سوار الذهب.. أسطورة
الزهد
كان يجلس دون حراسة فى مطار كراتشى؛ فلا
حاجة للزهاد وأهل الله للحراسة فعينُ الله تحرسهم، رمقه كاتب مصرى فجلس بجواره
وبعد الاستئناس قال له: «اعذرنى، أين كان عقلك حينما تركت السلطة؟! فأنت أول رئيس
عربى يترك الحكم طواعية؟»، فقال: «لم أكن مجنوناً ولا خارقاً، تركت ما لا يحق لى
لصاحب الحق فيه، السلطة لم تكن حقى، وأجريت أنزه انتخابات فى تاريخ بلادى»، قال
له: «من أجل ذلك تسير دون حراسة أو ضجيج؟»، أجابه: «نعم».
ودع السلطة ليتفرغ لما هو أعظم وأجمل
وأسلم «الإغاثة الإنسانية والدعوة الإسلامية»، وقد ضرب فى كل منهما بسهم وافر، لم
يبهر العالم بعزوفه عن السلطة فى العالم العربى الذى يأبى فيه فرّاش المدرسة أن
يغادر السلطة دون حزن واكتئاب، ولكنه بهره بتركه للسلطة ليتربع على عرش صناعة
الخير فقد أنقذ آلاف الأرواح وأطعم الجوعى وعالج المرضى والجرحى فى فلسطين
والصومال والشيشان والسودان وأذربيجان عبر المؤسسات الإغاثية التى رأسها، فضلاً عن
مساهماته فى حل النزاعات بين الدول وتحقيق السلام فى جنوب السودان ودارفور، وبين
العراق وإيران.
وهو مؤسس أول جامعة أهلية فى السودان
«جامعة أم درمان الأهلية»، وكلية «شرق النيل».
وقد أنشأ عبر المؤسسات التى رأسها 800
مسجد، و1600 مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، وكفلت مؤسساته خمسة آلاف أفريقى وأنشأت
مئات الملاجئ والمخيمات ودور الإيواء ومستشفيات اللاجئين الميدانية.
ما أشبه سوار الذهب بمانديلا، تركا
السلطة يوماً ليتربعا على عرش القلوب دهراً.
تمنى أن يُدفن إلى جوار الصحابة فحقق
الله له أمنيته وتكفلت السعودية مشكورة بنقله بطائرة خاصة، ليُدفن قريباً من جده
العباس بن عبدالمطلب ويصلى عليه الآلاف فى المسجد النبوى.
لقد زهد سوار الذهب فى السلطة والنفوذ
ليحظى بأجمل ختام لحياته، فكما أحاطته الآلاف بحبها ومودتها الخالصة أحاطت جثمانه
فى المسجد النبوى ليكون مثواه الأخير بجوار أغلى أحبته من الصحابة والزهاد.
كانت حياتك قدوة للحكام والزهاد، فليس
الزاهد الفقير الذى لا يملك شيئاً ولكنه من يملك ويزهد أمثال عمر بن عبدالعزيز
وسوار الذهب.
آه يا سوار الذهب لو وعى أولئك الحكام
الذين مكث بعضهم 40 عاماً وكان يريد المزيد، وبعضهم ظل 30 عاماً وآخرون 24 عاماً
ولم يتركوا أماكنهم إلا بثورات أكلت الأخضر واليابس.
آه يا سيدى.. إنك أسطورة فى عالم العرب،
لم يتعلم من درسك أحد، فحب السلطة أقوى من حب المال والنساء.
سوار الذهب نسيج وحده حتى إنك لتكاد
تنظر إليه وكأنه صوفى عظيم وليس «مارشال» ورئيساً سابقاً، ترى فيه حكمة جده
العباس، وتدبر القرآن كابن عباس وكأنما جينات هؤلاء قفزت عبر الأزمان لتصل إلى
الحفيد.
نشأ فى أسرة عريقة تعود جذورها للعباس
عم الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وهاجر أجداده من مكة لشمال أفريقيا فالأندلس ثم
إلى مصر، واستقروا فى أسوان ومنها إلى دنقلا حيث أسس جده الأقدم محمد عيسى مسجده
ومعهده الدينى، وهو الذى أدخل رواية أبى عمر الدورى للقرآن الكريم للسودان وكان
ذلك منذ 500 عام، كما روى المؤرخ المغربى التلمسانى الذى قابل جده.
قصة سوار الذهب عجيبة فهو مصرى المولد
سنة 1935 وتخرج فى الكلية الحربية عقب الانفصال بين مصر والسودان بيوم واحد، وكان
يرى أن «نجيب» لو بقى فى السلطة ما حدث الانفصال وأن «ناصر» تعجل الانفصال، فضلاً
عن تصرفات صلاح سالم الذى كان معروفاً بطيشه فكانت القشة التى قصمت ظهر البعير.
وكان سوار يحب مصر حباً جماً ويرى أن
أفضالها على السودان لا تعد ولا تحصى.
وهو أول من أنشأ حكماً ديمقراطياً فى
السودان ولكن الانقلاب العسكرى أضاعه إلى غير رجعة.
سلام على سوار الذهب فى الصالحين
والزاهدين، وعذراً لأن إعلامنا لم يهتم بك ولم ينتج حتى فيلماً وثائقياً عنك، فنحن
لا نعرف إلا المعادن الرخيصة وأنت سوار الذهب.
***********************
***********************