مِصرُ عبرَ الأزمان)_______"٥"
---------------------
=الأهرامات وسِرُّ بنائها=
---------------------------
كان تديُّن المصريين وخوفهم من الله هو مفتاحَ
حضارتِهم وسرَّها..لقد كانوا ينظرون إلى الدنيا باعتبارها معبراً للحياة الثانية.
فقد عرف المصريون
منذ القِدم جوهر الأديانِ كلِّها ، وهو الإيمان
بالأمورِ
الغيبيّة ، كالبعث بعد
الموت والحساب على ماقدّمت
يدُ الإنسان فى هذه
الدنيا،ثم الثواب والعقاب ، فإمّا
إلى جنة أو إلى نار.
وإذا كان القرآن الكريم
قد تحدَّث كثيراً عن الميزان
الذى تُوزَن به أعمالُ
الإنسان ، كما فى قوله تعالى :
((فَمَن يعملْ مثقالَ
ذرّةٍ خيراّ يرَه، وَمَن يعملْ مِثقال
ذرَّةٍ شرَّاً يَرَه
)) ،
فإنّ قدماء المصريين
بِلُغتِهم
التصويرية، قد صوَّروا
الميزان على جدران قبورهم
وقد وُضِعَ
فى إحدى كفّتيه قلب إنسان ، بما يعنى
عندهم، أن
الحساب مقرونٌ فى حقيقته
بنوايا
القلوب ، وأنّ الله
لاينظر إلى ظاهر الأعمال، إنما بما
انطوت عليه القلوب .
فالحقيقة.......أنَّ إيمان
المصريين القُدماء هو ما أوصلَهم
إلى درجة جعلتهم يفعلون المعجزات التى
لولا هذا
الإيمان ماقاموا بما قاموا به ، وعلى رأس
هذه المعجزات بناء
الهرم.
وإنَّ الأصوات التى ارتفعت من حين لآخر ، تحاول
_على ضوء مقاييس العصر
الحديث_أن تحكُم على
صواب هذا العمل، وأن
تتّخذ منه رمزاً على الطُّغيان
والاستبداد ، فإنَّ الجواب هو : ماكان
لشعبٍ يرزخ تحت أثقال الظلم ، أن ينهض بهذا العمل الجبار ، ولا
أن يجدَ العقول المُبدعة التى تُبدعه ، فما كان لهذا
الجمال والإبداع أن
يصدُر عن نفسٍ مقهورة ، مغلولة
على أمرها......إنما هو
شعبٌ مؤمن بفكرة
الخلود
وتوفّرت لديه
العزيمة على تحدّى
الزمن وعوامل الفناء. فالحق أن بناء الأهرام
يجب أن يُنظَر إليه
على أنّه
رمزٌ لعظمة الإنسان
فى كل زمان ومكان، فكما تحاول كل أمّا أن تبنى بناءً يرمز لما وصلت إليه
من قوّة واقتدار ، فيجب اعتبار الأهرام رمزاً ناطقاً
على عظمة واقتدار
الإنسان المصرى.
والحقيقة أن فكرة
الأهرامات، قد سُبقَت بنماذج صغيرة ، كأهرامات ميدوم ودهشور بالجيزة ، فى
عهد الملك(سنفرو) والد
الملك(خوفو)، إلاّ أنّ خوفو
استفاد من خبرة رجال أبيه ، وماتوفّرَ
له مِن سعةِ
السلطان ، وماتوفّر فى
عهده من الإمكانيات المادية
والكفاءات الفنية مالم
يتوفّر لأحدٍ من سابقيه، وهذا
مامكّنه من بناء
أخلد ماعرفت الدنيا من مُعجزات
ويكفيه أنه هو الذى
مازال باقياً من معجزات الدنيا
السبع.
________(بناء الهرم
الأكبر_هرم خوفو)____
بُنىَ الهرم الأكبر على مساحة (١٣فدّاناً) ،
وارتفاعه
الأصلى(١٤٦متراً)أو أقل
قليلاً، وقاعدته مربّعة يبلغ
طول أحد أضلاعها (٧٥٠
قدَماً)..واستخدم البنّاءون
فى بنائه_على مايُقال_
مليونَين وثلاثمائة ألف كتلة
حجر ، تراوحت زِنةُ
الواحدة منها بين طِنّين وثلاثة
أطنان ، ويصل
وزن بعضها إلى خمسة عشر طنّاً،
قُطِعَت جميعها من
الحجر الجيري من هضبة الجيزة
نفسها ، فيما
عدا الكساء الخارجى
للهرم، قطعوا
لوحاته السميكة من
الحجارةِ الرملية ، كما كُسيَت بعض حجرات المدفن بالأحجار الجرانيتية.
وقد روى(هيردوت) أنّ
المصريين قد استعملوا الحبال والبَكر لرفع الأحجار، وبالفعل فإن حفائر الجامعة
المصرية قد عثرت على بكَرَتَين بجوار الأهرام،ومنهم مَن اعترض على ذلك مُقَرّراً
أنهم
استخدموا المزالِق(الطريق المنحدر)..وفى رأيى
أنهم استخدموا
الإثنَين ، ففى عمليات
البناء يستخدم البنّاءون ماأمكنهم فى تسهيل عملية البناء.
وكان عدد
الذين استُعملوا فى
بناء الهرم نحو
مائة ألف ،
كانوا يعملون لمدة ثلاثة
أشهر ، ثم
يُستَبدلون بغيرهم. ولم
يجد علماء الآثار مبالغة فى
هذا الرقم ،بسبب عملية
الاستبدال تلك.
ومن عجائب الأقدار أنّ
جُثةَ ذلك الملك الذى بنى
أعظم بناء وأخلدَ معجزة
على مرّ الظهور لم يُعثَر عليها حتى الآن، ولم يُعثَر له إلا على تمثال عاجى
صغير فى أبيدوس، محفوظ
فى متحف القاهرة .
________________(سنواصل
إن شاء الله)
مَن وَعَى التاريخَ
بِصدرهٍ أضافَ أعماراً إلى عُمرِه
_______________________
حامد حبيب _مصر