العقيد بن دحو
(الممثل الفكري) و (المتفرج الفكري) في قبر واحد
========
=========
في سنة: 1909 قام الممثل الامريكي (وليام بوتس) بلعب دور تمثيلي (باجو)
بالمسرحية النيوكلاسيكية او الرومانسية التقليدية (عطيل) للشاعر الإنسانية الدرامي
العظيم (وليام تشكسبير) ، وفي مشهد يحاول فيه (باجو) اغراء (عطيل) واقناعه بخيانة زوجه (ديدمونة) ، الطاهرة النقية، فسقط الممثل (وليام بوتس) صريعا من طرف الضابط
الشرطي الامريكي بسبب انفعاله الشديد ؛ وحين بلغوه بموت الممثل استخزى الامر وقتل
نفسه بنفس المسدس.
صمم الامريكيون على دفنهما في قبر واحد ، حيث كتب على شاهده هنا يرقد :
(الممثل الفكري) و ( المتفرج الفكري).
أمام هذه الحالة التي سماها النقاد و الباحثين بالعملية نسبة إلى شخص عطيل.
تماما كحالة الهاملنية نسبة إلى هاملت. أين يكون الممثل داخل الممثل. و المشهد
داخل المشهد ، و المسرحية داخل المسرحية حسب نظرية العالم المتداخلة ، بمعنى هذا
العالم الذي نعيشه ما هو إلا نموذج عالم داخل عالم آخر.
او هي ممثل الفكري و المتفرج
الفكري طرفان متلازمان في قضية واحدة.
ومن شرط التجديد المسرحي و تقمص الدور الجسدي و النفسي و العقلي و يندمج
بالدور. بشرط إلا يفقد بالدور وعيه. ان ما يقوم به بمجرد بالأول و الاخير إلا(لعبة)
عميقة الجذور. الغرض من خلالها إعادة التوازن ما بين الممثل و الجمهور و البيئة
المسرحية شريطة الاول و الأخير ان يحقق ما يسمى بالعدالة الشعرية الشاعرية.
انتقال العواطف الجياشة ومدى الصدق الفني لدى الممثل انتقل بحزم و أمانة
إلى صالة العرض المسرحية، أين صادف في طريقه الضابط الشرطي الذي كان يتابع عرض
المسرحية و هو يشاهد نموذج الخيانة كيف تتم ، فنسي الشرطي عالمه الحقيقي و انتقل
الى عالم الممثل و إلى زمن الممثل و إلى مكان الممثل و إلى حدث الممثل و إلى حلم
وكلمة وفكر وفعل الممثل ، فما كان على الممثل إلا أن يوجه مسدسه و يطلقه على
الممثل الامريكي وليام بوتس. هو بالاصل الضابط الشرطي يكون قد أطلق مسدسه على
المشهد ككل . بل على المسرحية . وتنتقل المسرحية من عالمها المسرحي إلى الواقع،
عالم داخل عالم آخر العطيلية او الهاملتية الجديدة.
بالواقع ان الضابط الشرطي قتل الاتنين معا ، قتل (باجو) وقتل (وليام بوتس)
معا برصاصة مسدس واحدة.
في الحقيقة جميع الفنون الزمكانية تطرح شعار : " الجريمة لا تفيد
" ، فمهما كانت الجريمة ، ومهما كانت
قوة المجرم على الهروب و الاختفاء ، كان على الضابط الشرطي - لولا لم يفقد وعيه
كواحد من الجمهور التفاعل- حتى نهاية الفصل او العرض لان يخرج شرطي الاعماق من
المجرم نفسه وليام بوتس او من باجو و يلقي القبض عليه ،فإما ان يعلم نفسه او يحكم
على نفسه بنفسه / هذا شرطي الاعماق يسميه المتابعين بالضمير او يسمى نفسه (هوب).
بالواقع مجموعة الصور الفلسفية التي تطرحها (عطيل) بالاصل مجموعة من الصور
و التصورات الفكرية فالموت متعدد ، و الخيانة متعددة ، وما حادثة اطلاق النار عوضا
عن السيف السلاح الأبيض إلا آذانا على الانتقال تحت الطارئ و عالم المفاجأة و
الغموض و الحر من عالم المحاكاة التمثيل إلى الواقع مجددا ، أين لا يحتاج الجمهور
إلى مرأة عاكسة و انما وجها لوجه مع عالم،
عالم ليس كله ملائكية رحيم و لا شيطانا رجيما انما عالم بشر فيه الخطأ أصيل
يمكن التقليل منه لكن لا يمكن القضاء عليه.
تطرح تثنية الممثل الفكري. المتفرج الفكري قضية المسرح الغرامشي ان صح
التعبير الملتزم أين يعرف الممثل حدوده. المتفرج
حدوده. الحد الفني و الحد القانوني
الاجتماعي السياسي ، ان اي خلل عاطفي او
نفسي ينجر وراءه اختلال التوازن العام المطلق.
الجريمة لم تعد جريمة فنية والعدالة لم تعد عدالة شعرية
انما الجريمة صارت قضائية و العدالة صارت قضائية.من حيث القانون لا يجب أن يكون
مناهضا للعدالة .
فكرة الممثل الفكري و المتفرج الفكري تطرح قضية الحياة و الموت ، إلى اساس
الخلق و الهدم و العودة إلى أسطورة الفنان أين يكون الشاعر همه الخلق و إلى الكاهن
فعل المعرفة و الاستشراف و إلى الجندي المحارب الشرطي الضابط فعل القتل .
فعلا من الممثل باجو وواحد من الجمهور الشرطي شكلا أسطورة فنان. كالطقس مهيمنين على المشهد لخلق شكلا جديدا
باتحادهما مع القتل او الموت.
كما ان المسدس له تاويلاته اخرى
الخاصة النفسية الإجتماعية الثقافية الاقتصادية يكون قد اوقف الحوار
الدرامي بين شخوص المسرحية في لحطة مفارقة. لينطلق حوار اخر في مكان هو كل العالم
و في زمان هو كل زمان و حدث هو كل حدث وجمهور هو كل جمهور .
في الاخير ماذا لو كان يعلم تشكسبير هذه الجريمة انها تحدث لا محالة غي
مجرى الزمن يكون قد اخفاها عن سبق إصرار
ما بين السطور و ما بين الكلمات وما بين المشاهد و الفصول تتجسد مباشرة بدون
تدريبات اولية على الركح مباشرة بنيران صديقة ، أين السحر و الغموض يومان على
العرض ككل .
القضاء و القدر الذي كان يتحكم في مصائر الممثلين من البداية حتى النهاية
هونفسه بالمسرحية الرومانسية هو العاطفة القوية و الغالية...فعطيل رجل غيور يتدفق
في شريان دم الرجل الشرقي. يقدس الطهارة و
العفة و يا ويل من يحاول أن يمس او يقترب من
زوجه يهدم الدنيا على راسه .
اما باجو شخص طموح حقود حسود ، يصبو إلى ما لا يستحقه بشتى الطرق المشروعة
و غير المشروعة. كالكذب. الخيانة وجميع الشروط الدنية الساقطة و
الانتهازية للوصول إلى الحكم او اي أمر من أمور الدنيا المالية و المادية.
اما ديدمونة امرأة خفيفة الحلم و الظل تعجب بالبطولات و الابطال ، تؤمن بالحب العذري. تسحرها الشهرة الني دانا لهذا الشاب الاسمر
العربي حتى انساها هذه الفروقات ما بينهما في اللون و الدين و الجنس و
الطباع. فاندفعت الى عطيل اندفاع المتيم
إنجذاب السحر باخذه وزوجته و هي عمياء البصر و البصيرة... تماما كما كان يدفع
القضاء و القدر ضحاياه مخدرين إلى مصائرها المحتومة الماساة المشؤومة !.
ومادام الجميع ضحية من المجرم ؟
من كان سبب في كل هذا الدمار / الهدم الفني ليخلق لنا في الاخير هذه
العمارة بل هذه المدينة بأحسن صورة للبشاعة الماساة العواطف الجياشة حين تصبح
الغيرة حالة مرضية نفسية مدمرة...
بل خلقت لما جوانب و هوامش اخرى
وشخصيات اخرى تلعب ادوارا متأخرة بالحديث فمن يكون هذا الشرطي. هل هو شرطي الاعماق
ظهر فجأة ام اصطلاحا متفرجا فكريا و كفى ؟
ولكن حتى لا تتكرر الماساة داخل
مأساة اخرى على الجميع ممثلين و متفرجين ان يعوا أنفسهم في جميع الأدوار.وانهم
بالأول و الاخير امام محاكمة محاكاة
درامية لا غير القصد من وراءها حوار انى كان هذا الحوار بغية آن يعلم
،ان يمتع. ان يهز او حنى ان يكون مبعثا لليأس او الالم.
والا سنظل نسمع لغة الرصاص تتخلل
اللغة الدرامية كلما قابل (باجو) (عطيل) و الغيرة و الحقد و الحسد و الانتهازيين و
الوصولية الدنيئة الخائنة الساقطة ثالثهما.
وما الحب ، حب ( ديدمونة) الا ايروس / Erus مذهبا من
مذاهب الشعر الجيد. يجب أن يصدر عن الناس جميعا لا عن انسان فرد واحد.
من (باجو) ، من (عطيل) ، من
(ديدمونة) ، من (وليام بوتس) ، من (
الضابط الشرطي) ، من المخرج ، ومن الكومبارس و سائر الجمهور و غيرهم إلى يوم الدين .