فوضى على خشبة المسرح باسم ما بعد الحداثة
العقيد بن دحو
فوضى ما بعدها فوضى ، سواء كانت خلاقة او هدامة. تلك التي تضرب مسارحنا من (التاء) الى (التاء) ، تلك التي ضربت بأهم قواعد الفن و الفكر الكلاسيكي التقليدي الاخلاقي الأرسطي ، بحجة البحث عن الخلية الأولى للفرجة بصفة عامة ما بعد الفكر و ما بعد الفعل.
جنون ما بعده جنون ،
لم تكتف بهدم الجدار الرابع للمسرح (الجمهور) عند برتولد بربخت و جعلته
يعيش الاغراب بكل معانية اللغوية الاصطلاحية الفيلولوجية . انما هدمت الجدار الاول
عند المؤلف ، و الجدار الثاني عند السيناريست المخرج ، و الجدار الثالث عند الممثل
(....) !
اختلط الحابل بالنابل ، و لم نعد نميز أنحن في استيودوهات سينماء او على
خشبة مسرح!؟
أي جمهور نحن '!؟ ....وأنصار من !؟
فوضى ما بعدها فوضى ، كما لم يعد (المؤلف) ، (السيناريست) ، (السينوغراف)
يعرض علينا تصوراته الذهنية أو افكاره الفلسفية ، انما مرجعياته و خلفياته القبلية
الطائفية التي انزلقت كل الانزلاق البائس المقيت نحو الجهوية و العنصرية و اضاقوا
متسعا.
و في ظل غياب الناقد المسرحي المختص و الرقيب العادل فاض الجو لحمامة المثل
، تبيض و تفرح كيفما شاءت و كيفما أبت !
فوضى ما بعدها فوضى ، ليتها كانت فوضى خلاقة ، دعوة تدميرية هدامة من اجل
بناء قيمة فنية جديدة أكثر انسانية ، تهديم قاعدة لأجل تطبيق قاعدة أخرى أكثر نضجا
ووعيا ووازنة ما بين المحيط و الفنان.
صحيح الفلسفة الأغريقية منحت معنى خلاقا للفوضى ، حين قال افلاطون :
"الفوضى هي نظام غير مرئي".
و حين أعطى معنى جديدا لكلمة (الشعر) : " الشعر جنون سماوي ، ملح
الخليقة ، و الشاعر لا يبدع ما لم يلهم و
يفقد عقله".
وها نحن نخسر عقولنا و انفسنا جراء ما يعرض و يملى علينا من حماقات و
هرطقات الكبار باسم المسرح او باسم المسرحيات التي معظم كلماتها و افكارها مسروقة
من نصوص مسرحية تلفزيونية مسجلة.
كمثل نص الزميل الصحفي مصطفى بن ذهينة من محطة بشار التلفزيونية ، الذي سجل
مع ابطال فريق جمعية (النسور) ولاية تندوف ؛ تحت مسمى " الجوهرة
الضائعة" ، هو اليوم يجري في جهات أخرى بعنوان اخر (....)
عيش تشوف !.
من الاحسن على الواحد ان يبطل فيه عمل الحواس و تداعي الافكار ، خير له ان
يتفوه "كليمة" يصبح في "ظليمة" !.
ثم ما الذي يريدونه لنا بهذا (البيرفورمونس) Performance هذا المصطلح
الحداثي أو ما بعد الحداثة ، و كأنهم جاءوا بالأسد من أذنيه او كل الصيد في (جوف
الفرا) !
ألا يكفيهم الجمهور هجر القاعات و تركهم و كراسيهم الفارغة يمارسون المسح
الشامل عوضا عن المسرح الشامل (لاحظ خرف الراء) !؟
لم يعد شيئ يهم على سطح خشبة المسرح لا الممثل و لا الديكور و لا النص و لا
حتى الاندماج و التركيز بالدور و لا ردة الفعل و لا الناقد ، حتى الجمهور حضوره من
عدمه سيان.
لم يعد بطلا او كومبارسا او شيئ ذي اهمية على خشبة المسرح. كل الحضور يباب
و هراء ، جسد عليل اضناه العبث.
من كل التعابير السابقة و السابقة للتاريخ لم تعد تهم ، انتهى كل شيئ و ما
بقي الا ظل ظليل جسد حسير تحركه فقاعات..... حركات تشبه الحركات ، و كلمات تشبه
الكلمات ، و مع هذا تبدا المسرحية و تنتهي كالسحليه تزحف من الفراغ الى الفراغ
بلاهدف و لا غاية و لا أمل و لا رجاء.
عند هذه الحالة السيكوباتية الدراماتيكية ، المرضية التي وصلت اليها
الدراما الحديثة.
لم تعد الكلمة ذي أهمية عند الكلاسيكية ، و لم تعد العواطف و الاحاسيس ذي
جدوى عند الرومانسيين ، و لم يعد شيئ معبر عنه عند التعبيرببن ، و لم يعد شيئا ذي
وجود عند الوجوديين ، و لم تعد الحرية و الغموض و لا البيانات ناجعة عند
السيرياليين ، و لا التعاويذ الدينينة و لا الحلولية عند الصوفيين و لا اللغة و لا
الدين ، و لا الاغراب و التفكك و العدمية و التفتت و الهروب من المجتمع ، و لا
التفكير و التغيير عند الملحميين الشعريين دعاة التجديد و التفكير و التغيير.
كل هذه المؤشرات تشير حقا الى نهاية (المسرح) ، لا سيما عندما تستفحل
الرداءة و كل شخص من الحلقة المفرغة يدعي فوله طياب كما يقول المثل الشعبي.
تكفي نظرة بسيطة الى ملهاة (الضفادع) من القرن الخامس قبل الميلاد لنكتشف
هذه النهاية التراجيدية بذائقة الكوميديا للمسرح.
يقول ارستوفانز في ملهاة (الضفادع) : " حين ذهب الاله ديونيسيس الى
العالم الأخر ليسترد واحدا من الشعراء الثلاث (صوفوكليس - ايروبيدز - اسخيلوس) لم
يكن قد بقي منهم أحدا ؛ ذاك ان المأساة اليونانية انتهت بموت الشعراء الثلاث
".
و ان الالة الارهابية الجهنمية التي ضربت بأيدي حاقدة لئيمة ابان تسعينيات
القرن الماضي ، كانت تعرف ماذا تفعل ، قتلت المبدعين و المثقفين في حقول شتى
معرفية علمية فنية ثقافية اوصلتتا الى ما نحن عليه اليوم ؛ الى هذا الاغتيال
المبرمج الممنهج ، كل شيئ جميل عندنا ، بنيران صديقة اكلينيكيا رحيما و بطيئا.
فعندما تمارس الرداءة باسم الفرجة المسرحية يعد اغتيالا للمسرح ذاته.
و اليوم ادركنا متأخرين لماذا أغتيل المسرحي عبد القادر علولة ، و صديقه
المرحوم الممثل و مدير المسرح الوطني عز الدين مجوبي على محراب شرف الكلمة ؟
لنصل بعد جيل بأكمله الى هذه
التراجيدية المأساة على موت و نهاية اغتيال المسرح. على كل نهاية مسرحية تعرض
اليوم باسم الحداثة او باسم ما بعد الحداثة او بما صار يسمى " Performance.هذا وان كانت لي بدوري كلمة اخيرة اقولها على تلك الورقة الساقطة
من الشجرة التي تذكر بها و لا عن تلك الباقة
اكاليل ازهار و أوراق الغار و الاس
، التي تشير الى ان المسرح الجاد الهادف من كنا نراهن عليه على التقدم و الحضارة و
انسنة الانسان يكون قد مر من هنا....ذات يوم و لما وجد فرسانه أغتيلوا عن بكرة
أبيهم ، لم يجد امامه الا كلمة (وداع) تخرج من افواههم متحشرجة عند الكلمة الاخيرة
التي يقولها كل ممثل عند نهاية عرض اخر مسرحية و كأنها الكلمة الاخيرة التي يقولها
. تخرج من بين ايدي المصفقين و من جنبات الكراسي الفارغة.
اما عن دوري كشاهد قرن عن هذه النهاية (....) ، لم يبق امامي الا عبارة
(هاملت) بطل مسرحية الكاتب المسرحي شاعر الانسانية وليام تشكسبير : "البقية
صمت"......!