ابتسام كحالة
فرح
وقفت فرح فوق الانقاض لا تدري ما تفعله فعائلتها ما زالت تحتها والمسكينة
كانت بحالة صدمة لا تستوعب ما حصل بعد. اسرعت فرقة الإنقاذ إليها وأحاطتها بغطاء،
فأبنة الثامنة كانت ترتجف ولكنها لا تبكي من صدمة الواقع المرير أمامها.. فلقد
خسرت بلمح البصر إمها وأبيها وأخوتها الاثنين، وبقيت هي تقف كتمثال إبي الهول لا
تدري إن كان ما حصل حقيقة أم لا. حاول شاب من الفرقة الحديث معها. نظرت إليه
ولكنها كانت نظرتها تتخطى وجوده إلى اللامرئي الذي باتت عائلتها تسير الى ما وراء الفكر وما لا يتحمله ذاك العقل
البرئ، ولكنها بقيت صامدة تتحمل الصدمة، بل المصيبة التي وقعت على روحها البريئة.
أحضر محمود قطعة خبز من جيبه وبعض ماء. فجأة ابتسمت بسمة تحمل حزن ثقيل
،عميق..تذكرت كيف كان أبيها يعود الى البيت..أو لنقل ما تقبلته كبيت وهو مبنى قد دمره العدو وفي إحدى زواياه بقيت
بعض من غرفة عاشت فيها العائلة. وكان يحمل أبو سامر بعض الخبز علها تسِد الجوع عند
عائلته. إبتسمت لمحمود وقالت له:" كان أبي يأتينا بالخبز نتشارك في أكله ونُشعر أبي أننا شبعنا والحمد لله حتى
لا يتحمل الوجع أكثر"
شعر محمود بأسى، "ليتني أستطيع أن أخفف عنك يا صغيرتي"
نظرت اليه وكانها شعرت بألمه فقالت:" لا تحزن يا عمو ، فنحن كلنا
مشروع إحتضار وسكرة الموت ".. هكذا كان يقول ابي، ونحن سنجتمع مرة أخرى في
عالم آخر " .
عانقها محمود وهو يمسح الدمعة من
مقلتيه ولقد أحزنه ان تلك الطفلة،فرح، التي ما زالت في الثامنة، تنتظر اللقاء
بأهلها وكان شعورها ذاك يفوق أي عدوان
بعزتها وصمودها.. وتمتم:" لا بد ان يأتي اليوم الذي نحرر وطننا ونعود الى
أرضنا في كل انحاء فلسطين طالما هناك أطفال يحملون في قلوبهم البريئة حبهم للوطن
وينتظرون أن يمضوا في طريق التحرير!
بقلم ابتسام كحالة
١١ شباط، ٢٠٢٤