مِصرُ عبرَ الأزمان)_______"13"
---------------------
=من الأسرة الثامنة عشرة=
★ أخناتون ★
تولّى( أخناتون) ابن أمنحُتب الثالث عرش مصر
وهو لم يتجاوز الحادية
عشرة من عمره، وتزوّج
(نفرتيتى).....وقد كان
مُقَدّراً له أن تصلَ عقيدةَ
التوحيد على يديه
ذُروتُها ، بحيث يعتبره البعض
من الأنبياء
والرسل. وبرغم أنّ فكرة التوحيد لم
لم تكن بعيدة عن أذهان
المصريين، وخاصة رجال
الدين منهم ، إلاً
أن فكرة التوحيد التى أتى بها
أخناتون ، قامت على
محاربته للمعبودات القديمة
خاصة "آمون"
باعتباره أشد نفوذاً ، فراح يُحطّمَ
تماثيلَه ويمحو اسم
أبيه نفسَه ، ويُغيّر اسمه من
أمنحتب الرابع
إلى(أخناتون)، أى التابع لآتون،حيث
لم يستعمل
الإسم المألوف لإله
الشمس (رع)
واستعمل اسماً يدل على
قرص الشمس، وهو "آتون"
ليكون رمزاً على
الألوهية المطلقة التى تزيح أمامها
تعدّد الآلهة
، وتقضى على تلك
الآلهة التى كان يعبدها المصريون، حيث كان لكل قرية معبود،
ولكل
مدينة معبود، ولكل
إقليم معبود، فجعل الآلهةَ إلهاً
واحداً ، ممّا أوقعه فى
صدامٍ كبير مع كهنةِ منف ،
الذين جعلوا
من"بتاح"خالق الكون وقوته المحرّكة
وعقله المدبّر الذى
يقول الشئ كُن فيكون...."بتاح
العظيم" فؤاد
ولسان المعبودات...كما وقع فى صدامٍ
آخر مع مصريىّ ذلك
الزمان، الذين اعتبروا أخناتون
مُلحداً ومُنحرفاً
، ولسانُ حالهم يُردّد
قول كفار قريش : "أجَعَلَ الآلهةَ إلهاً
واحداً ، إنَّ هذا
لشئٌ عُجاب"...وكان يصدمهم كما صُدِمَ كفار قريش كذلك
أنّه لم يقف عند حدّ
الدعوة لإلهِه ، بل تحدّى
باقى
الآلهة،وقرر أن يمحو
أسماءهم ، وكان يفزعهم أكثر
بالمساواة بينهم
وبين النوبيين والسوريين ، وأن يذكر أسماء
هؤلاء قبل ذكر المصريين ، وأن الله يرعى الجميع على السواء...فكانت دعوة للمساواة
بين الناس على اختلاف
ألوانهم وجنسهم ، وإلغاء
التمييز العنصرى ، ووضع
حدٍّ لتعالى ناس على ناس.
واعتبار
"آتون"إلهاً يسوّى بين الناس،ولم تُنسَب إليه
إلاّ آيات الرحمة على
عباده وحنانه وبرّه بهم.
_وهذا الذى جعل أخناتون
فى نظر الكثيرين هو :
نبىّ الدعوة إلى الحب
والسلام وشجب العنف بين
البشر...لذا ، رغم أنه
كان ملك إمبراطورية يجلس على عرش دولة قامت على السلطان والقمع والردع
وتجييش الجيوش، إلاّ
أنه لم يغيّر موقفه،عندما بدأ
منافسو مصر _فى ذلك
الزمن_من أمثال الحيثيين
الذين ازدهر
ملكُهم فى هذه
الحقبة ، يحاولون
فرض سيطرتهم على دويلات
آسيا ، فى أن يتخذ
موقفاً منهم
، أو يستثيره ذلك
لردعهم ، بل آثر التسامح والسلام،
حتى جاء فى إحدى رسائل "تل
العمارة" على لسان
أعيان مدينة"تونب" بعلبك يستغيث قائلاً:"إنّ تونب (بعلبك)تبكى
ياسيدى بكاء
مُرّاً، ولاتعتب لها،
لقد ثابرناة على إرسال الخطابات
لسيدنا ملك مصر مدة
عشرين سنة ، فلم تصل إلينا
منه كلمة واحدة"
ولم يظهرنا التاريخ
على ردّ
أخناتون على هذه
الرسائل...وسقوط سوريا ولبنان
فى يد
الحيثيين...وهاجمت قبائل "الخابيرو" مدنَ
فلسطين الجنوبية ،
وأرسل الوالى المصرى ببيت
المقدس آخر
صرخة لأخناتون لإنقاذ
آخر مابقى لمصر من ولايات فى آسيا قائلاً:"ستضيعُ جميع أرض
جلالتك ...لقد كانت
سفُن جلالتك الساعد القوى فى
بسط سلطتك على بلاد
النهرين وكدش ، أما الآن
فقد احتل
بدو الخابيرو بلاد
فرعون ، ولم يبقَ لسيّدى والٍ
يُطيع ، فالكُلّ عُصاة.....لِيحترس الملك
على قطائعه وبلاده
وليُرسل المدد.،لأنه إذا لم تصل
جنود هذه السنة ذهبت
ممتلكات جلالة فرعون سُدى
_ومع انفصال أجزاء الدولة تنفصل عن آسيا ، زاد مقت الشعب الذى لم يفهم فى أى
وقت هذه الدعوة
الجديدة التى
جاء بها أخناتون ، والتى خالف بها
كل تقليد....وكانت هذه
فرصة كهنة آمون ،
لكى يؤجّجوا نيران الثورة
ضد أخناتون وضد
إلهه،
فاجتمعت عناصر
السخط الوطنية والدينية ضد
أخناتون،فاندلعت
نيران الثورة ضد أخناتون ، فلم
يلبث أن عُزِلَ بعد
حُكم دام سبعة عشر عاما،أى عام
١٣٥٠ق.م، ولم يلبث أن
مات، ولايُعرَف كيف مات......
فقد عُبِثَ بِجُثّته
،حيث لم يُعثَر لها على أثر ، حتى
التوابيت التى قالوا
إنها لأخناتون، لم تكن بها جثّته.
ولكن شاء القدر أن تكون
المقبرة الفرعونية الوحيدة
التى وصلت بأيدينا
من قِبَل أخناتون ، هى مقبرة
صهره_زوج ابنته_ "توت عنخ آمون" التى اهتزّت
الدنيا كلها بروعة
مافيها من آثار، لِيُقَدَّر للملك النبى
"أخناتون" أن
تُنشَر تعاليمه من جديد ، ويصبح لها
ملايين المُعجبين.
_كما أحدث "أخناتون" ثورة فنية ، حيث خرج
على الأصول التقليدية القديمة
المُعتَرَف بها ، وهو ألاّ
يُصوَّر فرعون إلاّ
فى صورة متناهية
فى القوة والصحة والشباب، وأن
لا يظهر معه إلا من
يليق
بقداسته..(تلك هى الصور
التقليدية القديمة)_____
أما هو فقد طلب من
المصوّرين أن يكون فنّهم طبق
الأصل مع الحقيقة،
فالفن القديم، فيه مبالغة وبُعد
عن الحقيقة ، أما
الفن فى عهده فهو فن صادق واقعى. فصوّر الفنانون أخناتون فى
بساطة،بلا تكلُّف
مُحبّاً لأولاده
وزوجته...وكان من آثار فنّانى هذا العهد الخالدة، تمثال (نفرتيتى)زوجته، والذى
يُعتبَر
أجمل قطعة من النحت فى
العالم على الإطلاق.....
وهو ما يدل على أنه
كانت هناك ثورة فنية حقيقية
مازالت آثارها شاهدة
على ذلك الزمان.
_____________
*هناك ملاحظات على ما
تقدّم :
الأولى: أن رسائل تل
العمارنة، تثبت أن (أمنحتب
الثالث) والده، وليس
(أخناتون)هو المسئول عن تفكك الإمبراطورية المصرية، لأنه_كما ذكرنا من قبل
_حكم (٣٦عاماً) ، وبطول
مدة حكمه،ضعفت همّته
وسرى الضعف إلى أنحاء
الإمبراطورية، فلم يذهب
مرة واحدة إلى سوريا،
ولاظهر فى فلسطين ولافى
فينيقيا...فليس(أخناتون
)وحده هو المسئول.
الثانية :بِغض النظر عن
مَن المسئول، فإن هذه الأسرة وعهدها، هى عهد مجد حربى، خضعت فى
ظله بلاد آسيا
وأعطت لمصر هيبتها وتقديرها ،وكان
لزاماً على
الخلفاءالتحامسة الأقوياء أن يحافظوا
على هذا المجد......وأن
دعوة (أخناتون) للتوحيد
لم يكن
لِيُنقص من شأنها
أن يكون بطلاً حربياً يحافظ على هيبة البلاد وسطوتها
، وهو الذى لم
تنقصه كل مقومات القوة
فى جيش أو موارد مالية
أو طاقات بشرية ، وأنّ
أى دعوة مهما كانت أو أى مبادئ ،لابد لها من قوة تحميها لتنجح وتنتشر وتبقى
..لذا كان الجنوح
للسلام المطلق والتسامح المطلق
عاملاً من عوامل عدم
قبول دعوته ،وإن كانت الدعوة الحقّة يجب أن تقوم على الحوار والجدل الحسن وحُسن
الإقناع، وأن يكون لها رجالٌ أقوياء
من مفكرين ومبدعين
يدعمونها، إلاّ أن الحفاظ على
هيبة الدولة فى ذلك
الوقت كان سيحفظ لها نجاح
الدعوة ..وإن كنت أعترف
أن الفكر الجمعى التقليدى
الذى تشرّب عادة
الأقدمين وتقاليدهم ،لايمكن أن
تُثنيه بسهولة عما
ألِفَه ، ليتبنّى فكراً جديداً وعقيدة تخالف عقائد الآباء ، وهو ماحدث
مع كل الأنبياء
والمرسلين والمُصلحين
المُجدّدين وهو ذاته ماحدث لدعوة (أخناتون).
___________________
مَن وَعَى التاريخَ
بِصدرِهِ أضاف أعماراّ إلى عُمرِهِ
______________________________________
حامد حبيب
____________مصر