العقيد بن دحو
اللغة العزيزة
قالت
الاغارقة القدماء : " أيتها اللغة العزيزة! ايمكن ان لا اسمع يونانيا يوجه
الي الحديث إلا بعد هذا الزمن الطويل! لماذا يا بني ؟ لماذا ارسيت سفينتك عند هذه
الجزيرة؟ اي ضرورة اي خطة ، اي ريح مواتية دفعته اليها ؟ انبئني بهذا كله لنعلم من
انت.
كانت هذه
العبارة الخالدة للبطل الدرامي فيلوكتيتس او فيلوكتيت للشاعر التراجيدي سوفوكليس ،
وهو يخاطب غريمه نيوبتوليم ، الذي اقبل خصيصا ليعيده إلى الجيش اليوناني بعد نفي
وهجر دام عشر سنوات ، وكونه ورث درع وسهام هرقل المجنحة بعد ان اوحت الالهة للحكام
انذاك ان ظروادة لن تظفر و لم تؤخذ بالحرب إلا إذا عاد فيلوكتيتيس و شارك بالحرب بالسلاح الفتاك الخارق !.
القصة
الماساة التراجيديا معروفة سواء في قالبها الكلاسيكي الارسطي التقليدي القديم
، او بعد ان أجريت عليها بفعل تقدم العصر
و الحضارة و ثقافة الشعوب عدة تحويرات وتحولات بما يخدم العصر و المعاصرة وأيضا
مذاهب ومدارس ادبية و فنية اخرى حديثة و
ما بعد الحداثة ذات اتجاهات كونية . يخدم القضايا العادلة للإنسان و يناشد الحرية
و المساواة و الانطلاق . ضمن لعبة عميقة الجذور ، لعبة الحضارة الديمقراطية ، حيث
يظل الانسان في مجرى الزمن هو الإنسان.
ولان عوامل
عدة تؤثر على البناء و المكون الديمقراطي حرية و مساواة و عدالة تظل اللغة و العرق
و البيئة القاعدة و القمة لتشييد هرم التنمية في سبيل انتشار الوعي و في حدود حجم
و مساحة و كتلة و لون و نوع السلم العالمي.
كانت هذه
العبارة كما يشير الدارسين و النقاد في سوسيولوجية الأدب : أن اللغة لم تعد كما هي عند افلاطون وسيلة و
ليست غاية ، و ليست كما هي عند فلاسفة الألمان، ولا هي عند اللغويين الأكاديميين
الفرنسيين ، بل صارت لغة العائلة و كلمات القبيلة كما يقول مالرو .
اذ ، لا يمكن فصلها عن أي عزيز متواجد بالاسرة
؛ كالجد و الجدة ،كالاب ، الأم، الابناء ،
و كالاحفاد.فهي لا تقل أهمية عن أي عنصر من هذه العناصر الحيوية الادمية ، ان
اشتكى منهم عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى !.
هكذا يجب أن
تنزل و تحضى اللغة منزلة الابن البكر بل الوحيد ،
بالود و الحب و الرعاية .
لذا لا غرو
ان جاءت اللغة الاغريقية في قالب جميل محبب إلى الأنفس، عظيمة كعظمة ابطالها لا
يسمح لها بهجو او سفور او اسفاف او سقوط ، لغة الآلهة و انصاف الآلهة و الابطال و
الملوك.
ان قي خيال
اليونان فكرا وفي شعوره روحا و في شهواته روية ، فأنتج لغة إنسانية نشعر فيه بقوة
و بقرب من حياتنا وبامعان في تفهم مشاكلنا في تناغم جميل محبب إلى الأنفس، له وقعه
على القلوب الصادمة وقعا مباشرا . كما يقول فرانسوا كروازييه.
اللغة صارت
واحدة من العائلة ، من الدفتر العائلي و من سجل الحالة المدنية ، يسقط عليها ما
يسقط على كافة أفراد العائلة من المواليد الجدد إلى صورة الوالد الأب او الجد ،
حين تصير اللغة هو الأسلوب وهو الإنسان.ومن حيث الطفل ابا للرجل كما هو عند فريود.
اذ يتكرر لغز
اثينا مجددا : ما الكائن الذي يمشي في أول النهار على اربع ، وفي وسط النهار على
اثنين و في آخر النهار على ثلاث.
اكيد الجواب
دائما هو الإنسان. الإنسان المقرون باللغة
!.
صحيح اوديب
اجاب عن اللغز و خلص المدينة من الهولة التي كانت تتغذى عن اللغز ، غير انه نسي ان
يخلص نفسه عن طريق اللغة ، حين جعله عرورخ يتطاول على الآلهة، وجعلته هذهةالاخيرة
يقترب الخطيئة الكيرى !
لاحظ الرقم :
( 4 - 2 - 3 ) رقم سحري شبيه بالتعازيم و التعاويد الزنجية الافريقية، لغة الكلمات
الاولى ، التي كانت في البداية حتى لا اقول تلك التي كانت في البدء، الكلمة التوراثية.
يتوجه
فيلوكتيتس خطابه في أيتها اللغة العزيزة.....!
إلى صديقه و
غريمه نيوبتوليم ، فاللغة عزيزة و صديقة ويونانية ، اي صارت لها هوية وجنس ونوع
وبطاقة تعريف ووطن.
يقول
نيوبتوليم : اذن فلتعلم أيها الغريب قبل كل شيئ اننا من أبناء اليونان مادام
ذلك الايماء يعنيك .
لاحظ الاسماء
اختيرت لتمثل طبيعة المسميات ، اي وجود رابط عضوي بين الاسم و المسمى ، تدفع عن البحث في حقيقة هذه اللغة العزيزة لسبر
عالم الكلمات و النموذج بنضرك إلى عالم الاشياء. التجديف صعدا نحو المنبع ، حيث
الكلمة الأصلية الجامدة تتطابق و المسمى. حين نجد يوافق نيوبتوليم تلك اللغة
العزيزة التي ظلت حبيسة الهجران و النكران ، غائبة عن حبيبها عشر سنوات. عشرة
سنوات ليس بالأمر الهين، عقد كاملا كفيلا ان ينسى فيه المرء نفسه ؛ ناهيك عن لغة
!.
كل هذا تم
بواسطة فيلوكتيت !.
واخيرا عن
قريب يلتقي الحبيب فيلوكتيتيس محبوبه نيوبتوليم
اللغة ، و كانه اخيرا سوف يتكلم
كيما يراه و يرى الناس جميعا!.
كان وحيدا
شقيا طريدا بعلته عشر سنوات لم يسمع باي لغة وفجأة يصير يسمعها مع دقات قلبه قائلة
له انما الحياة دقائق و ثوان !.
واخيرا هنا
إذا اتخذت اللغة الأسطورة لتعيش بالمجاز استولدتها الاستعارة ضمن عائلة لعبة اللغة
و كذا الاشتقاقات اللغوية ، عندما تتخذ القيم صفات بشرية ، تتجسد لها احساسات و نفس وشعور جماعية كالاسطورة ، ولها روح واسم ضمن مسرد
سجلا ت الحالة المدنية الجماعات و القربى المحلية .