الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون (8)
الحلقة الثامنة
عزة عبدالنعيم
قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ
وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا
فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) المائدة
يخبرنا الله تعالى عن أهل الكتب من أهل القرآن والتوراة والإنجيل، أن
سعادتهم ونجاتهم في طريق واحد، وأصل واحد، وهو الإيمان بالله واليوم الآخر (
والعمل الصالح ) فمن آمن منهم بالله واليوم الآخر، فله النجاة، ولا خوف عليهم فيما
يستقبلونه من الأمور المخوفة، ولا هم يحزنون
فالآية الكريمة تبين أن أساس النجاة يوم القيامة هو الإيمان بالله واليوم
الآخر، وما يستتبع ذلك من أفعال طيبة وأعمال صالحة.
وقد ذكر سبحانه في هذه الآية أربع فرق من الناس:أما الفرقة الأولى: فهي
فرقة المؤمنين، وهم الذين عبر عنهم سبحانه بقوله : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا أى:
آمنوا إيمانا صادقا، بأن أذعنوا للحق الذي جاء به محمد صل الله عليه وسلم واتبعوه
في كل ما جاء به.
وقد ابتدأ القرآن بهم لشرفهم وعلو منزلتهم وللإشعار بأن دين الإسلام دين
قائم على أساس أن الفوز برضا الله لا ينال إلا بالإيمان الصادق والعمل الصالح، ولا
فضل لأمة على أمة إلا بذلك.
والفرقة الثانية : فرقة الذين هادوا.
أى اليهود.
يقال : هاد وتهود إذا دخل في اليهودية.
وسموا يهودا نسبة إلى يهوذا أكبر أولاد يعقوب- عليه السلام- وقد قلبت الذال
في كلمة يهوذا دالا في التعريب.
أو سموا حين تابوا من عبادة العجل من هاد يهود هودا بمعنى تاب ومنه
قوله-تبارك وتعالى- إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ أى: تبنا ورجعنا إليك.
والفرقة الثالثة : فرقة الصابئين جمع صابئ وهو الخارج من دين إلى دين.
يقال صبا الظلف والناب والنجم- منع وكرم- إذا طلع.
والمراد بهم قوم يعبدون الملائكة، أو الكواكب ويزعمون أنهم على دين صابئ بن
شيث بن آدم، ولا تزال بقية منهم تعيش في تخوم العراق، ومن العسير الجزم بحقيقة
معتقدهم، لأنهم أكتم الناس لعقائدهم.
وأما الفرقة الرابعة : فهي فرقة النصارى جمع نصران بمعنى نصراني قيل سموا
بذلك لأنهم ادعوا أنهم أنصار عيسى- عليه السلام- وقيل سموا بذلك نسبة إلى قرية
الناصرة التي ظهر بها عيسى- عليه السلام- واتبعه بعض أهلها.
والإيمان المشار إليه في قوله : مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
يفسره بعض العلماء بالنسبة لليهود والنصارى والصابئين بمعنى صدور الإيمان منهم على
النحو الذي قرره الإسلام.
فمن لم تبلغه منهم دعوة الإسلام، وكان ينتمى إلى دين صحيح في أصله بحيث
يؤمن بالله واليوم الآخر ويقوم بالعمل الصالح على الوجه الذي يرشده إليه دينه، فله
أجره على ذلك عند ربه.
أما الذين بلغتهم دعوة الإسلام من تلك الفرق ولكنهم لم يقبلوها فإنهم لا
يكونون ناجين من عذاب الله مهما ادعوا أنهم يؤمنون بغيرها لأن شريعة الإسلام قد
نسخت ما قبلها، والرسول صل الله عليه وسلم قال: ( لو كان موسى حيا ما وسعه إلا
اتباعى )
و العمل الصالح صالحا لمعاده قولا و فعلا فى الأخلاق و الأمانة و التعامل
مع القريب و البعيد و كل خلق يشمل العمل الصالح
وقوله : فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ بيان لحسن عاقبتهم،
وجزيل ثوابهم.
أى.
فلا خوف عليهم من أهوال يوم القيامة بل هم في مأمن منها، ولا هم يحزنون على
ما مضى من أعمارهم لأنهم أنفقوها في العمل الصالح .
و نلتقي في الحلقة القادمة ب أمر الله
عزة عبدالنعيم