اعيدوا "اونتجون" للمدرسة
اعيدوا "اونتجون" للمدرسة
العقيد بن دحو
لو يدري امناء و شفعاء و مسؤولي الكتاب المدرسي بوزارة التربية الوطنية ،
قسم التاليف و الطبع و النشر ، و منظري و مسطري و مخططي المناهج و البرامج ، اهمية
ابعاد نص " اونتجون" Antigone
التاريخي و الشبيه بالتاربخ ، و ما قبل التاريخ ، و كذا الاهمية التربوية
البيداغوجية و الاندراغوجية ، التعلمية التعليمية العلمية ، و الثقافية التثقيفية
الحضارية ، لما انتزعت كحلية ثمينة ، و
لما ابعد من الكتاب المدرسي.
يوم كان التعليم الاساسي. بمستوياته الثلاث - رغم الماخذ و التحفظات على
المناهج و البرامج - كان فيه التلميذ يشعر
فعلا في قلب محور ومركز ثقل
العملية التعلمية التعليمية. بل كان يشعر بانه محور الكون ، حين صار يتطلع الى
الابعاد و الافق العالمية ، من خلال تلك النصوص ذات القراءات الموجهة و الى ما عند
الاخر من تصورات فكرية.
ولعل نص " اونتجون" بتصرف ، و المقتبس عن الشاعر الدرامي
الاغريقي صوفوكل القرن : (435 - ق.م) هو واحد من تلك النصوص ، الذي كان يعجب به
تلاميذة الثانية اساسي نن التعليم المتوسط في مادة اللغة العربية.
الغريب العجيب هؤلاء (الامناء) التي اوكلت اليهم نزع ما يشاءون و اضفاء ما
يشاءون المواضيع النصوص المقررة ، فاتت عليهم ان يعلموا ان تاريخ اونتجون الفني
مرتبطا ارتباط وثيق الصلة بالتاريخ الثوري للجزائر.
اذ كان لا يزال الاجداد و الاباء المجاهدين ، يتذكرون تضحيات اونتجون
الجسام ، يوم عرضت كنص تمثيلي عالمي على خشبة ركح المسرح الوطني 1945 ، و لما شاهد
الجمهور العرض الماسوي التراجيدي ، ضجت الجماهير بالبكاء ، مما اضطرت السلطات
الاستعمارية الاستدمارية انذاك الى وقف
العرض.
ومن امسيتها لم تعد الجماهير الى النوم مبكرا ببيونها ، بل التحقت بصفوف
الثوار المجاهدين بالاودية و التلال و السهول و الجبال و الصحاري و الفياقي ربوع
الوطن ، في اشارة الى التضامن و التازر و التعاضد مع تضحيات اونتجون ، التي كانت
الانموذج الافضل و الامثولة المثلى للعديد من حرائر الجزائر ، اللواتي ابين الا ان
يكن جنبا الى جنب اخيها الثائر المجاهد الجزائري الرجل.
هكذا تفهم و تدرس قواعد اللغة ، و تدرك الوطنية من خلال النصوص العالمية ،
لا سيما ان وجدت رعاية و ايدي امينة ماهرة بديعة ترجمت القول الى شعر وفكر وفعل ،
الى حوار جاد واع وازن على ركح مدرسي
صغير.
ساعتها هذا الطفل المجسد للصورة الاولى للمحة الاولى ( الاسطورة الاغريقية)
يتحدث حديثا بالف صوت !
اين نحن اليوم من ذاك اليوم ؟
يراد بابنائنا ان يتعلموا الانجليزية من خلال القواعد اللغوية ، و هذا
بمثابة جعل الحصان يسبق العربة و تامره بالتقدم !
اما الصحيح من خلال النصوص . ما
الذي كان يضير لو درس هذا المتعلم نص (هاملت) مثلا ، ثم جسده تمثيلا ، لتمكن من
اصطياد عشرة عصافير بحجر واحد !
ماذا لو درس اي نص من نصوص (فولتير) او (لافونتين) لاكفته شر تعلم اللغة
الفرنسية ، التي صارت هاجس ، بل فوبيا او رهابا للعديد من تلاميذتنا و طلابنا ، مع
العلم ان اللغة الفرتسية لغة الفكر و الثفافة و الفن و ابداع وغنيمة حرب.
ما الذي اصاب منظومتنا التربوية ، و هي تنتقل على حسب هواها من التدريس
بالاهداف الى التدريس المقاربة بالكفاءات ، و بالتالي مخرجات هذا التنقل او التحول
لا هذه و لا تلك ، خليط و هجين من التعلمات ، جعل المركزية و المحورية تخرج من
التلميذ الى اشياء اخرى.....، جعلت من
الكتاب المدرسي و ما يحتويه من مواد و مواضيع نشاطات اللاصفية !
كل ما يمكن ان نقوله ، هذه ثمرة مجهودات اولئك (الخبراء) الفرنسيين الذي
جاءت بهم الميكيافلية و الماكلوهانية و البافلوفية ؛ المنعكس الشرطي الانقاذ المدرسة
الجزائرية من الاصولية المتاصلة و من الاصالة و المعاصرة على سبيل المثال. و من
درس البطاطس و العصا!
في حين ابناء هؤلاء الخبراء علينا ؛ في عاصمة الجن و الملائكة باريس ،
يدرسون و يعلمون ابناءهم بالطور المتوسط ملهاة (الضفادع) للشاعر الاغريقي الدرامي
ارستوفانز !
و هي اعرق مسرحية نقدية عرفها التاريخ النقدي الانساني العالمي.
حلال عليهم و حرام علينا ، حلال عليهم يدرسوا ابناءهم تلاميذة و طلابا
روائع الفكر الكلاسيكي ، لتكوين شخصيات قوية ، يرون انفسهم احفاد و سلف سادة خلف .
حرام علينا ، ان نكون محليين بقدر ما نكون عالميين ، ان نتعلم صحيحا اللغة
من خلال النصوص ، الاخلاق من خلال النصوص ، القيم من خلال النصوص ، و الوطن و
الوطنية و القومية من خلال النصوص.
النصوص اولا ، ذات الابعاد العالمية ، المعادل الصوتي للتنمية و الازدهار و
التحضر ، في عالم لا يزال يوما عن يوم (يتعولم) ، (يتكوكب) ، عالم بلا حدود ،
البقاء فيه للاقوى ، و من يتحدث بلغة الصور الاولى ، حديثا بالف صوت.
و لان النتائج بالافعال فهذا ما جنته علينا حقول (التجارب) كوادر و اطر و
مسؤولين اذا تحدثوا كان دائما حديثا متاخرا ، حين لم يعد احدا يريد ان يستمع اليهم
لا بالداخل و لا بالخارج و باي لغة تحدثوا (......)!
عودوا الى الكلاسيكيات ترون عجبا ، و الا ستجدون يوما التواصل مع الاخر غير
ممكنا ؛ ان لم يكن قد صار مستحيلا.
والى ان تعود "اونتجون" Antigone الى وطنها الثاني الجزائر و الى مدارسها معززة حرة مكرمة ، يبقى لكل حادث حديث سابق عن لاحق.
فنون أخرى للكاتب