الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يبحث عن أطر و كفاءات وزراء حكومه عهدته الثانية
العقيد بن دحو
كم كان صادقا الرئيس الجزائري السيد عبد المجيد تبون ؛ و هذا بعد فوزه
بالعهدة الثانية الإنتخابية الرئاسية و الوطنية ، و بعد تأديته اليمين الدستورية ،
و على عكس ما تعاهد عليه الشعب الجزائري ، تشكيل الحكومة الجديدة بعد بروتوكول
اليمين الدستور ، و تقديم الوزير الأول استقالته و الشروع فورا في تشكيل حكومة
استعجالية على وزن الأدب الإستعجالي..ا
محقا الرئيس في تأجيل تشكيل الحكومة لعدة اسباب لوجستيكية استشرافيه و رؤى
استراتيجية محلية و اقليمية و دولية.
ان كان يرى في هذا التأني الواع
الوازن نوعا من التباطؤ الممل الرتيب ، و الوجوه الحالية (المستوزرة) استنفذت كل
ما عندها ، و لم يعد في امكانها ابداع اكثر مما كان ؛ هذا ان كانت أصلا مبدعة !.
أو دعنا نكون أكثر لباقة و أكثر بريستيج دبلوماسيين أكثر من الدبلوماسيين
انفسهم : الله يكثر خيرهم افدموا ما عليهم و كفوا النواب شر السؤال ! حان الأوان أن يستريحوا تحت اي سبب من
الأسباب....!
طبيعي جدا هذا التأني في تشكيل الحكومة ، و في نفس الوقت لا نقول ان البلد
أفرغت تماما من الكوادر و الأطر و الكفاءات التي تقود الحكومة و أي حكومة كانت
مترقبة ، سواء كانت ائتلافية أو تكنوقراطية أو حكومة ظل او غيرها.....
غير أن جانب كيير من الصحة ما يبرر هذا الرأي و هو أن الدولة الجزائرية منذ
مطلع تسعينيات القرن الماضي الى غاية الإطاحة بالرئيس السابق السيد عبد العزيز
بوتفليقة مرت بمرحلةخطيرة كانت كافية لسحق و طحن دولة بأكملها أقل اقداما و عزيمة
و ارادة و أمل ؛ من على وجه الخريطة
السياسية الجغرافية التاريخية الإقتصادية الثقافية ، لولا لطف الله و الحراك
المتفهم المبارك وحكمة الجيش الوطني الشعبي و سائر الأسلاك الامنية و كذا عقلانية
الخيريين في هذا الوطن.
صحيح يوجد شيء من (حتى....) و ثلاثة عقود من الزمن كانت كافية لتأكل الأخضر
و اليابس. العشرية السوداء ، المأساة الوطنية حيث قضى الإرهاب على جل الكفاءات و
الإطارات الوطنية المتكونة ، التي دفعت الجزائر في سبيل تكوينها بالداخل و الخارج
الغالي و النفيس في جميع فروع المعرفة و الإبداع ، القادرة على التفكير و
المحاكمات المختلفة.
و كأن العشرية لم تكن كافية حتى جاء حكم العصابات و الشلة و العائلة و
الجهوية المقيتة القميئة ، التي اجهشت على ما تبقى من بريق بشري مسيّر ، فبعضهم
أتهموا و بعضهم هربوا وراء البحار ، و ما تبقى ضربت عليهم المسكنة و الذلة ،
يمثلون ذاك التمثال (المكاك) اليباني الثلاثي الوجوه : لايسمع و لا يرى لا يتكلم !
ثلاثة عقود من الزمن كانت كافية لنصل مخرجاتها هذه المرحلة التي يضطر فيها
الرئيس الجزائري أن يستقطع وقتا اضافيا و يلعب بدل الوقت الضائع ، باحثا عن أطر
وزارية لتسيير مرحلة حكومية يعتبرها المتتبعون مرحلة سيدنا يوسف مرحلة السبع
السنبلات العجاف رغم البحبوحة الريعية التي جنتها الخزينة الجزائر من عائدات بيع
البترول و في زمن جنون التاربخ ، الحرب الشاملة التي تشنها اسرائيل على دول
الممانعة العربية الإيرانية.
ثلاثة عقود بما يعادل جيلا بأكمله على مختلف الأصعدة و المحاور ، و البنى
الفوقية و التحتية صارت خارج معنى الحكامة الرشيدة ، فاقدا للشيء و لكل شيء و من
حيث كل شيء لا شيء.
ثم نتساءل أين دور الأحزاب ، بل أين الاحزاب ، و اين دور المجتمع المدني ،
بل أين المجتمع المدني ، أين دور الجماعات المنتخبة البلدية الولائية و البرلمانية
!؟
الجميع يترقب ، ينتظر ، الجميع حائرا في دهشة و ذهول يمشي و لا يعرف الى أي
هدف يسعى !.
صحيح دور الحزب حسب كل أعراف الحضارة الديمقراطية (حرية ، مساواة ، و
عدالة) الوصول الى الحكم ، غير أن هدف الحزب الأس و الأساس تكوين الأطر و الكفاءات
التي تقود البلاد و العباد سياسيا اجتماعيا ثقافيا اقتصاديا ز الى الإزدهار و بر
الامان.
لا تسأل عن حزب أستوزر قادته ، و صار رئيسه سفيرا ، و اغترب الباقي تحت أي
دريعة من الدرائع ، و هكذا...تم تفريغ المؤسسة الحزبية عن المكون السياسي ، و عوضا
عن تكوين اطارات الحزب و المناضلين كيما تستفيد منهم الدولة في مثل هذا الوقت
العصيب. صار الحزب هيكلا بلاروح تقوده نخبة محلية عروشية عائلية قبلية جهوية
بدورها تمارس التفريغ في احذاق للساكنة....
اذن عندما رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون يتخذ مثل هكذا قرار فهو
يسعى عن تأني و عدم تسرع في استغلال كل الوقت من أجل اختيار طاقم وكادر حكومي خلاق
مبدع للثروة و للجمال و في ايجاد البدائل ، و العودة الى الذات المحلية و اكتشافها
من جديد ، و منح الفرصة من جديد في سبيل تكوين ناشئة جديدة تقود البلاد محليا
وطنيا بمنظور عالمي متعولم ، متصالحا مع قوالب عصره لا افراط و لا تفريط.
في الأخير اهدي لكم هذه المساجلة بين حاكم و ابنه من روائع الفكر و الأدب
التمثيلي اليوناني :
- هيمون : ليس هذا ما يقوله أهل (ثيبة) ؟
- كريون : ألأهل ثيبة أن يملوا علي ما أصدر من أمر ؟
- هيمون : لا تنس أنك بعرشك حديث العهد
- كريون : و أيُّ الناس غيري يستطبع أن يملك في هذه المدينة ؟
- هيمون : ولكن الدولة لم تخلق لرجل واحد.
- كريون : أليست الدولة لمن يحكم ؟
- هيمون : نعم ، هذا حسن ولكن البلد ان كان خاليا مقفرا فعلى من تحكم ؟
طيلة ثلاثة عقود افرغوا البلد من الكادر البشري الكفء الإطار المكون ،
لنشهد اليوم هذه الحتمية و هذه النتيجة ، لكن يبقى الأمل قائما ان يجد السيد
الرئيس اوجها جديدة تورع الامل لبيسام في انفس الجزائريين ، يعرفهم ، تعيد للجزائر التي حقا تستحق فريق عمل وزاري
قادر على العصف الذهني و يخلصنا من هذه التبعية الريعية الهيدروكربونية ، و بحرر
الإقتصاد الجزائري من هذا الأسر الوحيد الأوحد الذي يعيدنا في كل دورة تاريخية الى
نفس الأسباب... مادام مدخل الباب الأوحد واحد مع أن سيدنا يعقوب يوصينا أن ندخل من
ابواب متفرقة.