المعجزة اليونانية
العقيد بن دحو
- "المعجزة تَتِمُ دائما حين نستحم في حوض الإستحمام و ألا نذوب فيه كقظعة السكر" !.
هذه المقولة أعلاه تعود للفنان العالمي الرسام السيريالي (بيكاسو) ، و هو
القائل : " حين يعوزني اللون الأزرق أستخدم اللون الأحمر". و هو القائل
ايضا : "أنا لا أبحث أنا أجد ".
من قال لم تعد ثمة معجزة يونانية ، حتى اذا ما قرأت كتابا
اغريقيا كيفما كان طبعه و شكله ، أصليا أم مترجما أم مُتناصا الا و ينسيك في كتب ؛
من تلك الكتب المتداولة اليوم . المعجزة
تتم كلما شاهدت تمثالا أو ايقونة أغريقية قديمة مما قبل الميلاد الا و تنسيك فيما
ينحث و ينقش اليوم على الحجر الخشب او الخشب الحجر ، المعجزة اليونانية تتم كلما
شاهدت مسرحية كلاسيكية أغربقية دعتك الضرورات بما تبيح المحذورات تنسيك ما يعرض عليك من سخافات العصر.
المعجزة اليونانية تتم كلما تمعنت في هيكل أو معبد يوناني و تجعلك تنسى
فيما يبنى و يشيد اليوم من مخططات كثل .
المعجزة تتم عندما العالم لا يستطيع التخلص من نظريات المنظرين المفكرين
الاغريق و فلاسفة اليوم بلا فلسفة و لا حجر و لا سفسطة.
من يقرأ للاغريق توصله الى درجة التشبع ، يصيؤ كل ما هو امامه ضعيف هزيل.
كم ينطبق علينا الأثر الشعبي القائل : "اللي فاته كبيره قل
تدبيره".
لم و لن تجد أدبا ساحرا آسرا مثل ما هو الأدب اليوناني.
صحيح هو بالغالب ما يكون أدبا تكفيريا تطهيريا ، و لايبعث عن اي تغيير
محتمل ، غير أنه لا يدعك تغادر (الأثر) ؛ سواء كان مقروءا او مسموعا أو مرئيا إلا
و قد تطهرت من الداخل و كفرت عما علق بك من ادران انفعالات النفس.
الماء المقدس السماوي كما قال افلاطون الذي لا يطهر الجسد الفاني المادي
السفلي ، انما يطهر النفس و الذهن ، و ينعش الألباب و يبعث عن روح جديدة تشع في
سائر الجسد امنا و املا و اقداما على الحياة من جديد.
هذه الحياة الروحية التي نجدها اليوم ؛ بل و في كل عصر عند كبار الادباء و
كبار الفنانين و كبار المفكرين يعودون الى الكلاسيكيات مرغمين لا أبطالا ، و لو
بإخراج جديد - حفظا لماء الوجه- يصبغون عليهآ
و يصبون فيها افكارهم و تصوراتهم الذهنية في قالب حديث ، يتماشى و ما يعيشه
الانسان المعاصر من تفاعلات سياسية اجتماعية ثقافية اقتصادية أو كما يزمعون......!
هذه المعجزة اليونانية عندما يعقد العالم و يلزمه بعقدة العجز ، بأن لا
تطور و لا تقدم و لا ازدهار و لا نمو ماديا و معنويا الا بالعودة الا ما قبل
التاريخ الى ما قبل الميلاد الاغريقي .ثمة فقط يقف الادب و الفن و الفكر
عاجزا على اي اجابة لغز هول محتمل.
الغريب العجيب أن هذا العصر الحديث (المتقدم) الذي قام على انقاض المعجزة
اليونانية ، هو اليوم ينفي على الأغارقة أية معجزة و عن أي دور في صتاعة التاريخ
المعاصر في عز نهاية هذا التاربخ !
صحيح الأغارقة لم يشيدوا جسورا كما هي عند بلاد الغسق الغرب ، و لم يشقوا
طرفا مزدوجة معبدة و لا مطارات و لا سكك
حديدية و لا صناعات عملاقة ، و لا
موانئ و لا ناطحات سحاب و لا طائرات و لا
بوارج ، و لا ك
معدات و آليات برية بحرية جوية فضائية ، و لعلها اكثر رواجا هذه الثورة
المعلوماتية التي يشهدها العالم الحداثية و ما بعد الحداثة الذي أثقله منطقه.
غير أن هذه معجزة مادية ان كانت ثمة معجزة ، صلبة متحجرة بلا روح ،
اسطورتها (النجاح) ، النجاح المادي طبعا ضحك بلا فرح و حياة بلا أمل ، إله العصر
الحديث كما يقول المحللون و المفكرون . و من حيث النجاح يجر النجاح....منذ أمد
طويل يسير نحو الهاوية كما يقول (سيزار) . أن الشجرة ان ماتت فبإمكانها من رطوبة
الأرض أن تعود الحياة خراعبها و تخضر و تعيش من جديد ، أما الإنسان ان مات يختفي
نهائيا و لا شيئ يذكر به.
منذ طهور الإنطباعية تحول الكائن البشري الى لون و ضوء و ما يشبه الصورة.
صحيح يوجد ما يدهش و يذهل في هذه الحضارة أو المعجزة المادية ، غير أن
سرعان ما يستيقظ هذا المخدَر المدوٌخ و يرى بعين التروي و التعقل ، ليكتشف ما هذه
الحضارة التي تشاهدها و تشهدها و تعيشها ما هي الا محاكاة للمعجزة اليونانية
الروحية النفسية الخيالية ، الخيال الجمعي الميثولوجي ؛ كُتِب و تُرجِم بكيفية أو
بأخرى ، و انتقل و تحول من المجرد الخيال الى الواقع الملموس.
حينما نجد التأثير الأغريقي في كل مكان و في كل زمان في الحجر و الشجر و
البشر؛ لا زال يتحدث حديثا بألف صوت ، حين نلمس أن الأداب و الفنون الإنسانية و
الأفكار لا يمكنها التقدم الا بالرجوع الى القيم الأغريقية ، من هنا فقط نتذكر
مقولة هوراس الروماني حين ينصح طلبته بإتباع أمثلة الأغريق و الإعتكاف على دراستها
ليلا كما الإعتكاف على دراستها نهارا.
و عندما نلمس مقولة الأستاذ فرانسوا كروازييه بقول : ان في ادب اليونان
لفكرا و في روحه روية و في أشعاره خيالا ، أنتج الينا أدبا إنسانيا نشعر فيه
بإمعان في حياتنا اليومية له وقعه على قلوبنا وقعا مباشرا ، ثمة فقط نتذكر أن
المعجزة اليونانية لا تزال قائمة ، و أن حضارتنا اليوم التي نعيشها أثقلها منطقها
مُدينة كل الدين للحضارة الأغريقية التي
لم تقل كلمتها الأخيرة بعد.
فإن استطاع رجل اليوم أن يطير بطائرته الحديثة فلقد طار من قبله (ديدالوس)
دون طائرة.
و ان كان غاص الغواصون في لجج
البحار فقط غاص من قبلهم (ايكار).
و ان كان حارب رجل اليوم بكل معداته الحربية الثقيلة و الخفيفة فقد حارب من
قبله فيلوكتيتيس بدرع و سهام هرقل المجنحة.
و ان كان مهندس اليوم بنى الجسور و الطرقات و المباني.... فمهندس الأغريق
ديدالوس بنى و شيد متاهة جزيرة كريت....
فاذا كان رجل اليوم بلغ القمر فمن
قبله ڤينوس صارت هي القمر.
فماذا تركت حضارة الاغريق لمن جاء بعدها.
صحيح كما بقول المثل الشعبي : " الأولين ما خلاو التاليين ما يقولوا
".
حقا أنها معجزة تتكرر أمامنا بشرط ألا تجعلنا نذوب فيها و نصير جزءا من
مكوناتها المادية. مجرد برغي صغير او ترس من تروس دواليبها العملاقة.
و حدها المعجزة اليونانية قادرة ان تضيف للإنسانية شيئ من الأشياء :
"صوت الشعب نن صوت الإله"
Veix populei ex veix dei.