نابليون بونابرت" و " اوديب ملكا"
العقيد بن دحو
لن تجد اديبا فرنسيا ، سواء قبل الثورة او بعدها يخلو لسانه عن ذكر القائد الجنرال العسكري القنصل الامبراطور
نابليون بونابرت ، كون في هذه الفترة امتازت مختلف الاداب و الفنون و الثقافات بما امتازت به انتصارات نابليون العسكرية السياسية ، حيث صار لفرنسا حدودا تاريخية اخرى و مجالات حيوية اخرى. اذ منح نابليون بونابرت حقوقا تمويلية و رعاية دعم خاصة للمثقف و الفنان ، و هامش من الحرية و المساواة غير مسبوقين ، رغم ضلف طابعه العسكري الامني . هامش من الابداع لا سيما على محور اللغة و الصحافة و كذا الاكتشافات العلمية.
لا يكاد يخلو
جيلا من الكتاب سواء على الصعيد الروائي او التمثيلي او الفني ، من النيو
الكلاسيكية الى التعبيرية الى الوجودية كتابها لم يستهلوا و يفتتحوا اولى صفحات
كتبهم و مجلاتهم و جرائدهم ، صحفهم على
ذكر نابليون بونابرت. بل معظم اقتباساتهم تشير لرجل فرنسا الاول يوم ذاك ، بل رجل
اوروبا حتى ان لم يكن بالاسم كانت الاشارة تغني عن الف لحظ و لحظ و عن الف لفظ و
لفظ.
و هذا " بلزاك " اله الرواية
السيكولوجية الفرنسية ، لسانا مهتلسا حتى الثمالة بصوره العجائبية النابليونية او
كما يحب ان يعبر عنه التنويريون في ذاك العهد.
يقول "
بلزاك" الاله : " لقد عاش اربعة اشخاص حياة غنية : نابليون بونابرت عاش
حياة اوروبا و ازدرد الجيوش ، و الثاني : " كوفيه" تزوج من الكرة
الارضية ، و الثالث: " واو كؤنيل" تجسد في شعب ، اما الرابع "
بلزاك متحدثا عن نفسه" : باستطاعتي ان احمل مجتمعا باكمله في ذهني.
وهذا بلزاك
الاله او بلزاك نابليون الادب و الفن و الفكر و الثقافة يصف قي مقطع اخر : قد رفع
ولترسكوت الرواية الى مصاف القيمة الفلسفية للتاريخ ، هذا الادب الذي رضع من عصر
الى عصر " الاكليل الشعري"
التي تزدهر فيها الاداب ، باللالئ الخالدة . انها لغة الثري الجديد. فالرواية
في مطلع القرن التاسع عشر تمثل تاجر الاملاك في عهد عودة الملكية ، الذي استطاع بفضل انقلاب المجتمع و الازياء
الادبية ، ان يقطف الثمرة التي انضجتها هدة اجيال من البرجوازيين الذين استغلوا
الثروات الوطنية.
نابليون
بونابرت بقدر ما كان مزدهى بالوان بزته العسكرية شكلا ، كان هذا الجمال ارتداداته
قوية على المضمون.
في احدى
حملاته " النابليونية" على هلينة الشرق مصر ام الدنيا (1798 - 1801) و
هي حملة بالاضافة الى كونها استعمارية للبشر فهي من جهة اخرى كانت مغلفة و تضليلية
كانها تحمل طابعا انسانيا نبيلا علميا بحثا و استكشافيا لمقدرات الشعوب و الامم
المادية منها و اللامادية.
صحيح هي بغية
قطع الطريق على المملكة البريطانية العظمى ، الوصول الى طريق الحرير و اسيا.
ابان تلك
الفترة وقف نابليون بونابرت في مجابهة ( ابي الهول) متاملا في عظمة الانسان المصري
الاول ، و جده الاول الذي استطاع بعد سنين من التراكم و الاضافات ان يبدع اسطورة
عنصره الفردي ، و يؤسس حلمه الجمعي.
فادرك بفراصة
الحكيم القائد المجرب الخبير. ان هذا الشعب ذو الاصل ( الفرعوني) لا يمكن اخضاعه و
ادعانه للوافد الجديد الفرتسي الاوروبي ، الا اذا هشم و حطم انفه ، رمز و كبرياء و شهامة و عظمة الشعب المصري.
فما كان
على نابليون بونابرت الا ان يامر جنده
باطلاق النار على انف ابي الهول فحطمه و هشمه.
لقد اطلق على
الحادثة نخبة من المثقفين العرب ( بالصفر التاريخي) !
كما اطلق
بدوره نابليون بونابرت فكرته الحربية الجديدة : سقوط التماثيل و الرموز من سقوط
الدول !.
كما عرفت تلك
الفترة نهبا للعديد من الموميوات الملكات الفرعونية و التوابيت المسجاة المحنطة ،
و الاثار و الحلي النادرة و كذا المسلات . هجرت الى المتاحف الباريسية و الى خزائن
مكنونات الاثار النفيسة.
هذه (
الوقفة) او المجابهة النابليونية. كانت بمثابة الفتح الجديد على مختلف الاداب و
الفنون و الثقافات الفرنسية.
حتى سمي يوم
ذاك نابليون باوديب فرنسا.
فاذا كان
اوديب اثيتا اليونان حاضرة الاغريق قادته الصدفة الى مجابهة ( الهولة) و الرد او
الاجابة عن اسئلتها :
ما الكائن الذي يمشي في اول النهار على اربع
وفي وسط
النهار على اثنين
وفي اخر
النهار على ثلاث؟
فالاجابة
كانت : الانسان !
غير ان هذا
الانسان قاده غروره و كبرياءه الى اقتراف الخطيئة.
- صادف اباه
طريقه فقتله.
- تزوج امه
- انجب منها
بنينا و بناتا هم ابنائه و اخوته في نفس الوقت .
النتيجة كانت
حين علم اوديب ما اقترفت يداه استخزى الامر و فقع عيناه و تاه في المدينة ، و حيدا
شريدا طريدا ، تقودانه ابنتيه ( اونتجونا) و ( اسمينا) بعيدا عن العار و الفضيحة
في حق المحارم ، حيث انتهى محشورا اعمى ،
و حيث قضى في قبر مجهول بلا شاهد ، و لا قرابين اكاليل الغار و الاس في الاشارة
الى عظمة ميت !.
انتهى الامر
كذلك باوديب فرنسا دون ان يطرح عليه ( ابو الهول) اسئلة ، و من دون ان يتمكن
نابليون من الاجابة. ليظل الانسان قي مجرى التاريخ هو الانسان ، الخطا اصيل فيه
يمكن التقليل منه لكن لا يمكن القضاء عليه.
و ما هي
الاسنة 1815 حتى سيطر على كل اوروبا ، و حيث بدا العد التنازلي لنهاية اكبر
امبراطورية كانت قائمة على الفكرة " النابليونية / الاوديبوسية " في
الحرب و الادب ، وراء كل خطة و هندسة عسكرية مذهبا او مدرسة ادبية فنية.
لذا لا غرو
ان سمى اسطالين الادباء بمهندسي الروح.