الـشـعـر ضـمـيـر
كريم القاسم
(( أخي القاريء الكريم : لستَ
مُجبَراً على التعليق ، إقرأ فقط .. الغاية هي تعميم الفائدة .. إحترامي وتقديري))
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الـشـعـر ضـمـيـر )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبحثوا في سوح مدن العالم الشهيرة ، بل وحتى الفقيرة ، سوف لن تجدوا تمثالا
لـ (ناقدٍ ) مازال على قيد الحياة ، ثم ابحثوا في كل عناوين (الگوگل)فسوف لن تجدوه
أبدا .
وإن وجدتم يوماً تمثالاً لناقدِ حيّ ، فاعلموا إنه لم يقل الحقيقة.
إن ملحمة الحرية الفكرية عند الأديب العربي باتت هي ملحمة العذاب الابدية ،
والتي غفل عنها المؤرخون العدول .
مازالت الحرب الباردة بين العرش والاديب تمثل الكرّ والفر ، فهي حرب بين
فكرين وجوهرين ؛ فكرٌ لايمتلك سوى الضمير وفكرٌ فاقد للضمير .
لذلك كان من اعظم الامنيات لدى السلطان القديم والحديث هو أن يجد شاعراً
يجيد المدح والرَدح و( الدَبچ ) والتهويل ،ليصنع من أحمقٍ لايجيد ركوب الحمير الى
سلطانٍ مُزيناً ومزهواً بالنياشين والتواريخ الانتصارية الكاذبة ، لتعجّ بها الصحف
المنافقة في الصباح الباكر ،والذي فقد عذريته ساعة صدور تلك الصحف ولحظة إذاعة تلك
القصائد .
عِبرَ التاريخ ؛ لم يتجرأ شاعرٌ أن يقول (أنا شاعر) إلا بعد ان يكتمل عقده
النَظْمي ، وهذا بعيد الشأو والغاية ، بل
ولم يقلها شاعر منطيق ، تواضعاً وتحسّباً ، لكنه يدعها للناس هم مَن يغدقون اللقب
والمسميات عليه حينما يكون هو ضميرهم ولسان حالهم .
وعِبرَ التاريخ لم يتجرأ سلطان أو امبراطور أن يقول (أنا شاعر) بل ولم
يتجرأ أن يصبح شاعراً .
ولذلك بَقيَت الازاحة المكانية بين بوابة القصر وبوابة السجن تمثل ميدان
صراع بين الحرية والكَبت ، بين الحقيقة والخيال ، بين الصدق والكذب ، بين الضمير
واللاضمير ، بين الجوهر والقشرة .
هذه الاقتطافات تُذكّرني بـ (إتحاد أدباء السوفيت) حين شذَّ عن القاعدة
عندما اعترف بـ (بريجينيف) أديباً لامعاً بعد كتابة مذكراته ، وحصل على جائزة
(لينين) للأداب ، وبهذا اختصر بريجينيف الطريق لينال شهادة حسن السلوك وشهادة نقاء
الضمير .
وبهذا إستلمَ السلطان سلطة الضمير الانساني لأول مرة ، فحاز على مفاتيح
المُلك كلها (السيف والمال والضمير) وبهذا تم تسليم سلطة (الضمير) كلها الى
السلطان.
وعندها تنازل الشاعر عن سلطته المعنوية (الضمير) وهي آخر ماتبقى من سهام
كنانته ليضعها على طبق السلطان النهم .
وتسائلتُ حينها :
- ماسبب حاجة مَن يملك مفتاح أكبر قوتين نوويتين في العالم الى مفتاح
الضمير ؟
- ماحاجة (بريجينيف) الى هذا الوسام وهو الذي ازدحمت سترته بشتى انواع
النياشين والأوسمة وبات وزنها غير مسبوق .
- وهل يحتاج بلد اشتراكي الى مثل هكذا مفتاح ؟
وحتى (لينين) الذي حمَلتْ الجائزة اسمه ، كان يقول بأنني لااستطيع تذوق
الفن كالمحترفين ولااستطيع ان اصدرَ حُكْماً في أي عملٍ ادبيّ .
ولولا هذا القول لما استطاع الشاعر الكبير (مايكوفسكي) ان ينشر قصائده
الكبيرة الصادحة .
وحتى (ستالين) الذي انتكس الادب السوفيتي في عهده ، والذي وضع كرّاساً في
علم اللغة ، لم يتجرأ ولم يطمح يوماًما في جائزة اتحاد الكتّاب السوفيت .
وحتى (أندريه جدانوف) لم يتجاسر
ليقلده تلك الجائزة ، وهو اشهر مفكر ومنظّر في تلك الحقبة.
- ثم هل ان (بريجينيف) كان يمتلك الوقت لكتابة تلك المذكرات ليطرز صدره
بوسام الضمير؟
في وقت كان الشغل الشاغل هي الحرب الباردة بينه وبين امريكا ، والشعب ينتظر
ويترقب تطوير الاتحاد السوفيتي اقتصاديا وعسكريا .
لذا فإني أشكّ في ذلك ، وكان الأجدر بـ (برجينيف) أن يحقق في ملفات
المنافقين ممن لاعلاقة لهم بالأدب والذين هم دائما أول المصفقين .
وكم كان جميلا لو رفض بريجينيف جائزة لينين للآداب ، لتكون من نصيب شاعر او
كاتب هاوٍ مغمور لايجيد التملق ، وإنما يجيد التلويح بـ (لا) قد دخل من أجلها
سجناً او صار بسببها احد الراقدين في المصحّات العقلية ، أو بات بسببها أحد
المنفيين خارج أسوار البلاد .
عندها ؛ لربما وجد زوار جثة لينين المُحنّطة ابتسامة تتراقص على شفتيه ، ولوجدنا صدر
بريجنيف ينقصه وسام واحد كونه وسام الشعب الحر وضميره .
فالشعر ضمير الأمة ووسامها ، لايتقلده إلا شاعراً حراً يحمل ضمير
الأمة .
ـ احترامي وتقديري ....