عبد الرزاق الصغير
قراءة وتعليق الأستاذة باسمة العوام لقصيدة جدتي العمارية
كل التقدير والحب الود والورد
محبتي
***
لم أقل لأحد أني روائي ماهر
أصنع شخوصا غير قابلة للحقن للطعن للذبح
اضعهم في مهب الريح ، للمسخ ،
لخياطة الارداف والأنوف الممزقة والشفائف
و
ا
ل
ب
ك
ر
ا
ت
يحترقون ويغرقون يموتون حبا وغبطتا
كما يموتون حسرتا و كرها وغما
لست في منأى حتى في سريرك عن الناس اذ ترى المارين
ليل نهار . هناك من يراك
هل لقصيدتك هذه اسيجة محكمة التلحيم والإلصاق في الجدران على النوافذ
المشرعة المواربة صيفا وشتاء
هل لبلابك حي حقا وليس مريض
لم ار ازهاره من قرون
لم ار لديك جروا او قطا ارنبا او حتى عصفور كناري اصفر مستهلك لا يتزاوج
صقعت
هذه الكلمة على ما اذكر كانت تقولها جدتي
(العمارية )
وهي تحضر مخلوطها المشهور الزعتر والتيزانة وعصير البصل والبرتقال والليمون
دون ان تنسى دهن حوافرك بالفيك
الإسم الكامل لا أظن يتذكرك بائع الخردوات الذي يبيع سم الفئران
و قلائد القطط ذات العلامات
العالمية مثل نايك والفؤوس والمبارد من كل صنف ونوع وشيخ الجامع
، والمومس وبائع الحمص بالكمون والبيتزا وصاحب الرجل الخشبية الذي كان ما
يفتأ يتباها ببطولاته الوهمية تتخيله
من بلاد أليس العجيبة قبل ان يقتله السل
كيف تنظر للصفصافة المعمرة
لبائعة الهوى
والكوسة
والجوارب
لشعراء الفيسبوك العرب الذين يبخون
البندورة في بيوت شعرهم البلاستيكية صباح مساء
والذين يكشطون مرايا مقاهيهم ويستبدلون بسترات فناناتهم بكرة وأصيلا
والذين لا تعمر بهم ولا تخلو منهم
بلاد
والذين يكتبون الشعر بلغة البرايل
والمفوهين بلغة الإشارة للصم
والبكم
****
قراءة وتعليق الأستاذة باسمة العوام لقصيدة جدتي العمارية
كل التقدير والحب الود والورد
محبتي
***
لم أقل لأحد أني روائي ماهر
أصنع شخوصا غير قابلة للحقن للطعن للذبح
اضعهم في مهب الريح ، للمسخ ،
لخياطة الارداف والأنوف الممزقة والشفائف
و
ا
ل
ب
ك
ر
ا
ت
يحترقون ويغرقون يموتون حبا وغبطتا
كما يموتون حسرتا و كرها وغما
لست في منأى حتى في سريرك عن الناس اذ ترى المارين
ليل نهار . هناك من يراك
هل لقصيدتك هذه اسيجة محكمة التلحيم والإلصاق في الجدران على النوافذ
المشرعة المواربة صيفا وشتاء
هل لبلابك حي حقا وليس مريض
لم ار ازهاره من قرون
لم ار لديك جروا او قطا ارنبا او حتى عصفور كناري اصفر مستهلك لا يتزاوج
صقعت
هذه الكلمة على ما اذكر كانت تقولها جدتي
(العمارية )
وهي تحضر مخلوطها المشهور الزعتر والتيزانة وعصير البصل والبرتقال والليمون
دون ان تنسى دهن حوافرك بالفيك
الإسم الكامل لا أظن يتذكرك بائع الخردوات الذي يبيع سم الفئران
و قلائد القطط ذات العلامات
العالمية مثل نايك والفؤوس والمبارد من كل صنف ونوع وشيخ الجامع
، والمومس وبائع الحمص بالكمون والبيتزا وصاحب الرجل الخشبية الذي كان ما
يفتأ يتباها ببطولاته الوهمية تتخيله
من بلاد أليس العجيبة قبل ان يقتله السل
كيف تنظر للصفصافة المعمرة
لبائعة الهوى
والكوسة
والجوارب
لشعراء الفيسبوك العرب الذين يبخون
البندورة في بيوت شعرهم البلاستيكية صباح مساء
والذين يكشطون مرايا مقاهيهم ويستبدلون بسترات فناناتهم بكرة وأصيلا
والذين لا تعمر بهم ولا تخلو منهم
بلاد
والذين يكتبون الشعر بلغة البرايل
والمفوهين بلغة الإشارة للصم
والبكم
****
أطياف وهواجس وضجيج ذكريات ، مازالت بصماتها عالقة في رأس " عبد
الرزاق الصغير " ؛ وجدت طريقها
للخروج والاستلقاء بين سطوره هنا . وبين صهيل مطرقة الأيام التي تدق أبواب الماضي
والحاضر معاً ، وسندان الأعراف والتقاليد المحبوسة داخل الخيال والذاكرة ، أراد
الكاتب أن يروي لنا حكاية، من خلال رسم لوحةٍ من كلمات ،عنه وعن جدته المعمّرة ،
وعرضٍ لبيئة وأشخاص كان لهم الأثر البالغ ومازال
؛ وإن بدأ باعترافه أنه ليس روائيا ماهرا يجيد رسم الشخوص وحبكة الأحداث ،
إلا أنه أبدع بسرد وإيصال رسالة ملغّمة مليئة بالمعاني والدلالات والرموز ، في قالب نثري صممه بأسلوبه السلس البسيط
وبلغة نثرية وشاعرية جميلة ، موجزة وعميقة .
هو لم يكتب رواية، لكنه قدمها بكل
تفاصيلها ، ( يصف شخوصها بدقة وينتقدهم بطريقة تعارض ما يفعله كاتب آخر يكتب للمدح
والتزييف والتعامي عن الواقع ) ، من خلال
هذا النص ، عندما يقول :
" أنا لم أقل لأحد أني روائي ماهر
أصنع شخوصا غير قابلة للحقن للطعن للذبح
أضعهم في مهب الريح ،للمسخ، لخياطة
الأرداف والأنوف الممزقة والشفائف ، والبكارات( التي يكتبها حرفا حرفا ليؤكد على
مفهوم الشرف وجسد المرأة في تلك البيئة ) .
ويتابع في وصف أولئك:" يحترقون ويغرقون يموتون حبا وغبطتا كما يموتون
حسرة وكرها وغما " .
ينتقل الكاتب بعد ذلك متحدثا مع نفسه وكأنها الآخر ( مونولوج داخلي ) ، يخاطب ذاك المستلقي على
سريره والعالم كله أسير بداخله وبين سطور قصيدته التي لا يعرف مصيرها إن كانت
ستبقى أسيرة الجدران مثله تراقب النوافذ المواربة صيفا وشتاء ، و العابرين على
الطرقات ليل نهار ، أم أنها ستجد طريقها إلى النور والحياة كما يشتهي كاتبها ويريد
.
__وكلما قرأنا سطراً في هذا النص ، نكتشف رمزية كل كلمة فيه ؛ وبالتعمق بين
السطور ، سنلقى محتوى وفكرة وقيمة خبأها الكاتب لتستفز القارئ وتثير بصره وبصيرته
وتنبش أعماقه وهو يتخيل تلك البيئة وذاك الإنسان القابع هناك .
فنتساءل ماذا أراد الكاتب من ذكر شجيرة اللبلاب مثلا ؛ تلك الشجرة دائمة
الخضرة والتي تزهر أواخر الخريف ، وهو لم ير أزهارها منذ قرون . وهل يعيش المرء
قرونا مثلا ، أم يقصد الأجيال المتعاقبة بعدها ؟
وماذا عن الجرو والقط والأرنب والكناري الأصفر ( الذي لوّنه الخريف ) وصار
عجوزا مستهلكا بلا رفيقة تؤنسه؟ .. نقرأ :
" لست في منأى حتى في سريرك عن الناس اذ ترى المارين
ليل نهار . هناك من يراك
هل لقصيدتك هذه اسيجة محكمة التلحيم والإلصاق في الجدران على النوافذ
المشرعة المواربة صيفا وشتاء
هل لبلابك حي حقا وليس مريضا
لم ار ازهاره من قرون
لم ار لديك جروا او قطا ارنبا او حتى عصفور كناري اصفر مستهلك لا يتزاوج
"
__وفي زحمة الأفكار ، تعبر على لسان شاعرنا كلمة " سقعت " ،
فيقدم لنا صورة محسوسةً رائعة تأخذنا إلى لحظات البرد التي تجتاحه ويتذكر ماكان
يصيب جدته العمارية عندما تردد تلك الكلمة وهي تعد خلطة اشتهرت بصنعها تدعى "
الفيك " لدهن الأقدام . وإن ذكر الكاتب كلمة( حوافر) ، فلربما أراد أن يدلل
على الحصان الجامح القوي كم هو مؤلم مرضه وانكساره وعجزه !
يقول : "صقعت
هذه الكلمة على ما اذكر كانت تقولها جدتي
(العمارية )
وهي تحضر مخلوطها المشهور الزعتر والتيزانة وعصير البصل والبرتقال والليمون
دون ان تنسى دهن حوافرك بالفيك "
_ومرة أخرى ، وجها لوجه بين قلب جريح ..، يسأل عن اسمه الكامل ، من سيتذكره
في ذاك العالم الصاخب ،.. ومبضع الأيام
الذي يقيس له المواجع والأحزان .
صور وعبارات ومفردات تظنها للوهلة الأولى من عالم مفكك ومن ذاكرة مريضة
تائهة ، ولا علاقة تربط بينها ؛ إلا أنك سرعان ماتكتشف السر الذي تبوح به رموزها
ودلالاتها فتحس أنك أمام خشبة مسرح او شاشة سينما، تشاهد فيلماً وثائقيا، اجتماعياوعاطفيا ، أبطاله من بيئة تحيط بك ،
ربما، او بأحد تعرفه : ( بائع الخردوات ، شيخ الجامع ، بائع الحمص ، صاحب الرجل الخشبية المريض
بالوهم الذي قتله السل ..... ثم الصفصافة المعمرة والتي ربما قصد بها الجدة ،
كذلك بائعة الهوى والكوسة والجوارب ... )
. هذه المفردات لم يذكرها الكاتب هنا إلا ليضعنا معه في بيئة عاشها ويعيشها
فينقلنا من ذاته إلى عالمنا جميعا . عالم الحاضر الذي نحياه بين صفحات الفيس بوك
المزيف والذي شبهه بالبيوت البلاستيكية ، كل ماتنتجه مصطنعا ومزيفا في مضمونه
ومحتواه ، ووسائل التواصل الأخرى الجامدة والتي تتعامل بلغة الإشارة مع صمّّ وبكم
، أو لفة البرايل التي تمكن المكفوفين من القراءة والكتابة ( لغة البرايل : هي عرض
لرموز أبجدية ورقمية باستخدام ست نقاط يمكن تحسسها باللمس لتمثيل كل حرف وعدد بما
في ذلك رموز الموسيقى والرياضيات والعلوم)
؛ وكأنه يريد أن يقول هذا ماآل إليه زماننا وحالنا الذي صار بلا مصداقية ،
بلا أمانة ، بلا عاطفة ، بلا إنسانية ؛ الإنسان فيه منسيّ والعلاقات الإنسانية بلا
قيمة ، والمجتمع فقد قيمه وتقاليده وأصوله ، ولم يبق غير هؤلاء الذين تنتجهم
البيوت البلاستيكية الذين يفسدون في الحجر
والبشر ، يشوّهون القيم والمفاهيم ، يحطمون المرايا ويغطونها برداء الرذيلة صباح
مساء ( بكرة وأصيلا ) ؛ ثم الصمّ البكم الذين يتلقون الإشارات والتعليمات ولاحول
لهم إلا بالنظر والصمت او أولئك الذي
أغمضوا عيونهم وتعاموا عن رؤية الحقيقة . كما يقول نهاية النص :
" لشعراء الفيسبوك العرب
الذين يبخون البندورة في بيوت شعرهم البلاستيكية صباح مساء
والذين يكشطون مرايا مقاهيهم ويستبدلون بسترات فناناتهم بكرة وأصيلا
والذين لا تعمر بهم ولا تخلو منهم
بلاد
والذين يكتبون الشعر بلغة البرايل
والمفوهين بلغة الإشارة للصم
والبكم " .
__ أخيرا ..
" عبد الرزاق الصغير " لم يخبر أحدا أنه كاتب وشاعر ، بل ترك حروفه
تخبر عنه ؛ يستفزها فتلاحقه ، وتستفزنا فنتوقف عندها طويلا . كاتب تميز بأسلوبه
الخاص في قيادة النص الأدبي في طريق نصله بحواسنا وعواطفنا على بساط يُعيد
الراحلين ويحمل القادمين في محطات الحياة ؛ كما هذا النص الذي جمع الماضي والحاضر
وعكس واقعا كئيبا وخيبات وأوجاع وتخاذل وضياع في غياهب تكنولوجيا العصر ومنافي
القيم وتلاشي الإنسان في بحور القهر والمرض والزيف والخداع والخذلان .