ما يشبه سقط متاع
العقيد بن دحو
يوم عن يوم يتاكد لنا بما لايدعو مجالا للشك ، ان الجمهور لا يمكن خداعه في
اي احظة من اللحظات او عن اية وحدة زمنية كانت.
اليوم ادركنا جازمين لماذا الجمهور ، هذا الفردوس الملائكي المفقود ،
الجمهور السيد و السيادة هجر و غادر القاعات (....) مبكرا دون ان يقول كلمته
الاخيرة ، في جميع الحقول و المجالات و الفضاءات الفنية الادبية و حتى تلك الفكرية
؛ المسماة على الفكر اصطلاحا.
ان اكبر اديب عندنا ، و اكبر فنان ، و اكبر مثقف لا يستطيع ان يملئ الكراسي
العشرة الاولى الامامية ، المهتمين ، و من يستهدفهم فعلا الفعل (...) ، اما
الاخرون مجموعات صغيرة مصغرة مشغولة بقضايا الساعة من الحي بقدر ما يهم بالذي مات !؟
ليتساءل المتتبعون اين كتبكم الاكثر بيعا !؟
من الذي اشتراها اذن ، اهي الجنون !؟
او انكم في عالم اكوان اخرى لا يراها العامة !؟
بل و كيف قرئت !؟
عبث ما بعده عبث. و فوضى غير خلاقة ذاك الذي نشاهده يوما و نسمعه عن اخبار
الفن و الفنانين ، عن اخبار المثقف و الثقافة ، عن اخبار الاديب و الادباء !
اين جوائزكم ودروعكم ، و سيوفكم الاسطورية المجنحة التي رفعتم الخليقة
صداها ولم تقعدوها !؟
الغريب، ضمن هذا الاغتراب الشامل الاعم ، و انت تستمع او تشاهد لحوار بين
(اديب) و (صحفي) ، تتمنى انك ولدت معاقا دون حواس او على الاقل !
لتسمع و تشاهد و تقرا الكذب بعينه سليما معافى ، يسري بين الناس ، دون وازع اخلاقي او تانيب
ضمير.
صحيح نعلم ان جل الفنون قائمة اصلا على ما يسمى فصلا " الاتفاق على
الكذب" !.
بمعنى : ان الممثل يوهم نفسه ، بل يقنعها بما يقوم به من محاكاة هو عين
الحقيقة ، و كذا الجمهور يوهم نفسه و يخادعها على ان ما يعرض امامه هو عين صواب !
لكنه كذب موضعي فني ، كانا لا بد لهما من هذا المخدر المؤقت لتستمر الحياة
المسرحية الى غاية اسدال الستارة ، ليصطدم الجميع بالواقع المر المرير المعاش.
قد نتفهم هذا الكذب بالديانة المسيحية ، اذ تجوز للمسيحي ان يكذب بالفنون
او بالواقع ، اما المسلم لا يجوز له ذلك.
الكذب بعينه ، رجلا يمشي بالاسواق و النوادي و على امواج اثير الاذاعات ، و
على شاشات التلفزيون ، و على ظهر صفحات الجرائد ، و على منصات شبكات التواصل
الاجتماعي. عندما تفضح هذه الوسائل الاعلامية الاعلانية ، الخفيفة و الثقيلة ، التماثلية
و الرقمية هذا الحوار (المعلب) ، الجاهز. و كانه سماوي و ليس ارضي يجري على السنة
البشر!.
حوار اعد سلفا سؤالا وجوابا (س- ج) قبل اجراء اللقاء ، حوار مغشوش بلاروح ،
و لا روية ، و لا يشعر فيه المتلقي باية حميمية دافئة تجمع بين الطرفين. و لا تلزمه في امر الدنيا شيئا ، لا تكفير و لا
تطهير ، لا تفكير و لا تغيير ، سؤال من اجل التساؤل و جواب من الاجابة !
حوار يشعرك بانه سجل بالغرف المظلمة لهذه الوسيلة الاعلامية ، بغية تظليل
الجمهور او بغية ارضاء مسامع اخرى يهمها الامر.
بغية مخادعة الجمهور ، غير ان الجمهور ذكي ، حتى ان كان الاغلبية الصامتة
غهو اصيل متاصل يعرف بالسليقة فرسه و فرسانه ، يوم تنزل الواقعة الوقيعة. تماما
كما يعرف الوطن الابي جنده الاوفياء المخلصين.
يبدو هذا الحوار وذاك ركب تركيبة هندسية ، اعده محاسب روبوتيزم ، كل حرف ،
و كل كلمة ، كل جملة ، كل فقرة اعده الحزب
البولشوفي سابقا. او اعده (الرايخ) الالماني النازي الهتلري !
شعاره: في يوم واحد و في مكان واحد يتم فعل واحد لشخص واحد.
اين يكون الصحفي هو الاديب و العكس.
ليست هكذا تؤكل كتف الحوارات الادبية الثقافية الفنية ، الاعداد المسبق في
دروب تلافيف دهاليز متاهات كواليس الاجهزة السمعية البصرية المقروءة.
كما هذه الحالات الشاذة لا تعد حصصا او برامجا على المباشر ، كون الاصح
الصحيح ، ان تكون تلقائية تفاعلية كاللحن الجميل ، كالاغنية الخلابة و كانها صادرة
عن الناس اجمعين لا عن شخص واحد. خرافة ،
تسال نفسها و تجيب في ان واحد ، حتى لا اقول هو الحكم و الخصم !
جودة اللقاء في تلك المباشرة اين يكون الارتجال هو الفارس الحقيقي ضمن
مونولوج و مناجاة كوميديا " دي لارتي" اما غير ذلك حتى ام كان لسانيا
خطيبا متفوها او متنبيا جديدا مجرد كومبارس ؛ امعيا ، تابعا ، في نظر من كان يرجو
منه ان لا يجعلوه يقف مطولا منتظرا عند عتبات ابواب قصورهم.
اما الجمهور عاد مبكرا ادراجه من حقوله ، و بساتينه ، و اسواقه. الى بيوته
مثعبا من كدح الحياة. يجهز نفسه لغد افضل على امل ان يصبح صبيحة بلاغش ، بلا حيل ،
بلا مخادعة من اديب فنان مثقف كان يحسبه ان يتحمل مسؤولية سلطته الادبية و يدافع
عنه ، بعد ان فشلت السلطة التشريعية. البرلمان ، نظرية العقد الاجتماعي الاكبر
اكذوبة عرفها التاريخ (جان جاك روسو) في الدفاع عنه.
وبين الغربتين : السياسية و الادبية الفنية الثقافية اغترب بدوره الجمهور ،
و هجر القاعات و الفضاءات متحاملا على نفسه ، محافظا على ما تبقى له من بريق
انساني ، وخوفا من سقظ متاع !