الكاتب السعودي أسامة مسلم يحطم الجدار الرابع للكتاب
العقيد بن دحو
ما حدث في المعرض الدولي للكتاب بالجزائر العاصمة كان مفاجئا للعديد من
المتتبعين ؛ بل شكل صدمة قوية للعديد
المختصين و المتتبعين المهتمين ، و هذا ما كنا نشير اليه في جل كتاباتنا
الإستشرافية.
لم يعد الحدث و لا الأثر الذي يخلفه الحدث و لا ما بعد الحدث ، انما الكاتب
السعودي اسامة مسلم الذي استطاع ان يجمع حوله المئات من الشباب ، و هذا حتى قبل
موعد توقيت افتتاح المعرض الدولي ، يهتفون و يرددون اغاني و ترانيم ترديدات بإسم
الكاتب ؛ قل نظيرها إلا في ملاعب كرة القدم.
تواجد الكاتب اسما و طباعا حطم كل
تلك الأراء التي كانت تقال حول الشعب الجزائري
، و نسبته الهائلة من الشباب 75% أي حوالي 35 مليون نسمة كونها لا تقرأ ، و
ان شغلها الشاغل و حلمها الأبدي كيف تهاجر (تحرق) الى الضفة الاخرى من حوض البحر
الأبيض المتوسط. و اذ به على بكرة ابيه
يصطف على غير العادة التي اراده عليها أن يكونه الآخر ، حول كيس حليب او
حول مغني العلب الليلية او حول سفارة اجنبية . انما من اجل ان يفوز و يحظى بكتاب
كاتب عربي ، يكتب بالحرف العربي ، يرتدي قميصا و كوفية عربية ، ياكل الثمر و يشرب
الحليب ، و يبدأ بيمينه الارز ....!
اصطف الشباب عن بكرة أبيهم من اجل ان يضفر بكتاب أدبي روائي حتى ان تجاوز
سعره 5000د.ج.
في هذه الحالة يكون الكاتب السعودي العربي أسامة المسلم حطم كل المسلمات و
الأعراف و التقاليد التي كان متعاهد عليها سير الكتاب ابتداءا من سوسيولوجية الأدب
(روبيرا اسكاربيب) الى تنظيم المعرض ذاته.
يكون تواجد الكاتب قد حطم الجدار الرابع للكتاب بأن فعلا جعل القارئ شريكا
في صلب عملية تأليف المؤلف ، قذف به في عصره الذي كان يجب ان يكون فيه ، عصر
القارئ.
و لو أن كلمة (الجدار الرابع) كلمة دراماتورجية "بريختية"
بإمتياز ، يوم نقل بربخت كرسي القاضي الى كرسي الجمهور ، و كرسي الجمهور الى
الركح. لن يتركه يغادر القاعة إلا و قد حمل معه بوادر التغيير و التفكير !
كنا نتمنى لو ان الكلمة الصحيحة التي تليق بالكتاب ابداعا وطباعة و نشرا و
نقدا وجمهورا هي المقروئية (عمل رابع) ، لكن في هذه الحالة أين يسبق السيف العدل ،
تكون الفكرة الدرامية بشقيها التراجيدي / المأسوي و الكوميدي الملهاتي اقرب منه
الى الحدث. فبقدر ما كان مشهد هذا التدافع الشباني مبهرا و مفرحا حيث اعاد العرب
جميعا الى سالف عصر الكتاب الذهبي ، و الى تلك المقولة الشهيرة : مصر تبدع و لبنان
يطبع و ينشر و المغرب ينتقد و ينقد (بتصرف) ، بل وضعنا المشهد في اريحية من امرنا
على رغم الحرب القائمة الإسرائلية المفتوحة على غزة و لبنان إلا اننا في منأى عما
اطلق عليه نخبة المفكرين العرب بحر مطلع ثمانينيات القرن الماضي " الصفر
التاربخي" يوم ضربت المكتبة القومية الوطنية اللبنانية بصاروخ طائرة حربية
اسرائبية خاصة.
الشق الثاني : بقدر ما كان الامر يبعث عن السرور و الاريحية يبعث عن القلق
؛ فليس كل ما يلمع ذهبا.
أولا / توقيت نزول الكاتب و برمجته الاسبوع الاول من افتتاح المعرض خاطئا و
يفتقد الى الدراسة و الإستشراف و بُعد النظر. فهو بمثابة الهدف القاتل بدل الوقت
الضائع في مقابلة رياضية . من غير المعقول
أن يكون الوقت الضائع الشوط الاول من المباراة !.
نزول الكاتب في هذا التوقيت اغلق (اللعبة) و أحرق المراحل على العديد من
الكتاب المحليين الذين كانوا يعقدون أملا على هذه الفرصة الحولية ، كأن تحفظ ماء
وجه حضورهم....!
الكاتب و الشباب لم يستبق شيئا ليعود
المؤلفون و المنظمون عليه ، على
الرغم من استمرارية المعرض قي نشاطه لكن تحت وقع الصدمة و الدهشة و الذهول و كذا
حجم الهائل الذي خرجوا من شواش غموضه هذا
اللامعقول من الشباب القارئ الذي لم يكن في الحسبان و متوقعا.
ثانيا / العيب كل العيب في كتابنا
تاريخيين و مؤرخين اكثر من المؤرخين ذاتهم ، خاطبوا في مجرى حياتهم الاديية فئة
معينة من المجتمع و تركوا شريحة واسعة وربها....
كتاب من جيل واحد صنيع نهج سياسي واحد موحد ، لذا تراه وفيا لصفوته و عليته
، لا يزال حاجبا يقوم بدور الحاجب قديما و حديثا.
ثالثا / ليست لنا دراسات سوسيولوجية أدبية عميقة ، و منذ الإستقلال و لا
هيئة رسمية و لا غير رسمية قامت و تبنت
بالإحصاء الادبي الشامل.
رابعا/ من اين يأتي النماء الأدبي و دار لقمان الادبية الثقافية على حالها
نفس الوجوه لنفس المكان لنفس الزمان لنفس الحدث.
لا احد يفهم ما حدث كونه جيل غير جيلكم ، جيل متصل بالعالم و ليست
بالأركائكية التي تبثها البروبجندا المريضة.
مهما يكن الحدث ذو شجون لا أتخيل بعد اليوم يوجد اديب جزائري يحترم نفسه
يجلس امام طاولة يبيع كتبه تحت مسمى البيع بالتوقيع و لا ينتظره احدا ، و يتفاجأ
بكاتب عربي خرج اليه الألاف من الشباب يهتفون بإسمه ، يتمنون لو ان جميع كتب
المعرض كانت كتبه ، هناك فقط يكمن الخلل ، على الجميع أن يمتص الصدمة و يعيد وفق
تغذية راجعة بناءة هادفة واعية استراتيجية استشرافية قومية وطنية تقييم و تقويم
الوضع ككل.
و لأن الحكمة في أي مقابلة رياضية في كرة القدم ينهزم فيها الفريق المضيف ،
صاحب الملعب في عقر داره تقتضي تغيير المدرب و الذهنية و ليس تغيير الأرجل أو
الأحذية .
الفكرة دائما في الرأس و ليست بالكراس اعادة البناء من الاساس.
هنيئا للكاتب السعودي أسامة مسلم و حظ موفق للكاتب الجزائري ، لا بد في
الأخير أن تنتصر الروح الثقافية الادبية الفنية و نتقبل النتيجة ولو على مضض !.