الصورة الشعرية بين الادب التقليدي والادب الحديث
.مصطفى حامد جاد الكريم
الصور الشعرية التقليدية تشمل التشبيه والكناية والاستعارة المكنية والاستعارة الصريحة
وكل تلك الصور تحتوى على عناصر (المشبه – المشبه به – خصائص المشبه – خصائص
المشبه به)
وفى الادب "التقليدي" تكون كل تلك العناصر واضحة لا اختلاف عليها
لكن بعض الشعرالحديث يبني الصورة بحيث ان القارئ يختلف فى تفسير عناصر تلك
الصورة
مثلا قول الشاعر عماد غزالي
" لابد من ناي بعيد
يتعين على الاذن، أن تعشق أناته
ويتعذر على قدمي مكمن العازف"
فماذا يقصد بالناي؟
الصورة غير واضحة
ولو حاولت تفسيرها فسيختلف تفسيرك عن تفسير غيرك
لكنها مع ذلك جميلة مؤثرة في النفس
فمن اين اتي تأثيرها؟
ربما اذا نظرنا اليها كرسم بالكلمات
وكل كلمة لها ايحاؤها
وتجميع الكلمات له ايحاء
تماما كايحاء الوان اللوحة
هذا التكوين كوَّنه لاوعي الشاعر
ويحس به لا وعي القارئ
والوعى يتوقف عن فرض مفرداته الواقعية
ويفسح المجال لايماءات اللاوعي التى يتفاهم بها مع لا وعي القارئ
فالصور فى الادب الحديث هى رسم بالكلمات لا بالمعاني
وحتى اذا استخدم الادب الحديث بعض المفردات الواقعية
فانه ايضا يقصد بها ايماءات لا واعية
والكاتب الحديث والقارئ الحديث "يتعاطيان" هذا التصوير السيريالي
ويتفاهمان بلغته
واذا استعرضنا نماذج اخري سنجد نفس الشيئ
كقول محمد عفيفي مطر
" كنا معا.. بيني وبينك خطوتان
كنت صراخ اللحم تحت السوط حينما
يقطع ما توصله الأرحام"
او قول أدونيس
" الحب جسد أحنّ ثيابه الليل.
للأعماق منارات
لا تهدي إلاّ الى اللجّ.
شجرة الحور مئذنة"
لكن شرط الرسم بالكلمات ان يأتي جميلا مؤثرا فى لاوعي القارئ
فالاديب هنا كالرسام الذى ينتقى الوانه ولمساته
قد يتخلل هذا الفيض السيريالي بعض ملامح واقعية تساعد على فك عناصر الصورة
لكنها ايضا لن تفضى الى تفسير واحد مؤكد مثل الادب التقليدى
وأغلب الشعر النثري يلجأ الى هذا الرسم بالكلمات لا بالمعاني
وهو يهرب من الايقاع حتى لا يقيده فى رسم احلامه واحيانا كوابيسه
لكن هناك دائما شرط الجمال
