عطلة أدبية أم عطالة ابداعية
العقيد بن دحو
شأن النعامة ان قيل لها احملي قالت أنا طائر و ان قيل لها طيري قالت أنا
بعير !.
هذا المثل العالمي يضرب لمن يتحجج لاتفه الأسباب ليتقاعس عن عمله او يتماطل
عنه.
فهو ايضا يقاس على عمل بعض الادباء عن الكتابة صيفا بحكم أن فصل الصيف صيف
عطل و استجمام و السعي البخث فيه عن الراحة الجسدية و النفسية ؛ يبطل فيها عمل
العقل و تراسل الحواس و تداعي الخواطر و الافكار بالوعي و اللاوعي !
تراه أيضا يتحجج اذا ما حل شهر رمضان الفضيل ، شهر العبادات و الاداب ،
المصلى الديني و المصلى الفني. يلجأ الى الكسل و النعاس طيلة الوقت و هكذا يفوت
الاديب على نفسه اللحظات المسحورة البديعة ، تلك اللحظات التي يختطفها الفنان في
مجرى الزمن لفظا و لحظا و اشارة. فيخطها على الورق اشعارا ام قصصا ام روايات ، أم
الوانا ، على لوحة زبتية تسر الناظرين ، أم نقشا على الحجر تمثالا آسرا ساحرا.
اما اذا ظل بهذه الحالة فهو حقا
لا يطير و لا يحمل !
أربع ساعات نوم تعني النجاح و خمس ساعات نوم تعني الفشل ( مثل يباني).
فمتى يكتب الأديب وقتئذ !؟
صحيح كما يقول عميد الأدب العربي د. طه حسين : فصل الصيف فصل الكلل و الملل
؛ لكن هذا لا يجعل المبدع يتوقف عند موسم معين أو فصل معين أو شهر معين حتى يكتب و
قد تفوته الاحظة الإبداعية ؛ بل لحظات ....و لا يكتب بالمرة .
قد تجعله الحالة ينتظر شتاءات الشاعر السيريالي (ملارميه) ليكرر مأساة
(هيرودياد) He
érodiade
السيريالية.
الإبداع لعبة الله كما تقول الصوفية الادبية اينما ادرت وجهك ثمة وجه
الله ، و أين أدرت وجهك قي أي زمان و في
أي مكان ثمة يكمن الخلق و الإبداع.
كل شيء بالمزاولة كما كتب بياس الحكيم في معبد (دلف) أو / (دلفي) اليوناني
مما قبل الميلاد . بمعنى زاول الشعر تكون شاعرا ، زاول الرسم تكون رساما ، و زاول
فن التمثيل تكون ممثلا و هكذا دوليك....!
يجب على المبدع الحقيقي ان يكون جادا مجتهدا ، نشطا ، مستعدا للحظات
الإبداعية التي هي كالقضاء و القدر لا تعلم صاحبها متى تهب رياحها و بالتالي
يُضيّع المبدع الكسول غنائم و أسلاب شياطين شعره و فنونه ليغتنمها ، و يلقي عليها
بكل قواه و يقيدها وقتئذ كما يشاء حسب الحالة المتواجد عليها.
أما اولئك المبدعون الذين ينتظرون الفصول و الشهور المكيفة المخملية لم تعد
كذلك ؛ بل جميع الفصول صارت فصلا واحدا ؛ و جميع الشهور صارت شهرا واحدا في ظل
التقلبات و تغيرات المناخ العالمي و انتشار ظاهرة (النينيو).
صحيح نعلم تأثير الجغرافيا على الظاهرة الادبية عموما ، و نعلم ان الحضارة
شُيّدت على شواطئ البحار (بن خلدون) ، لكن هذا لا يمنع المبدع أن يصنع الجميل حتى
ان كان في غير موضعه .
اذن لا نقول هي عطلة ادبية و كأن الاديب مخير فيما يكتب أو فيما يبحث عنه.
يكتب متى شاء ؛ و كأنه سلطان حواسه و أخاسيسه و يتحكم فيها كما يتحكم في
آلياته و معداته اليومية ، انما هي عطالة ابداعية و بالتالي فاقد الشيء لا يعطيه
لا بالصيف و لا بالفصول الاربعة ، و لا في شهر رمضان و لا بالشهور الاثنى عشر.
الاديب المبدع الفنان كمروض الوحوش الضارية بالسيرك أو كذاك البهلوان على
الخشبة أو الحلبة مجبر أن يتدرب طيلة ساعات الوقت اليومي ، حتى لا ياتي زمن العرض
يسقط على أم رأسه و يُدّق عنقه....!
صحيح الكتابة عموما تدل على الخسارة ، و فقر الدم (الانيميا) ، العرق و الجهد ، الموسومة
ميثولوجيا العبقرية الجربحة (فيلوكتيت) أو / (فيلوكتيتيس) لكن في تلك الخسارة يكمن كسب النجاح ، من حيث
النجاح يجر النجاح.
فهل هي عطلة مدفوعة الكسل أو عطالة عزمها الفشل !؟
