جاري تحميل ... ألف ياء

إعلان الرئيسية

إعلان

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد علَّم نفسك

 

وسوسة أدبية

العقيد بن دحو

العقيد بن دحو

كنا قد تعاهدنا الفكر الكلاسيكي من بواكير عمق اعماق ينابيعه الأولى الأدبية و الفنية و حتى الفلسفية اليونانية و الرومانية على اعتبارها محاكاة لأفعال نبيلة لكل ما هو اغريقي راق خلاق.

غير أن مع التقدم الثقافي و الحضاري للأمم و الشعوب لم تبق على تيار أدبي واحد أو مدرسة فنية واحدة أو مذهب فكري واحد لأسباب نفسية اجتماعية اقتصادية و كذا أمنية منها فكان التعدد و التجدد و التفكير و التغيير ، حسب سنة الله في خلقه .

و بما أن الحرب صارت فنا من الفنون ، و الجندي المحارب صار فنانا ، يرى و فق منطق ابليس ، أي وفق قوته التدميرية وقتئذ لا يمكن فصل الظاهرة الأدبية عن الظاهرة الإجتماعية : سعادة و شقاء ، خوف و امن ، حرب و سلم ، حب وكراهية ، غناء وفقر .....و هكذا تعيش المجموعة البشرية في دوامة من تثنية الفعل الدرامي و نقيضه.

الى ان جاءت السيريالية Surealisme ما وراء الطبيعة المذهب الوحيد الذي قام على انقاض التناقض ، و المدفعية النازية الألمانية تدك خنادق و الثخوم الامامية لعاصمة الجن و الملائكة ، باريس العاصمة الفرنسية.

المذهب الوحيد الذي كان معظم رواده ومريديه جنودا مجندة بالصفوف الأمامية في جبهات القتال ضد الغزو  النازي الألماني بحر سنة 1940. فمنهم من قضى نحبه دفاعا عن وطنه ، و منهم من قضى في سييل ادبه و فنه....وتعددت الأسباب و الإستشهاد واحد !.

لهذه الأسباب تختلف السيريالية عن باقي المذاهب الاخرى سواء تلك التي سبقتها أو تلك التي اعقبتها في الإتجاهات الحديثة و ما بعد الحداثة.

بقدر ما قدمت من التضحيات الجسام فقد انتحر (جاك فاشيه) صديق (بريتون) الشاب عام 1918  الذي أورث السرياليين الكراهية لكل ما هو تقليدي كلاسيكي ، و في عام 1929 أطلق (جاك ريفو) السكريتير النار على نفسه ، و الشخصية الثالثة كان انتحار (رينه كريفل) سنة 1953.

كانت لهذه الحالات الثلاث من الإنتحار أسبابها السياسية الإجتماعية ، حين تم المزج بين ما هو سياسي و ما هو فني ، بين المذهب السيريالي و بين المذهب الشيوعي ، بين العقل الواعي و الغقل الباطني ، بين الغموض و السحر ، بين غيرة الاديب على ادبه و اللايكون متاحا (تأييس الأيس من ليس) ، و بين التلميح و التصريح ، بين الحرية و الإنطلاق بعيدا عن أي إلتزام يفرضه العقل و المنطق و بين الخضوع الى أثار مذهب القيود ، بين الإيمان بسلطان الأحلام المطلق و بين الواقع الطبيعي....

أخيرا أختار السيريالي ما بعد (الرؤى) و ما بعد الحواس الى تداعي الحواس و تراسل الأفكار Ecolallia et Senstassias ، ما بعد الكلمة ، و ما بعد الإشارة ، و ما بعد النظرة الأولى للأشياء.  ليست فقط ما بعد الطبيعة او الواقع.

أخيرا السيريالي اختار أن يتناول الأدب و الفن ما بعد القصيدة ، ما بعد المنحوثة ، ما بعد اللوحة الفنية ، و ما بعد المسرحية . تعاهد الأبعاد السيكولوجية الأكثر عمقا والولوج في لججها و كشف ما تستر منها.

أكسر قشرة ألفاظك و أفصح عن لب الفكرة.

مضطر السيريالي ، نظرا لما خلفته الحرب في ذاته من ندوب وجراحات نفسية عميقة ارقته سنينا طوالا ؛ أقتلعت النوم من عينيه أن يهجر كل ما يلمسه يتحول الى (ذهب) في اشارة الى أسطورة (ميداس) اليونانية ، و يعانق السحر و الغموض . بعيدا عن العقل و التعقل ، بعيدا غن "النسبية" ، عن النسبة و التناسب ، عن قوانين الجذب العام و الوزن الثقلي ، بعيدا عن ابتسامة الموناليزا ، بعيدا عن سيمفونية بتهوفن التاسعة ، بعيدا عن قصيدة أزهار الشر لشارل بودلير ، بعيدا عن قصيدة شتاءات الشاعر ملارميه "هرودياد" ، بعيدا عن دم شاعر ، عن أونتجون ، عن اورفيوس ، عن بيجماليون.

كل ما في الأمر اعاد اكتشاف هذه التحف الفنية الخالدة من الداخل و بث فيها أرواحا و انفسا جديدة ، حديثا بألف صوت.

لم يختصر السيريالي المسافة فحسب ، بل القيم و الثوابت التي قامت عليها هذه الأثار التي كانت حتى قبل 1919 من المحرمات و ممنوع التقرب منها ، كونها (ابنة) اله أو نصف اله أو ابنة بطل قضاء و قدر لا يقهر !

السيريالي حطم صنم العبودية في الفن و الأدب و كسر أغلال و أصفاد الإطار التي وضعت فيه ، فالسيرالي جعل القصيدة طقسا مهيمنا على المشهد ككل ، يطل في غالب الأحيان برؤوسه الثلاث : الشاعر ، الكاهن ، الجندي المحارب المقاتل.

يطل برؤوسه الثلاثة : الملائكية ، النرجسية ، و الكهنوتية.

منح السيرالي معنى جديدا للكلاسيكيات و جعلها معالجات سيكولوجية مع سيڤموند فريود ، "غقدة أوديب" مع الرجل ، و عقدة أوديب مع المرأة (إلكترا).

و على الرغم السيريالية قامت على انقاض "الدادائية" Dadaisme ، حين جلس بعض رواد المذهب في اختيار اسم لتيارهم الفكري من المنجد فوقع أصبع أحدهم صدفة على كلمة (دادا) Dada و كانت تعني باللاتينية خصان الأطفال الخشبي !

هذا الحصان الخشبي المهدهد Berceuse

لم تركبه الاطفال حديثي السن و انما السيرياليين و جعلوا منه سنتورا حصانا مجنحا يطير بهم الى أعلى عليين ثم يغوص بهم في اعماق البحار اسفل سافلين (العودة الى أسطورة ديدالوس و ابنه إيكار) !

كما منحوا معنى جديدا للأسطورة عوضا ان تكون استعارة مكثفة و ابطلوا ذاك الجدال العميق الذي كان قائما بين اللغويين انفسهم : هل الأسطورة ادب أم الأدب اسطورة !؟

جعلوا من الأسطورة ذاك السحر الساحر الآسر وسط عبور ، فالليل عند العديد من السيراليين ليس سحر ميقاتي كرونومتري و انما ليل سحر عجائبي ، ليل عبور ، هو من جعل (ميلوزين) تنظر الى مرآتها ليلا و لما فتحت نافذة غرفتها نظرت الى الليل فتحولت الى جنية فضاء ، الى افعى مجنحة...طارت لتصير فيما بعد نجمة صباح Stella....وهكذا يتم مع العديد من الصور العجائبي مثل (دافني) لحظة تحولها الى شجرة !

اذن مهما يكن للسيريالية انقذت جل الكلاسيكيات من سجن القيود و الاخلاق الأسيرة التي وضعها فيه ارسطو ، و جعلتها قريبة معاشة الى ا الأنفس و طبيعة كينونتها الإجتماعية بالمستشفيات بالمتاجر بالا سواق ، الملاعب ، الماركتينج ، الإشهار..... البروبجندا.....

لا أعتقد بعد الكلاسيكيات يوجد تيار أدبي فني مثل السيريالية قدم القوافل من الشهداء من اجل أن تبقى الكلمة حلما ثم فكرة ثم فعلا.


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *