الحسد الثقافي
العقيد بن دحو
دعنا نقر في البدء و في البداية كانت الكلمة ، حيث تكون على المستويين
الديني التوراتي و اللغوي الثقاقي : اذ اللغة و الدين طرفان في قضية واحدة سياسية
بالمقام الأول. ذاك أن الأداب و الفنون و
مختلف الانساق الثقافية الحضارية التاريخية الفلسفية تصاب بالمرض بشتى أمراض
المجتمع ، العضوية النفسية الذهنية. اذ لا يمكن فصل هذه القيّم عن الظاهرة
الإجتماعية.
فإذا كانت جنس الرواية اجمالا هي مرض الرواية ، و هي ايضا مرض الإنسان ،
هذا الإنسان الذي لا يكفيه ضميره ، بل ينبغي أن تقدم له اغراء انتهاك ضمائر اخرى
،وتجعله يعيش حيوات أخرى. و عوالم متداخلة و دوائر خربة من جنون التاربخ :
أوبئة...حروب...مآسي...فقر...كوارث طبيعية....الخ!
لكن مرض الأمراض الذي سيظل يعاني منه الأدباء و المثقفون و الفنانون هو آفة
"الحسد" بين مختلف الأجيال الادبية و الفنية و الزمر الثقافية . كل من
سمحت له الفرصة التقرب من السلطة السياسية التنفيذية ؛ يسامت السلطان لأسباب
ميكيافلية و تاربخية يغلق الباب وراءه و يغلق هاتفه ، و حتى السُلّم الذي كان
السبب في صعوده و تسلقه الى صفوة العليّة يحطمه و يكسره حتى لا يصعد آخر غيره...!
نرجسية الأديب الفنان المثقف المتسلق عندنا بكل ما تعني الكلمة ؛ بل هي
سادية يعيشها اذا ما شعر بمثقال تفوق على خلانه و رفاقه أولئك الذين شاركوه
اكراهات الحياة الأدبية ناهيك عن اكراهات الحياة الإجتماعية.
قد تحسب لعبة المجايلة بين مختلف الفئات الأدبية و الثفافية و الفنية و
احتكار المشهد في اطار اللعبة طبيعي جدا. اذ في نطاق الدائرة المثقفة الفئة
الإنتلجنسيا المختصة في الأنتاج المعرفي و صناعة الرأي و الرأي الآخر الإبداعي هي
فئة قليلة بطبعها و تطبعها بالنسبة لمساحة الجزائر الجغرافية و كذا بالنسبة عدد
الساكنة من الجنسين معا ؛ تمنع أي وافد جديد من المبدعين الناشئين. كما تظل هذه
الفئة على هذا الحال الى أن يبلغ معدل عمرها (45 - 50) سنة اسزى اصطلاحا حيب
سوسيولوجية الادب (روبيرا اسكاربيب) ب: " عتبة التوازن" ، أين تبدأ جذوة
شعلة سلطتها و تسلطها في النكوص ، و في العد التنازلي. أين تسمح هذه الفئة
الثقافية المغلقة عن حلحلت روابطها مكرهة لا بطل ، ثم يبدأ جيل جديدا في الحقول
الأدبية الفنية التشكل و هكذا دواليك....
ينطبق على الجميع القول السائد : لو دامت لك ما وصلت اليك !.
كُثُر هم الأدباء و المثقفون و الفنانون
يلومون و ينتقدون السلطة السياسية ، حتى اذا ما أعطيت لهم السلطة صاروا
دكتاتوريين أكثر تسلطا من الدكتاتور نفسه !.
كم هي مشاهد رأينا فيها الأديب الفنان المثقف اذا ما تولى السلطة ، يكون
اول من يضرب مبادئ الديمقراطية التي كان يتغنى بها قبل توليه المنصب السياسي عرض
الحائط ، لا يؤمن بمبدأ التداول على السلطة !.
هذا مرض ، لكنه مرض معتاد ، على المريض ان يعتاد على مرضه المزمن
كرونولوجيا اكلينيكيا صيدلانيا.. وأن يكون متصالحا مع الخرافة
(اسكولابيوس).
غير ان ما لا يبرر هو الحسد الثقافي هذا الذي يمنع افكارا جديدة و اجيالا
جديدة من التعبير و الحوار مع سائر افراد المجتمع.
الحسد أن تحافظ المجموعة الراديكالية على نفس الفرقة الموسيقية المسرحية
لتحطيم الذوق العام الجمالي ، و الجميع يدرك أن حل هذه الفرقة الأركائكية هو الحل.
أن خيانة الأوطان لا تتم على الحدود فحسب ، انما احيانا تأتي من المناطق
الرخوة المخملية، المؤمن عليها ، حين تطعن خاصرة القيم. عبر تشجيع الرداءة المقنن
، و عبر عرض بضاعة بشرية هي نفسها تتكرر عبر كل موسم دوري لا جديد فيها يذكر و لا
قديم يعاد.
تشعرك بأن المدرب السيء يقحم اللاعب السيء في الوقت التي كانت تهتف
الجماهير و الانصار بإقحام اللاعب الجوكير صاحبب الهدف القاتل في الوقت بالضبط
الذي يعلن فيه الحاكم صافرة نهاية المقابلة.
الحسد في الوسط الفني جعلنا من جديد نعيش القرى ، الحسد فيها رجلا يمشي بين
الناس ، و الحسد فيها ميراث !
لم أر قطاعا أستفحل فيها داء عضال الحسد مثل ماهو قطاع الثقافة و الفنون ،
على الرغم أنه قطاع غير سيادي و قطاع فقير ميزانيته السنوية تؤول الى الصفر !
و مع هذا (الأباء) يحسدون الأبناء و
(الأحفاد) على أن يكونوا بدورهم نوابغ في الأدب و الفن و الفكر و الخلق
عموما. حتى لا يضعونهم في ميزان (الرائز) و يخضعونهم لبارومتر و ترمومتر الابداع ،
التفكير ، و المحاكمة. و من ثمة يأتي التقد و نقد النقد مقوّما مقيّما يضع كل صنف
في حجمه الطبيعي الحقيقي لا أقل و لاأكثر.
لابد ان تعي مختلف مؤسسات الدولة هذه الامراض الثقافية الاجتماعية التي
باتت تتناقل عدواها من فئة الى فئة حتى لا أقول من جيل الى جيل. و أن تبادر الى
الوقاية اولا ثم الى المعالجة ثانيا و الى النقاهة ثالثا. و أن اقتضت الضرورة تلجأ
الى الدفتر الصحي الأدبي الفني الثقافي. لكن هذا بدوره لا يتأتى الا وفق احصاء
أدبي شامل على غرار ذاك الاحصاء التقليدي الدوري للساكنة و السكان كما هو معمول به
قي جل البلدان المتحضرة المتقدمة. و فق فكرة
هندسة و تخطيط (الجرس المقلوب) وهو المفقود عندنا وعند الدول العربية قاطبة
، المنشغلة بجمع الغنائم و الأسلاب الريعية (......)!.
الفساد ليس هو فساد مالي و مادي
فحسب ، انما الاخطر أن تعمد فئة متسللة - بدل الوقت الضائع - الى قطاع الثقافة و الفنون ليس لتبدع الجميل
حتى ان كان في غير موضعه ، و انما لتفسد الذوق الجمالي الرفيع الذي ضحى عليه السلف
الصالح و قدم نفسه قربانا على مدبح الحضارة الديمقراطية عدالة ، حرية و مساواة .
جماعة ضغط تزرع الجمرة الخبيثة بالجسد الذي اضناه و أثعبه و انهكه التهشم و التجشؤ
و التلكؤ و التلعثم العائلي العشائري القبلي الجهوي وخشيتنا مع التراكم أن ينزاح و
ينزلق نحو العنصرية المقيتة.
يوجد كثير...كثير من رجال المال و الاعمال
يوجد كثير...كثير من رجال الدولة
يوجد كثير...كثير من رجال الدين
لكن ان تكون رجل ثقافة ، رجل ادب ، رجل فن قومي وطني اصيل تُحسد ، تُبعد ،
تُهمش عن المشهد.
وحدها الرداءة تتصدر الصورة في زمن الصورة الديجيتالية المريضة المشوهة
الفوتوشوب !
تلك التي افرزت لنا المغني الفوتوشوب ، الممثل الفوتوشوب ، الرسام
الفوتوشوب... و حتى ان لم يحضر الجمهور
البركة في القليل كما يقولون موسومة بعنوان الحسد المتخفي الحسد الشبح.
فإن حسدوني ما أنكر *** قبلي اهل العزم قد حسدوا
فإن حسدوني فما انكر أني عقوبة لهم !
المثقف الحقيقي و الفنان الحقيقي
عقوبة للعديد من أولئك المحسوبين على قطاعات مهمة ليست لهم. لذا حقدهم
الاسود الدفين جعلهم يحطمون بمعاول كاتمة للصوت كل جميل شيده المبدعون بالدم و
العرق و النفس و النفيس.
ما يؤلم الشجرة حقا ليس الفأس انما المقبض الذي صنع من أحد فروعها. و ما
يؤلم المثقف الاديب الفنان الحقيقي حين يتلقى طعنات الغدر من لدن حاسد محسوب على
الثقافة و الفن و الادب !
(حتى أنت يا "بروتس") !؟