انقذوا المكتبة المدرسية من تلافيف متاهات الأرشيف
العقيد بن دحو
" أن المتحف كفيل أن يجعل الصليب يغدو أن يكون نحثا ".
كم تنطبق هذه المقولة الحكمة اعلاه للتربوي المفكر الناقد (مالرو) على حال و مآل المكتبات داخل المؤسسات التربوية
، لاسيما قسم الإعدادي / المتوسط و الثانوي .
و اذا كان التسيير السيئ للمكتبات داخل الوسط التربوي هو هكذا....فإن
الأسوأ منه الكتاب المدرسي ، يوم أن صُنِّفَ
ضمن النشاطات اللاصفية.
و اذا كان الصليب قد صغر فدره و شأنه ، و حط من مرتبة الشرف الإجتماعي و
التقديس الديني عند الإخوة المسيحيين ، ساعة ما أًدخل المتحف فبالمقابل الكتاب
بالمكتبات المدرسية لم يعد كذلك يوم ادخل في دهاليز الأرشيف المدرسي انسا منسيا
الى اجل غير مسمى !.
لم أصدق يوما حين ادخلني زميلا لي الى أرشيف مؤسسته التربوية و لم أصدق ما
رأته عيناي و ما لمسته يداي ، كنت شاهدا على اغتيال الكتاب داخل هذا القبو أو
السرداب الأرشيفي !
كيف لكتاب تنويري في الفكر و الادب و الثقافة ، و انا امسح الغبار على
غلافه ، سمعت أناته ، معاناته ، شعرت بإستغاثته !
أيعقل أن تكون مثل هكذا قوانين ، مثل هكذا تشربعات ، مثل هكذا مساطر تحيل
الكتاب داخل هذه المؤسسات الى العلب الكرتونية الارشيفية ، تحيل الكتاب بعد خمس
سنوات سواء قورئ أم لم يقرأ الى فعل (الأرشفة) بشقيها الأرشيف الميت و الأرشبف
الحي !.
كتب جديدة تنزلق الى ما يميز
الملفات و الوثائق ، تصنف و ترقم ثم تزج الى مثواها الاخير ، الى أفول لا يؤوب منه
مسافر.
صحيح الإشكال اخلاقيا بالمقام الأول ؛ ذاك المشرع المدرسي الذي سنّ و شرع
قوانين تحيل الكتاب وتنقله بعد مدة من المكتبة المدرسية الى الأرشيف المدرسي على
جدته و شدته وجودته. تعامل مع الكتاب كقيمة مادية كتلة و مساحة و حجما ولونا ، و
لم يتعامل معه كقيمة انسانية لا تقدر بثمن. اين المؤلف / الكاتب قدم روح روحه ، و
نفس نفسه ، و دمه قربانا في سبيل انجاز هذا المنجز الذي احيل الى الارشيف.
ألا ترى ان السيف يصغر قدره *** ان قيل السيف خير من العصا.
يعز عليّ امرا كهذا و أنا ارى التنكيل بالكتاب في مكتبات الوسط المدرسي..
كما يعز علي ان ارى مجهودات الدولة ، التي تصرف سنويا الملايين من الدنانير
خارج ميزانية المؤسسة السنويتين ، قصد تعزيز هذه المكتبات و تكون مخرجاته رفوف و
علب و صناديق الأرشيف الخشيية حتى لا أقول الإهمال !
ثانيا / لا يمكن فصل تسيير الكتاب عن الظاهرة الإجتماعية ، و عليه لا توجد
حتى الآن دراسات سوسيولوجية تتبع مسار الكتاب المدرسي أو الكتاب داخل المكتبات
التربوية.
ثم من ذاك المشرف على المكتبة المدرسية !؟
في غالب الاحيان ما تسند مهام تسييرها الى مجموعة من البنات في اطار
الإدماج المهني أو في نظم الشبكات الإجتماعية الثقافية أو متربصات التكوين المهني.
المكتبات علم قائم بذاته ، له منهجه العلمي الخاص ، كما أن الكتاب غايته
الأولى و الاخيرة أن يصل الى الجماعات التربوية ، و ان يشكل ذاك الحوار الحضاري مع
التلميذ أو / الطالب ؛ بغية ان يعلم ، أن يثقف ، أن يمتع ، ان يهز ، أن يذهل ، ان
ينشر الوعي و الفن و الادب و الحب و الجمال في أنفس الطلبة. ما يجب ان يتعلموه بعد
أن يكونوا قد تعلموا كل شيء !
خير جليس في الأنام كتاب *** تلهو به ان خانك الأحباب
لا مفشيا سرا اذا ائتمنته *** و تنال منه حكمة وصواب.
المكتبة ليست مجرد ناديا من نوادي الترفيه المدرسي اوقاعة انتطار ما بين
الحصص او ساعة عقوبة يقضيها التلميذ متنقلا بين صور دفتي كتاب..الكتاب المدرسي
متمم و مكمل لمنجز دروس ساعات الفصل الرسمية
المقررة و المبرمجة.
كما أن المشرف على المكتبة هو تربوي تلقى تكوينا خاصا مستمرا او عدة تربصات
في هذا الشأن ، تسميه بعض الأوساط التربوية و الثقافية "بالمستشار" الذي
تعود اليه الطلبة في الإجابة الجاهزة عن اسئلة جاهزة ربحا للوقت ، كما يعتبر
الحلقة الوصل بين الفئات الإنتلجنسيا التي ألفت و أبدعت و نشرت الكتاب و
الجماعة التربوية.
المكتبي (المستشار) ليس مستشار
التربية المتعاهد عليه : هو المسؤول مسؤولية مباشرة بين إلتقاء نيّات جمهور المؤلف
الكتاب و نيّات جمهور الطلبة..و هكذا تصير المكتبة المدرسية مرفقا لتلقي ثقافة و
فن ما درسه التلميذ أو الطالب اثناء تنظيمه التربوي المخصص زمنيا و منهجيا.
المكتبي المستشار هو بمثابة البارومتر Barometric التي وفقه
يتم رصد و سبر مدى مقروئية كتاب كعمل رابع في مجمل سوسيولوجية الأدب المدرسي ؛ أين
يطرح جمهور قراء الوسط المدرسي اشكالات و تأويلات جمة.
...تصير المكتبة محببة للطالب و الحضن الدافء ، الأمل الذي يلجأ اليه من
رتابة الدروس و ضغط الحجم الساعي و كثافة الدروس و من قتامة الإكتظاظ داخل الفصل
الواحد.
1- أملنا كبير ان يعود الكتاب المدرسي في جميع المستويات الثلاث (الإبتدائي
- المتوسط - الثانوي) الى سالف عهده ، عمل صفي و ليس مجرد نشاطات اللاصفية !.
2 - أملنا أن يتم انقاذ كتاب المكتبات المدرسية بجميع اطوارها من التسيير
العشوائي غير الممنهج و المدروس.
3- انقاذ الكتاب من بعثه الى الأرشيف مهما بلغ به العمر و امتدت سنوات
تواجده على رفوف المكتبة.
من غير المعقول أن يتم الزج بالعمل الإنساني ، و بمادته الرمادية ، عصارة
جهود تفكيره الى هذه النهايات.......!