْقَظَتْ
مِنْ حَوْلِنَا دُورٌ وَ دُورْ
فِي الليْلِ،
تَفْرُكُ جَفْنَ نَافِذَةٍ بِمِصْبَاحٍ قَدِيمٍ كَيْ تُفَتِّحَ فِيهِ نُورْ
نَادَتْ
عَلَيْنَا الأُمُّ مَرَّاتٍ..
وَلَمَّا
فَتَّشَتْ مَرَّاتُهَا عَنْ مِسْمَعٍ...
عَادَتْ
إِلَيْهَا طِفْلَتَانِ مِنَ الصَّدَى مُبْتَلَّتَيْنِ بِخَيْبَتَيْ أَمَلٍ..
وَفِي
عَيْنَيْهِمَا قَمَرَانِ مِنْ دَمْعٍ..
فَلَوْ
ذَرَفَتْهُمَا أُمٌّ عَلَى خَدِّ السَّمَاءِ..
لَعُوقِبَتْ
أَسْمَاعُنَا قَبْلَ الْبُكَاءْ
أَمَّا
أَبِي..
فَبِكُحَّةٍ
أُولَى يَصُبُّ الرَّعْدَ فِي الآذَانِ..
نَجْرِي
كَالصَّرَاصِيرِ الَّتِي لا تَعْرِفُ الْهَرَبَ الْيَمِينَ مِنَ الْيَسَارِ..
وَلا جَنُوبَ
اللَيْلِ مِنْ شَرْقِ الْعَصَا فِي الْكِتْفِ..
كَانَ
أَهَمُّ شَيْءٍ أَنْ تَغِيبَ عَنِ الْمَكَانِ..
فَإِنْ
أَمْطَارَ الْعِصِيِّ سَتُغْرِقُ الْجِسْمَ الصَّغِيرَ..
وَرُبَّمَا
نَبَتَتْ عَلَى أَكْتَافِنَا الْكَدَمَاتُ.. تُثْمِرُ آهَةً في الْحَلْقِ
طَازَجَةً، وَهَيْنَمَةَ اسْتِيَاءْ
نَحْوَ
الْبُيُوتِ لِشَحْنِ أَرْصِدَةِ الْبُطُونِ بِــــــ طَنّ أَرْغِفَةٍ وَمَاءْ
- بَاقٍ
عَلَى الْفَجْرِ الْكَثِيرُ؟
- نَعَمْ،
وَلَكِنْ لَا لَعِبْ
وَأَقُولُ
"طبعًا"، ثُمَّ يَغْلِبُنِي –ويعجبني- الْهَرَبْ
نَسْتَأْنِفُ
الأُنْسَ الترابيَّ الصَّغِيرَ إِلَى الأَذَانْ
"اللهُ
أكْبَرُ..."
كَانَ نُورُ
الْمَسْجِدِ الْفَرْحَانِ بِالْفَجْرِ الْجَدِيدِ يَفِيضُ مِنْ شَكْلِ
(الْهِلَالِ) عَلَيْهِ
مَوْصُولاً
بِبَدْرٍ فِي السَّمَاءْ
وَنَظَلُّ
نَلْعَبُ لِلصَّبَاحِ بِكُلِّ مَا فِي وسْعِ هَذَا الطِّفْلِ مِنْ مَرَحٍ، وَهَذَا
مِنْ غِنَاءْ
فِي
الصُّبْحِ تُصْبِحُ أَعْيُنُ الأَوْلادِ آذَانًا..
وَقُرْصُ
الشَّمْسِ سَاعَتَنَا الَّتِي إِنْ نَبَّهَتْ بِعَقَارِبِ الأَضْوَاءِ عَنْ وَقْتَ
مِنْ اللعِبِ الْجَدِيدِ..
نَقُمْ..
ونَسْبَحُ فِي هَوَاءِ الْحَقْلِ أَلْفَ جَرَادَةٍ بَشَرِيَّةٍ
لَيْسَتْ
لَهَا هَمٌّ سِوَى الطَّيَرَانِ هَائِمَةً.. مُجَنَّحَةً بِرِيشِ اللانْتِهَاءْ
حَتَّى
نَعُودَ وَفِي الشِّفَاهِ أَشَدُّ مِنْ حَطَبِ الْحُقُولِ،
لِكَيْ
نَنَامْ
هَذَا
قِطَارُ الذِّكْرَيَاتِ بِكُلِّ عَامْ
يَحْكِي
–عَلَيَّ- الرِّحْلَةَ الأُولَى
لِطِفْلٍ
كَانَ مُقْتَنِعًا بِأَنَّ الْجَنَّةَ الأُخْرَى مُخَبَّأَةٌ بِلُطْفٍ تَحْتَ
أَجْنِحَةِ الْحَمَامْ
..
وَيَمُرُّ
عَامٌ بَعْدَ عَامٍ بَعْدَ عَامْ
وَالطِّفْلُ
يَكْبُرُ جِسْمُهُ، وَالقَلْبُ مُنْشَغِلٌ بِمَاضِيهِ الْجَمِيلِ عَلَى الدَّوَامْ
,,,,
...الناسُ
فِي رَمَضَانَ مُخْتَلِفُونَ حَتَّى آخِرِ الشَّبَهِ الْحَمِيمِ..
فَزَوْجَتِي
لا تَرْتَدِي فِيهِ سِوَى إِسْتَبْرَقٍ التَّقْوَى..
أَصَابِعُهَا
تُغَنِّي فِي خَوَاتِمَ مِنْ حَنَانٍ، نَظْرَتَاهَا مِنْ حَرِيرِ الْحُبِّ..
فِي
الشَّفَتَيْنِ أَحْمَرُ ذِكْرِهَا للهِ..
فِي
الْخَدَّيْنِ مَا لَمْ تَقْوَ أَنْ تَمْحُوهُ أَيْدِي الليْلِ مِنْ دِفْءِ
الدُّمُوعِ بِجَفْنَيِ الصَّلَوَاتْ
وَالأُمُّ..
يُمْنَاهَا تُوَاسِي حَسْرَةً فِي صَدْرِهَا..
وَبِكَفِّهَا
الأُخْرَى تُزِيحُ وُرَيْقَةَ الْيَوْمِ الَّذِي صُمْنَاهُ مِنْ قَلْبِ (النَّتِيجَةِ)
كَالَّذِي
أَجْرَى
الْجِرَاحَةَ نَازِعًا -مِنْ أَضْلُعِ (التَّقْوِيمِ)- رَابِعَ نَبْضَةٍ مِنْ
أَرْحَمِ النَّبَضَاتْ
وَتَقُولُ
أُمِّي:
ضَيْفُنَا
مُسْتَعْجِلٌ، فَلْتُكْرِمُوا رَمَضَانَ..
زَارَ
النَّاسَ ضِمْنَ قَوَافِلِ الْعُوَّادِ.. طَيَّبَ خَاطِرَ الْمَرْضَى..
وَحَاكَ
لِجَارِنَا الْمُحْتَاجِ قُمْصَانًا مِنَ التَّقْوَى..
وَأَنْضَجَ
فَوْقَ نَخْلِ الدِّينِ -لِلْجَوْعَى- تُمُورَ النُّورِ وَالْبَرَكَاتْ
لِنَسِيمِهِ
كَفٌّ تُكَفْكِفُ
-عَنْ
جَبِينِ الصَّيْفِ مِنْ عَرَقِ الذُّنُوبِ-
مُلُوحَةً
أَكَلَتْ جُلُودَ الْخَلْقِ حَتَّى عَرَّتِ الإِنْسَانَ مِنْ تَحْتِ الثِّيَابِ
أَمَامَهُ..
مَاذَا
سَيَسْتُرُ عَوْرَةً فِي الذَّاتْ
لَكِنْ وَمَا
عُمْرُ النَّسِيمِ سِوَى قَلِيلٍ..
قَدْ أَعَدَّ
مَتَاعَهُ رَمَضَانُ تَارِكًا الصَّحَارَى الْخُضْرَ أَطْفَالاً
عَلَى
أُرْجُوحَةٍ مِنْ خَوْفِهِمْ مَشْدُودَةٍ وَسطَ الْقُلْوبِ بِبَعْضِ أَحْبَالِ
الْوَرِيدِ..
وَأُمُّهُمْ
سَارَتْ إِلَى جِهَةِ الْغِيَابِ..
وَرَاءَهَا
شَعْبٌ مِنَ الأَيْتَامِ؛ فِي أَحْيَائِهِمْ أَمْوَاتْ
لِلْحُلْوِ
عُمْرٌ مُغْرِقٌ فِي نَكْهَةِ الْقِصَرِ الْمَرِيرَةِ فِي أَوَاخِرِهَا
وحَتَّى إِنْ
تَكُنْ ذِكْرَى حَلاوَةِ لَحْظَةٍ مِنْهُ، سَتَبْقَى سُكَّرَ السَنَوَاتْ
****
لَكِنَّ
جِيرَانًا لَنَا لَمْ يَرْدمُوا الْبِرَكَ الَّتِي فِي دُورِهِمْ..
سَقَطُوا
بِهَا مُسْتَمْتِعِينَ بِوَحْلِ أَفْلامٍ..
بـِ(تَمْثِيلِيَّةٍ)
عُرْيَانَةٍ إِلا مِنَ الْقِيَمِ الَّتِي خِيطَتْ بِإِبْرَةِ زَوْجَةِ
الْعِصْيَانْ
جِيرَانُنَا
قَدْ أَفْطَرُوا طُولَ النَّهَارِ بِلُقْمَةٍ
مِنْ طِينِ
قَاعِ الْبِرْكَةِ الْمَغُسْولِ بِالشَّهَوَاتِ وَاللهْوِ الْمُتَلْفَزِ..
قَدْ
أَقَامُوا الليْلَ مُصْطَفِّي الْعُيُونِ عَلَى سَجَاجِيدِ الزُّجَاجِ..
بِنَقْشِهَا
الْمُصْبُوغِ بِالْحَرَكَاتِ وَالأَصْوَاتِ فِي الشَّاشَاتِ..
كَانَ
يَؤُمُّهُمْ شَيْطَانْ
لَكِنَّ
جِيرَانًا لَنَا رَدَمُوا..
وَخَاطُوا
لِلْمَسَاءِ قَمِيصَهُ الْمَنْسُوجَ مِنْ إِيمَانْ
***
وَالليْلُ
فِي رَمَضَانَ لَيْسَ يَنَامُ..
كَيْفَ
يَنَامُ مُبْتَلُّ الْخُدُودِ بِدَمْعَةِ الْمُتَهَجِّدِينْ
الدَّمْعُ
مِنْ جَفْنِ الصَّلاةِ يَكَادُ يَغْسِلُ -عَنْ خُدُودِ الليْلِ- ظُلْمَتَهَا..
فَفِي
رَمَضَانَ تَشْعُرُ أَنَّ وَجْهَ الليْلِ أَبْيَضُ...
كَيْفَ لا
والدمعُ -إِنْ
يَلْمُسْ فُؤَادَ الْعَبْدِ مَهْمَا كَانَ أَسْوَدَ- لَنْ يُبَقِّيَ فِيهِ طِينْ!!
***
#أحمدأبوإلياس