حرب الالقاب و الرتب في السودان و الاله " ميداس"
العقيد بن دحو
عندما يتحطم الصنم يبزغ المارد !.
هذا المثل ينطبق عن الاخوة الاعداء في السودان ، و عندما كل طرف ، او عندما
يدعي الجنرالين كل واحد فوله طياب او كما
ورد في المثل الشعبي الجزائري.
اذا عرف السبب بطل العجب ، و من يعرف حجم الاطنان من الذهب المكتشفة و
المسربة خارج اطر المعاهدات و تشربعات و قوانين السوق العالمي ، يدرك بسرعة لماذا
قامت هذه الحرب خصيصا حرب الجنرالين ، ظاهرها حجة الادماج ، ادماج الجيش السريع
بقيادة اللواء " حميديت " ، و الجيش الشعبي السوداني بقيادة الجنرال....
اما ظاهرها تحمل هذه الحرب عدة لبوسات ولوغوسات يصعب فك شفراتها الابعد
مرور الوقت ، و تكشف خيوط الاعيبها المتعددة و ليست لعبة واحدة.
حينما ندرك منذ عهد طويل حيلة و اطماع ( الرجل الابيض) بالقارة السمراء ، و
الحنين او النوستالجيا الاستعمارية الاستدمارية تراوده بالرجوع الى عادة اجداده و
ابائه الاولين . حين يخضع القارة باكملها الى فكرتي " المجال الحيوي" و
" الحق التاربخي" .
ساعتئذ ندرك (الوكالة) التي كل جنرال يحارب اخيه الجنرال ، تشابه مع
الفارق. اين La fonction suprime le
grade او كما يورد التعبير الفرنسي .
اين الجبابرة ( التيتانوس) في مجرى
التاربخ و الزمن ، يرون انفسهم فوق العباد و البلاد فلا يملا اعينهم الا التراب !.
و لا ذنب عليهم ان احترقت روما باكملها.
حرب فذرة ما بعدها قذارة مثل هذه. بالغالب ما تكون خيوط تحريك دماها خارج
ثخوم و خنادق المحلية الضيقة ، بل تتجاوز الى العالمية ، حين يكون اللاعبين كبار
على غرار الشركات العالمية المتعددة الجنسيات. و حين يدرك العالم ان سعر الذهب لا
يبطله تقادم او اية وحدة زمنية مضت ، بل البضاعة الوحيدة التي لها مستقبل على غرار
باقي البضاعات الاخرى ، و بالتالي ترى من عنده ذهبوا اليه الغرب قد ذهبوا....!
تندرج حرب الالقاب و الرتب في باب صناعة الحرب من اجل فتح اسواقا جديدة و
تقنين بورصة جديدة للذهب بصفة عامة.
ولان بالحرب الاهلية او غيرها لابد من ان تسقط اقنعة و تماثيل و صور و قيم
و تقام اخرى بدلا عنها. تقوم من جديد بالمخيال العالمي و تتجلى للعيان لسطورة
اغريقية من جديد ، اسطورة " ميداس" !.
ذاك البطل من عوقب كل من لمسه
يتحول الى ذهب ؛ الى ان صار يتضرع الى كافة اعضائه التي تحولت كليا بدورها الى ذهب
!.
الذهب نعمة و ريع النفط نعمة ، لكنهما سرعان ما بتحولا الى نقمة ، عندما
يسود هاجس و (هادس) النرجسية الانتحارية.
لا تسال الرتبتين و اللقبين عن حجم الخسارة الشعبية المالية و المادية
، فالذهب وصل الى بريق اعينهم ، و اعماهم
عن الوطن و الوطنية ، و عن مصير السودان باكمله عندما يقع بين فكي كماشة من جديد.
بل حين يخضع من جديد الى (السيكسبيكوية) كفكرة ؛ يعاد فيها تقسيم المقسم ،
و تجريب المجرب. .
وقتئذ لم يعد تمة من بريق يشير الى السودان كخريطة قومية وطنية وجب الدفاع
عنها.
سوف لن يكثرت الاخوة الاعداء بما سيحدث ، وهم هكذا مخدرين ببريق المعدن
الاصفر !.
الان كل من تقع عليه عيناهما يتحول الى اشيائهما البشر و الحجر و الشجر !
بل سوف يخضعوهم الى غرفهم السرية و الى " سرير بروكست" !.
نعمة و نقمة المعدن حولت السودان باكمله الى لون اصفر كبير!.
وسوف نشهد المزيد من حاملات القرابين الى اتون الحرب الاهلية ، و كلما طالت
الحرب ازداد جشع الجنرالين ، و ازدادت رقعة تجارة الاسلحة الصفراء بدورها ، و
عندما تنتهي الحرب ، تنتهي المصلحة ، تنتهي الميكيافلية ، تنتهي الحرب ، كون الذهب
اشرف على نهايته و كشفت الارض عن فراغها. فراغها من اية فكرة عقلانية ، تعيد
السودان الى مشارف القرن 21.
الحرب السودانية السودانية مؤشر خطير على عودة الثيوقراطية ، حكم الفرد ،
الفكرة التي اوصلت العالم الثالث الى تجميع الثروة في يد فئة قليلة علية ، لا تسمح
بهامش الحوار الحضاري الثقاقي السياسي الاجتماعي الاقتصادي الا مع نفسها و بعدها
الطوفان !.
وعندما تكون المصلحة المرضية هي الوطن ، يختزل كل شيئ في رتبتين و لقبين
كومبارسيين !.
على ان يبزغ اخيرا على ركح المشهد السياسي اللاعب الحقيقي ، الفارس الحقيقي
كشاهد القرن عن اكبر عملية تقسيم الكعكة السودانية كمائدة من السماء هبطت على
الغرب مجددا . من يملك عصا الطاعة على الجمبع مدنيبن و عسكريبن ، ابرياء و متهمين
، منتمين ؛ مترددين ؛ محايدين. لترفع ايادي الرجل الغالب صاحب الحق الالهي
(الفيتوي) !.
ولتبدا فوضى اخرى خلاقة ، التفكير في اعمار السودان او ما تبقى من سودان ،
و ما تبقى من نياشين القاب ورتب. الاعمار ليس اعمار ما هدم وخرب ، و لكن امر
الامرين اعمار عمران قيم اخرى اكثر اغترابا وغربة و تفككا وتفتتا و هروبا من
المجتمع. عندما تبنى و تشيد تماثيل و مقامات تذكر بالصفر التاريخي العربي مجددا ،
بالصفر التاربخي القاري الافريقي. وهذه الحالات كلها مؤشرات عن بوادر الحرب الذكية
، غير مكلفة حيث الفوضى المدمرة ، يكون فيها التدمير ذاتيا و داخليا ، و حيث يؤكل
الطرفان كما اوكل الثور الابيض.
ان هذين المتصارعان على كرسي الحكم
المذهب لا تنتظر منهما قلبا على احد ، و لا ادمعا على وطن ، لقد تحولت كافة
اعضاءهم ، حواسهم الى (ذهب) ، لقد صاروا مجرد اسطورة يونانية عاقبتها الالهة بما
كانت تهوى وتحب. لقد صاروا : " ميداس" بالمعنى الحرفي للكلمة.