عندما يدور الدولاب
العقيد بن دحو
عندما يدور الدولاب ، الدولاب (المحور)
L'axe، الدرامي ، الاجتماعي ، الاقتصادي ، و
السياسي و كل فرد من افراد المجتمع وقد بلغ مشرب اعظم ماخفي عنه .
منذ ما قبل الميلاد ؛ الاغارقة و الاغربق عامة انتبهت مبكرا الى (الزمن)
كفكرة حضارية مادية و معنوية، قبل ان يكون فكرة مجردة متفدمة على جل المحاور التي
كانت قائمة في ذاك العصر . لقد ارعبهم و اخافهم الزمن ، فجلته و عظمته و الهته
فسمته اله الزمن (كرونوس). يتصف بانه اله ظالم ، جائر ، ياكل ابنائه بالليل و
النهار و لا يدوم منهم احدا.
و مع هذا ترى الاغربق وجها اخر للزمن. حين تقول : " ان الزمن لاله
رحيم ".
بمعنى (الزمن) كفيل ان يظهر الحقيقة كاملة غير منقوصة . حقيقة الاشياء و
حقيقة الاشخاص ، وحقيقة الانتاج ، حين يصير
الانتاج ذاته يتحكم في الشخص
المنتج. اذ مهما تفنن في التمويه ، مواراة واخفاء حقيقته ، سيكشفها الزمن طال
الدهر ام قصر.
ومهما تكن عند امرئ من خليقة **** وان خالها عن الناس تعلم.
او كما قال الشاعر زهير بن ابي سلمى.
لطالما انتقد فلاسفة و نقاد الالمان الذين قالوا بفلسفة و نقد الحياة ذاتها
:
"شيلنج" ،
"هيجل" ، "شوبنهور" ، و"هيجل" الشاعر الدرامي
صوفوكليس وهو يدير الدولاب عن ابطاله ، عن انصاف الهته ، عن الهته بالمرة واحدا
واحدا ، و هم لا يملكون لانفسهم لا نفعا و لاضرا.
حين جردهم من اهم صفة كانت تميزهم عن باقي الالهة و الابطال و كذا البشر .
صفة (القضاء و القدر) ، و هم ثلاث الهة انجبتهم الالهة (يونوميا) ابنة زيوس Unumia كن يتحكمن
في مصائر البشر ، تعاقب من تشاء و تجيز و تكرم من تشاء !.
هن : بارك Parque - لايكيس Lickis - كلوثو Clothos.
اعاب النقاد الالمان عندما دار الدولاب. واظهر "الكترا" سواء عند
ثلاثية اسخيلوس او عند صوفوكل ، و هي تحاكم نفسها بنفسها. اذ تقول في نهاية الحداد
يليق بالكترا : "لما لم اجد احدا في مقدوره ان يحاكمني...حاكمت نفسي بنفسي. و
هي تسجن نفسها حتى الموت في غرفة مظلمة بلا نوافذ و لا باب.
عندما يدور الدولاب و يظهر صوفوكل "اوديب ملكا" للجمهور و قد فقع
عيناه ، تقطر دما ، ولما علم انه قتل اباه ، و تزوج امه ، و انجب منها بنينا و بناتا هم ابنائه و
اخوته في نفس الوقت.
عندما يدور الدولاب و يظهر للجمهور "اونتحون" و هي تعانق خطبها هيمون منتحرة دفاعا في سبيل
قضيتها العادلة.
عندما يدور الدولاب ، و يظهر البطل "اياس" مجنونا و قد فقد عقله
و صوابه ، صوب سيفه البتار الى صدره و
الدم يتقاطر منه يملئ المكان.
عندما يدور الدولاب و تظهر البطل "فيلوكتيتيس" وحيدا شقيا منفيا
طريدا بعلته عشرة سنوات من النكران و الجحود.
عندما يدور الدولاب و تظهر البطلان اوديب ملكا و ثيسيوس في سفر واحد. شقيان
تعيسان ضريران يجران اثواب الحسرة و الندم و الالم . الاول تقوده ابنتيه اونتجون و
اسمينا و الثاني تقوده الخرافة ، الى افول لا يؤوب منه مسافر.
انتقد النقاد الالمان الفكر الكلاسيكي ، كونه كان عند الشاعر الدرامي
صوفوكل اخلاقي بالمقام الاول. اي لا يسمح فيه بهجو او اسفاف او سفور او اسقاط ، لا
يجوز ان يظهر مظاهر الدم و العنف و القتل للجمهور. لذا احال ارسطو هذا الدور
للجوقة الكورس و لقائد الجوقة بالتلميح دون التصريح. يكتفي سرد الوقيعة المؤلمة
دون اظهارها. كون الغاية الاساسية منها كان التكفير و التطهير Catharsis . التطهير من ادران انفعالات النفس.
و ما اصعب على امرئ فردا او جماعة ان يدير الزمن دولابه ، و يكشف حقيقته
المرة للناس.
علمتنا الحياة ، كم كنا نعجب بالشخص او هو كذاك في مظاهر الحياة ، حتى نصبح
على خبر مؤلم ان السيد كان نصابا او محتالا او بارونا كبيرا في المخدرات ، او ان
ثروته الضخمة كانت من تجارة الممنوعات اسلحة و مخدرات و اشياء اخرى يندى لها
الجبين.
هناك مقولة رائجة تقول : لا ينبغي ان نقول عن شخص ما انه سعيد الا بعد ان
يغادر الحياة.
تماما لا ينبغي ان نستسلم للمظاهر الكذابة ' و للجاه الكاذب ، و لا
لاللمنصب المزيف ، و لا للمكانة الاجتماعية الدينية و الدنيوية الحرباء ؛ ذات الدم
البارد الا بعد التريث ، و التروي ، و التعقل ، و اللجوء الى ترقب الاحداث.... كون
مسرح الحياة لم يقل كلمته الاخيرة بعد ، و ان الدولاب لم يكتمل دورته بعد و يفشي بكامل اسراره عن ذاك الشخص الذي حسبناه
بطلا ، نصف الها ، او الها بالمرة. في زمن لم تعد فيه معجزة يونانية تحت الشمس ،
شمس الحقيقة الخالدة ، عندما تسطع على الجميع. و يبدو الزبف و التزييف كانت الصفة
السائدة في مورثات وكروموزومات و صبغيات البعض حتى حسبناهم يسامتون مرتبة اخرى
علية غير مرتبة البشر .
خرجوا منها صاغرين صغارا ، يتمنون لو انهم ظلوا عند اول النهار يمشون على
ثلاثة ، على ان يفك اللغز و تكتشف حقيقة اوديب في كل شخص من هؤلاء الذين ارادوا ان
يكونوا ملوكا اكثر من الملك !.