الاخوة الاعداء في الادب التمثيلي اليوناني
العقيد بن دحو
جل الاداب الانسانية العالمية بمختلف اجناسها و مدارسها و مذاهبها الادبية
الفنية ، التاريخية و الشبيهة بالتاريخ ، و تلك ما قبل التاريخ ، و حتى ابان جنون
التاريخ ، و ابان الصفر التاريخي انشغلت و اهتمت بما يدور بالمجتمع و الدولة ، و
صراع الاخوة الاشقاء على الملك او الحكم او النفوذ. صراع كلمات العائلة ، كلمات
القبيله ، كلمات العشيرة ، كلمات المدينة او العواصم او الدول او كلمات العالم ،
او من حيث الكلمة التي يقولها الانسان هي الكلمة التي يقولها الاله.
صوت للشعب من صوت الاله او كما تقول الاغريق القديمة / Veix ex veix
dei .
populei
من حين الى اخر نتفاجا بذاك الصراع الذي يبدو عائليا ، سرعان ما ينتهي
بصراع قبلي او عشائري او صراع دولة ، نزاعا اهليا او حتى عالميا . اذ الادب عموما
نسخة طبق الاصل عما يحدث بالمجتمع. اذ لا يمكن فصل الظاهرة الادبية عن الظاهرة
الاجتماعية.
غير ان هذا الصراع او النزاع كان دائما ينتهي بتسمية و تاسيس المدن.
فالصراع الاخوي المحلي لمنطقة توات ادرار في قدم الزمان ، بين (ايحمد) و
(سفيان) انتهى بتاسيس منطقتين جغرافيتين او حاضرتين ، اقليم "توات" عند
ايحمد ، و اقليم "قورارة" عند سفيان.
كما نجد هذا الصراع الاخوي العائلي اكثر توثيقا في رواية "(هابيل و
قابيل) للروائي العالمي "جوزيه ساراماغو".
غير ان بامكان نتخذ الصراع الدرامي التراجيدي الماسوي ، في مسرحية "
اونتجون" Antigone عند الشاعر الدرامي صوفوكليس ، النموذج
الاكمل ، و الامثوله الامثل تجسيدا لهذا الصراع الاخوي الاعداء ، بين الاخوين :
"اثيوكليس" ، و "بولينيس".
هم اخوة اونتجونا ، في حين بولينيس جاء بجيش جرار غازيا مدينة (ثيبة)
الاغريقية ، تعرض اليه اخاه اثيوكليس مدافعا على مدينته الغراء ، و على شعبه و شرف
دولته ، فتبادلا الضربات و الطعنات ، فكانت ضربة لازب ، - جادا بنفسبهما - واحدة
تبادلاها ، بسيفهما كانت كافية ان تقضي
عليهما.
كان الملك قد اصدر قانونا يكرم بالدفن ، و يحسبه بطلا شجاعا شهيدا من قضى
دفاعا عن مدينته ، تقدم له واجب وطقوس العزاء ، و البكاء عليه ، و يكرم بالدفن و
يقبر في مربع المكرمين المبجلين ، و يشيد له قبر وقرابين ، و توضع على مقام قبره
اكاليل الغار و الاس دليلا على عظمة ميت.
بينما يحرم بولينيس من واجب العزاء ، و من طقوس التابين ، و يحرم و يمنع من
يبكي عليه ، و لا يوضع له قبرا ، بل يترك هكذا...جثة هامدة في العراء ، نهبا لسباع
وحش الطير تنهش لحم جثته عقوبه له حيا و ميتا.
و حتى لا نسترسل في الحديث مطولا ، لندخل في موضوع اخر . افترقت بهم السبل
بالدنيا و الاخرة فالاول تعود اليه مؤسس مدينة ثيبة ، و بينما الثاني مدينة اثينا.
اذا كان هذا السفر الدرامي ، سفر اخوين الى مكان لا يؤوب منه مسافر ، فان
سفر والدهما " اوديبوس ملكا اي اوديب ملكا مع رفيق دربه ثيوسيوس كان سفرا
واحدا في متاهات جزر الاساطير و الخرافات.
صراع الاخوة الاعداء بقدر ما كان مدمرا للخلق الدرامي ، كان بالطرف المقابل
بناءا هادفا ، بقدر ما كان مفرقا للعائلة ، كان ملما و شاملا درامتيكيا ، تثنية
الفعل الدرامي و نقيضه ، بقدر ما يكون العداء من جهة ، تظل الاخوة منا يجب ان تكون
، راسخة ، تعود للاصل ، و بقدر ما تنفك عن القضاء و القدر ، الذي يتحكم في مصائر
البشر.
اين نجده يتخلص من قضائه و قدره ، و يترك البطل يجابه مصيره بنفسه، لا حول
و لا قوة له.
ساعتئذ يكون الوقت تاخر عن اتخاذ القرار للرجوع الى الخلف ، رجوع البطل الى
وعيه ، الى وطنه ، الى عشيرته ، الى قبيلته ، الى عائلته ، الى قرابة الدم الواحد.
الى الوفاء و التضحية الجسام على الشرف الجوهر الذي لا يقبل القسمة على اثنين.
كان لا بد ان يجنح الشاعر الدرامي بالاخوين بهذا المنحى ، كيما يبث الاسى و
الحزن و الالم العميق. الدفين بالنفس
البشرية ، كيما يحقق اهم وحدتي التكفير و التطهير في الماساة التراجيدية الاغريقية
)
الكاتارسيز Catharsis
كما يجعل من القضاء و القضاء Parque اهم نقطة
محورية ، مركز ثقل التي تدور عليها كافة احداث المسرحية.
ولان دائما لا يمكن فصل الظاهرة الادبية عن الظاهرة الاجتماعية ، يظل
الصراع قائما بين الاخوة الاعداء الى ابد الابدين ، مادامت النفس البشرية لامارة
بالسوء ، ووسوسة شياطين الانس و الجن قائمة..الصراع من اجل ان يفكر الناس في
قوانين اخرى اكثر انصافا و عدلا بين الاخوة الخصوم امام القاضي العدول الادبي ، و
امام القانون الفني ، و امام العدالة الشعرية اولا . ثم ينتقل هذا الفعل و هذا
الاجتهاد ، و هذا التشريع و السنن و المساطر الى قاضي المجتمع ، الى المحكمة. و
ينصفان لكل ذي حق حقه ميراثا او ارثا اخر ماديا او معنويا ، بحيث القانون لا يكون
مناهضا للعدالة الشعرية.
الاخوة الاعداء ، لا لنظل متفرجين سلبيا على الاحداث ، و انما من اجل اتخاذ
موقفا ما ، تفكيريا تغييريا ، ثم الانطلاقة من جديد لاعادة الاتزان ما بين الانسان
و العالم..و بما ان الخطا اصيل بالذات البشرية ، يمكن التقليل منه ، لكن لا يمكن
القضاء عليه ، يخبرنا الشاعر الدرامي او الكاتب المسرحي كما يجب ان يكون و ليس كما
هو كائن . ان تفكر و نستشرف ، و نستبق التفكير في مصير و في مال العائلة ، القبيلة
، العشيرة ، المدينة ، و الدولة و الانسان معا.