حامد حبيب
حملة نابليون مافيها من جديد
كانت فرنسا
على رأس الحروب الصليبية ، وهى
التى وجّهت الحرب الصليبية
ضد مصر ، وغزتها
مرَّتَين
بقصد احتلالها ، واستطاعت مصر أن
تصُدّ
هذا العدوان
الصليبى وتُصفِّيه ،
وتُطهّر مصر
والشرق
منه،لكنّ ذلك لم يوقِف تكرار هذه الغزوات.
إذ أنه
لما بدأ الضعف يطرأ على الدولة العثمانية،
وانشغلت فى
حروبها مع روسيا ،
بدأت فرنسا
تتطلّع من
جديدٍ صوبَ الشرق العربى،ومصر خاصّةً
بدءاً من عهد
لويس الرابع عشر والخامس عشر، ثم
السادس عشر.
وبعدإعدام الملك لويس السادس عشر عام١٧٩٣ م ،
عيّنت فرنسا
قنصلاً لها فى مصر، هو المسيو ( شارل
مجالون)،
وكان من كبار التجّار الذين كانوا يدعون
لاحتلال مصر.
وكان اندلاع
الثورة الفرنسية سبباً فى اشتعال نيران
الحرب بين
فرنسا وأكثر من
دولة أوروبية،وعلى رأسها النمسا
وانجلترا ، واستطاع نابليون
بضربة
مذهلة فى
إيطاليا أن يهزم
النمسا ، ويحملها على طلب الصُّلح
، فأسكرَ
هذا النصر المذهل (نابليون
بونابرت)
،فطارت أحلامه وآماله على أجنحة الخيال
مُتِّخذاً من
الإسكندر الأكبر نموذجاً
له ، وبما أن الأسكندر جعل من الشرق
هدفاً لبناء إمبراطوريته،
تطلّع
نابليون ببصره نحو الشرق،واستقرّ ببصره
عند
مصر
مفتاح الشرق ، فلو
استطاع فتحها ، لااتّخذ
منها
قاعدةً لفتح الشرق
كلّه ، ولكن عليه أن يُقنعَ حكّام فرنسا
الجُدد من زعماء الثورة
، واستطاع
بدهائِه
أن يجد
الذريعةَ لإقناعهم بضرورة احتلال مصر ،
إذ أنّ انجلترا
لاتزال العدوّ الأوّل
لفرنسا،
فانجلترا هى
التى جرّدت فرنسا من
تجارتها فى الهند والشرق ،
وأساطيل انجلترا تطرد
أساطيل فرنسا فى البحار، والسبيل لقهر انجلترا إلا باحتلال
مصر.
ويقول(
نابليون ) فى مذكراته التى أرسلها لحكومة
الثورة فى ١٦
أغسطس ١٧٩٧م :" ...ولنحتل مصر ،
فسيكون لنا
فيها الطريق المُفضى إلى الهند ، ويسهل
علينا أن
نُنشئَ بها مستعمرة من
أجمل مستعمرات
العالم ،
وإذا أردنا أن نهاجم انجلترا فلنهاجمها من مصر".
فى ذات الوقت
كان نابليون أوّل رجل دولة أوروبية
يدعو اليهود
إلى إقامة وطن لهم فى فلسطين خلال
حملته على
مصر والشرق عام١٧٩٨م ، ووجّه لليهود
بهذا الخصوص
بياناً ودعاهم فيه ب"ورثة فلسطين
الشرعيين"..
وقد جاء
بيانه هذا قبل ١١٨سنة
من صدور وعد بلفور بإنشاء وطن
قومى يهودى فى
فلسطين
عام١٩١٧م ، فكان هذا البيان هو أول ترجمة
سياسية
للصهيونية المسيحية ، والتى انتزعت أول
إقرار أوربى
بما يدعيه اليهود حقاً لهم فى فلسطين.
واضافت عدة
عوامل جعلت حكومة
الثورة تستجيب لتحريض نابليون على احتلال مصر، وكان
من أهمها ،
خوف تلك الحكومة من هذا القائد
الذى
افنان به
الشعب الفرنسى، بعد انتصاراته المذهلة.
وجرى الإعداد
للحملة فى تكتُّم
شديد ، وقد عُيِّن نابليون قائداً لها تحت مُسمَّى"جيش غزو
انجلترا"...
وفى التاسع
عشر من شهر مايو ، أبحرت الحملة من
ميناء طولون،
وكانت تضم ثلاثمائة سفينة يحرسها
أسطول حربى
مؤلَّف من (٥٥ سفينة)، وكان نابليون
فوق السفينة
المُسمّاة "أوريان "أى : المشرق ،
والتى
كان يسميها
الجبرتى "نصف الدنيا
"....وكانت هذه السُّفن تحمل
حوالى ٣٥ألف جندى
، ونخبة من خلاصة علماء فرنسا فى مختلف فروع العلم
والفن
ناهز عددهم
١٤٦ عالماً وأديباً وفناناً، من بينهم العالِم
الرياضى
الشهير(مونج) ،و(بورتلييه)العالم الكيميائى
ووصلت الحملة
فى أول يوليو١٧٩٨م
إلى ميناء الإسكندرية.
ولم يكن لدى
السيد( محمد كُرَيّم) _الذى كان يتولّى
شئون الإسكندرية_سوى أربعة مدافع قديمة
عفى
عليها الزمن
، وقد دلّ هذا
على مدى ماكانت عليه مصر حينها من
انعزال وجهل بأحوال الدنيا ، وكان
السيد محمد
كريّم يعيش على وهمٍ قديم ، من أن
مصر أرض السلطان ، معتقداّ أنه
بمحرّد ذكر اسم السلطان
ستنخلع له القلوب
رعباّ ، فيرحلون من حيث أتَوا ، وإن كان ذلك لاينكر وجود
بعض الرجال
البواسل من
سكان الإسكندرية مع السيد محمد كريم
الدفاع عن
مدينتهم ، حتى أصابوا
بعض الجنود الفرنسيين ببنادقهم
وأسلحتهم ، بل جرحوا كليبر نفسه ومنويل، وكاد نابليون ذاته أن
يُغتال برصاصة
صوِّبَت إليه
من أحد المنازل ،
فقُتل نحو أربعين وأصيب
أكثر من ثمانين
من رجال نابليون، ولكن الأسلحة الحديثة حسمت الموقف،
ودخلت الجيوش
الفرنسية
الإسكندرية فى(٢يوليو١٧٩٨م).
ويصف
(الجبرتى) هذه السنة بقوله
: " وهى أولى
سنى الملاحم
العظيمة، والحوادث الجسيمة،والوقائع
النازلة،
والنوازل الهائلة ، وتضاعُف الشرور ،
وترادف
الأمور ،
وتوالى المِحَن ، واختلاف
الزمن، وانعكاس المطبوع ، وانقلاب
الموضوع ، وتتابُع
الأهوال ، واختلاف الأحوال، وفساد التدبير، وحصول التدمير،
وعموم
الخراب، وتواتر الأسباب ، وماكان ربّك مُهلك
القرى وأهلُها مُصلِحون".
______________
حامد
حبيب_مصر
حامد حبيب