جاري تحميل ... ألف ياء

إعلان الرئيسية

إعلان

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد علَّم نفسك

 

ناجح صالح

- الفاجعة –             ( قصة )

تلاشى كل أمل لديها بأن ابنتها سوف تعود ، وكلما مرت الساعات ازداد خوفها وهلعها ، حتى اذا جاء المساء وساد الظلام فقدت قدرتها على الوقوف على قدميها ، وطاردها هاجس من أعماقها بأن إبنتها خطفت وربما أغتصبت وربما قتلت . 

ووقف زوجها غير بعيد يحاول أن يهدئها قائلا :

- صبرا يا امرأة ، لعل زحام الطريق هو الذي أخرها .

تمتمت صارخة :

- أي زحام وأي طريق ، لقد ضاعت ابنتنا .

- لا تقولي ذلك ، ابنتنا عاقلة وذكية ، وأراهن أنها سوف تعود .

- أقسم أنها اذا عادت فلن تذهب الى الجامعة بعد اليوم .

- لا بأس ، اهدأي فحسب .

- كيف أهدأ يا رجل والساعة تقترب من التاسعة ؟ قلبي ينبئني بأنه حدث لها حادث .

- أنت تهذين ولا شك .

ليس حلما ما ترى ، هاهي تفقد ابنتها ، ثمرتها الوحيدة في الحياة ، فهيهات أن يكون للحياة طعم أو مذاق .

يا له من شرخ  هدم بنيان أسرة ليهدر معه دم فتاة في مقتبل العمر ، إنها طعنة لم يحسب لها حساب ، وفاجعة لا تشبهها فاجعة .

ليس لها من عزاء ، وليس من ثمة شفاء لجروحها ، لقد ماتت كأم ومات معها كل حلم وكل طموح

ما تزال الريح تعصف في ليلة شتائية باردة ، وفلذة كبدها مفقودة ضائعة ، ربما هي في العراء جثة ممزقة لا غطاء يسترها ، في ميتة يرثى لها ، بل في اغتيال بشع أبشع مما يوصف ، وتساءلت مع نفسها : من يفعل ذلك من ؟ ولماذا ؟

أما الأب فهو خائف أكثر منها وهذا الخوف يطارده منذ العصر ، ان ابنته لم تتأخر يوما عن موعدها ، فأي حادث حدث  لها اليوم ؟

وأدرك ببصيرته أن ثمة مكروه وقع لإبنته ، غير أنه حاول أن يكتم مشاعره أمام امرأته .

مضى الوقت ثقيلا وهما في دوامة الأنتظار ، فأجهشت المرأة بالبكاء صارخة :

- إفعل شيئا يا رجل .. لا تقف قبالتي هكذا .

- ما الذي يمكن أن أفعله في هذه الساعة ؟

- اخرج وابحث عن ابنتك .

فصرخ بغير وعي :

- أين ؟ أين ؟ ليل بغداد لم يعد آمنا ، هل تفهمين يا امرأة ؟ انه لا أحد يغادر داره في الليل ، فأين تريدين أن أذهب ؟

وعقب مع نفسه قائلا وهو يجثو على الأرض : لقد قضي الأمر . وراح يذرف الدموع مناجيا نفسه من جديد : لقد فقدناها ، ليس من ثمة أمل .. لقد اختفت كما يختفي الآخرون كل يوم .

وتقدم نحو امرأته وهو يحاول أن ينقذها مما هي فيه ، مادا اليها يده قائلا :

- انهضي يا امرأة من الأرض واجلسي على السرير .

- دعني وشأني .

ورفعت صوتها على حين غرة كالمخبولة :

- أين أنت الآن يا ابنتي ؟

- ستقتلين نفسك .

- ألم أقتل بعد ؟

- حسبي الله .. يا لها من ليلة .

واختنقت عبراته ، لقد جرح الرجل جرحا بالغا ، ورغم أنه حاول أن يقاوم مخاوفه غير أن انتصاف الليل أكد له بأن ابنته لن تعود وأنها أضحت ضحية الأحداث الساخنة التي تعصف بالوطن .. أية مأساة بل أية لعنة !

أي منزلق خطير يودي بحياة الناس ؟ وأية فضيحة للأسرة حينما تخرج المرأة من دارها فلا تعود اليه ، ليس باختيار منها ولكن بفعل فاعل مجهول ، هكذا هو وأد الشرف .

ولم يجد الرجل بدا من أن يجلس الى جوار امراته  مخاطبا اياها بود وحنان :

- هذا قدرنا والأمر ليس بيدنا .. ألست مؤمنة يا امرأة ؟

- لقد انتهيت .

- ربما يأتينا الصباح بخبر سار .

- لا ..لا أظن

- إرفعي يدك إلى السماء .

- ضاعت إبنتنا يا رجل ، لا جدوى من كل شيء .

- لا تفقدي ايمانك .

- ابنتنا ماتت ، ألا تفهم ؟

- سأرفع يدي وحدي بالدعاء .

خيم الصمت والظلام على أرجاء الدار ، والمرأة مستلقية على الأرض كجثة هامدة ، بينما راح صوت الرجل يرتفع بالدعاء رغم أن مشاعره تؤكد له بأن ابنته حدث لها حادث أليم ، وأنها لن تعود الى الدار من جديد ، لقد قضي الأمر .




***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *