حامد حبيب
لماذا تخلّص أبو جعفر المنصور من أبى مُسلمٍ ؟)_
_ماسرّ نصيحة أبى العبّاس
(السفّاح)لابنهِ المنصور
أن يقتلَ أبا مُسلِم ؟
............................................................
_ ألم يكن (أبو مُسلم الخُراسانى) هو الذى قاد ثورة
العباسيين ضد الحُكم الأموى ،
وإليه يرجع الفضلُ فى قيام دولتهم ، وأول
من رفع رايةَ العباسيين،
وأشعل نار الثورة
ضد بنى أميّة
فى خُراسان ،
وخاضَ أشرسَ معركةٍ استمرت
حوالى ستةَ أشهر
_فى شمال الشام_ ضد (عبد الله بن على)؟
_نعم ....فعل( أبو مسلم ) كل ذلك لنِصرة
الدعوة العباسية.
_لكنَّه ازدادت خطورتُه
بعد هذا الانتصار على(عبد
الله) ، فتمادى فى
زهوه وفخاره ،لدرجة أن قاده غرورُه لتحدّى الخليفة (المنصور) ،
حين أرسلَ إليه
(أبا الخصيب) ليُحصِى عليه المغانم التى أحرزها بعد
هزيمة ( عبد الله بن على ) ، فتعرّضَ
له أبو مسلم بلسانِه وشتمَه ، وأرادَ قتلَه
، لولا أن تدخّلَ
بعضُ خاصّتِه فخلّى سبيلَه.
_ لقد أسرف (أبو مسلم) فى قتل
الأبرياء والتخلص من بعض كبار الدولة ، لتُصبحَ السيطرة مُركّزة فى يدِه وحده.
_وصل به غروره وزهوه أن يستخفّ بالمنصورة وهو
مازال وليّاً للعهد ، فيكتب
له : "من أبى مسلم لأبى
جعفر" ، وحين خرج (المنصور) أميراً للحج
، وأبو مسلم وأتباعه
معه ، لم يُعطِ
المنصور اهتماما ، ويتصرّف كما لو
كان هو الأمير ، ويُسارع فى تقديم
الهبات والأُعطيات ، ويأمر
بإصلاح الطُّرق ، حتى أصبح ذكر
(أبى مسلم) على كل لسان ، حتى
تقدّم بموكبِه على موكب
(المنصور) وهم فى
طريقهم للحج ، وعند العودة
، أسرع بالرجوع ولم
ينتظر المنصور.
_ولما مات الخليفة أبو العباس (السفاح) كانت رسالة
تعزيه المنصور جافّة ، كما
لم يهنئهُ بالخلافة
كما جرت عادةُ الرسائل فى مثل تلك
المناسبات ، ثم أنّه
أسرع بالعودة لموطنه
، مما أظهره بصورة الطامع فى الخلافة.
_ازداد خوف(المنصور) من أبى مسلم _أيضاً _ عندما
قام الأخير بتقديم اسمه على اسم الخليفة
المنصور
نفسه فى الرسائل التى كان يرسلها إليه.
_ هنا تنبّه (المنصور) إلى ضرورة
التخلّص من أبى مسلم ، ورسّخ
الفكرة فى ذهنه ماتذكّره من كلام أبيه
حين حثّه على قتله ،خوفاً من خروجه عليه،فقال له
"أطِعنى واقتُل أبا مسلم ،فواللهِ إنّ فى رأسه لغدره".
_انتهز (المنصور) وجود( أبى مسلم)فى شمال الشام
وأشاد أن يمنعه من العودة لخُراسان ،
حتى لايُفسد
عليه أهل تلك البلاد، فعيّنه والياً على الشام ومصر ،
وأرسل له يستقدمه ، فاستشعر (أبو مسلم) الغدر ،
فامتنع وكتب للمنصور:" إنه لم يبقَ لأمير المؤمنين_
أكرمه الله_عدوّاً إلا أمكنه اللهُ منه
، وقد كنا نروى عن ملوك الساسان (الفُرس) : " أن أخوف
مايكون الوزراء إذا سكنت الدهماء ، فنحن نافرون من قُربِك
حريصون على الوفاء بعهدك
ماوفيت، أرضاك ذلك فأنا أحسن عبيدك ، وإن
أبيت إلا أن
تُعطى نفسك إرادتها ، حريّون بالسمع والطاعة غبدير أنها من بعيد
حيث تقارنها السلامة.."وهو بهذا قد عارض المنصور
فى رسالته ، وأوحى إليه أنه يستشعر مايدبّره له فى
الخفاء ، فكتب له المنصور يهدئ من
رَوعه ، بل إن
المنصور طلب من شيوخ بنى هاشم أن يكتبوا إليه
يحذّرونه من المعصية
ويحرّضونه على الطاعة وتقديم
فروض الولاء للخليفة والاعتذار له
. وهذا ماجعل أبو مسلم يزداد ريبة ، فغضب
المنصور وزاد
حنقه على أبى مسلم ،فأرسل له(أبا حُمَيد المروروذى
ليكلمه باللين،فذهب ومعه نفرٌ من أصحابِه ،وأحسنوا
الكلام معه،ويعظّمون مكانته عند الخليفة ويطمعونه
ويغرونه ، لكن (أبا مسلم) لم يلِن
، خاصة بعد أن نصحه أتباعه بعدم الذهاب للخليفة وخوّفوه من
هذا
الأمر، فردّ على(أبى حُمَيد)وقال له :"إرجع لأصحابك
فليس مِن رأىٍ
أن آتيه "..عندئذٍ أبلغه (أبو حُميد)
رسالةَ تهديد ، فلما سمعها ى(أبو مسلم) وجم طويلاً، وانهزم رُعباً .
_حينئذٍ استمال المنصورنائباً لأبى مسلم فى خراسان
وأوعز إليه بالخروج على أبى مسلم ، ومنّاه
بالولاية
مكانه ، فأخذ هذا النائب يُحرّض
( أبا مسلم ) على
الذهاب لأبى جعفر، وتقديم الاعتذار
له ، وهو يعلم
ماذا ينتظره هناك.
_ وذهب أبو مسلم للقاء المنصور،الذى انتقل
المدائن
على نهر دجلة، ليكون قريباً منه أثناء وصوله،وأرسل
له وزيره (أبا أيوب) ليستقبله
، وأرسل( أبو أيوب) رجلاً يثق به لِيبلغ
أبا مسلم بما أعد له الخليفة من خيرٍ كثير ،فلانت أسارير أبى مسلم وهو مُقبل
على
المنصور ، وزيادة على ذلك أمر المنصور
الناس أن
يرحّبوا به ويحسنوا استقباله ، حتى تزولَ مخاوفه،
فأكرمه المنصور وقرّبه من مجلسه ، وأعد
له خيمة
ليستريح بها من عناء السفر.
_ وعندما عاد ( أبو مسلم ) لمجلس المنصور ، وكان متوشّحاّ
سيفَه،استدرجه المنصور وجرّده من سلاحه
بحجة رغبته فى
رؤية هذا السيف الذى غنمه أبو مسلم من عمه (عبدالله بن على) ،
وأخذ المنصور يُقلّب السيف
بين يديه ثم
وضعه تحت وسادته ، وبذلك أصبح(أبو
مسلم) تحت رحمة المنصور الذى
أخذ فى محاكمته عن كل صغيرةٍ وكبيرة، وكان أبو مسلم يعتذر عن كل تهمة ويبرر
الأسباب، لكنه ضاق
بتلك التُّهم ،فقال للمنصور : "مثلى
لايُقال له هذا ،
بعد بلائى وماكان منى ؟
فأجابه المنصور :"ياابن
الخبيثة ، إنما عملت ماعملت فى دولتنا وبريحنا،ولو
كان ذلك إليك ماقطعت
فتيلا (وهو يقصد
أيضاً الأموال الكثيرة التى غنمها
والمكانة التى وصل إليها) ، فكبُِر ذلك
على أبى مسلم وانفجر قائلاً
:
" دع هذا فإنى أصبحتُ
لاأخافُ إلا الله " فشتمه المنصور
، وصفّق بيده ، فخرح الحُرّاس
من خلف الستار ، وانقضّوا على أبى مسلم وضربوه بسيوفهم
فقتلوه، ولفّوه فى بساط وألقوه فى نهر دجلة، وكان
ذلك فى يوم (٢٥شعبان١٣٧ه/فبراير٧٥٥م)
، وخرج
الوزير (أبو أيوب) وصرف حاشية أبى مسلم وأتباعه
الذين جاءوا معه ، قائلاً لهم أن أبا مسلم فى قيلولة مع أمير المؤمنين ، وأمر
لهم بالجوائز فانصرفوا.
_ وهكذا استطاع( المنصور) التخلُّص
من أبى مسلم الذى رأى فيه خطراً كبيراً على دولته ، وعلى حُكمه.
* مابين البداية والنهاية حكايات ،
ومن التاريخِ عِبر
وعظات..
ومَن وعى التاريخَ
بصدرِهِ
أضافَ أعماراً
إلى عُمرِهِ
_______________