تيسير المغاصبه
قرية أم الدخان
-٢٣-
(لن تشرق الشمس أبدا )
قصة متسلسلة
بقلم :تيسيرالمغاصبه
٢٠٢٤
الفصل الثالث
-------------------------------------------------------
-٢٣-
قرية أم الدخان
شعر يحيى بأنه يعامل كغريب في منزل أسرته،فخرج للتجوال في الهواء الطلق عسى
أن يزول عنه بعض الضيق.
تمر به "زهور"وهي تحمل جرتها الفارغة وكانت متجهة بها إلى
القناة، فتستوقفه للتحدث إليه :
-والله نورت القريه بوجودك ياابن خالي؟
-هذا من ذوقك ..القريه نورت بأهلها
..شلونكي يازهور..ماشاء الله حليانه.
قالت بسعادة وغنج مفتعل:
-عن جد بتحكي؟
إقتربت منه أكثر وسألته مستوضحة وهي متمنيه في نفسها سماع النفي منه:
-ما شفتلك وحده من القريه مشان تجوزها يايحيى؟
-ههههههههه أنا ماإلي بالقريه غير أيام يازهور.
همست لنفسها بارتياح:
-الحمد لله.
وضعت جرتها على الأرض ومدت يدها ورائها و
أمسكت بجديلتها الطويلة جدا من
وراء ظهرها وجذبتها إليها وقالت:
-شوف جدولتي ماأطولها يايحيى..كل البنات بحسدوني على جدايلي؟
-ماشاء الله..حلوه ..والله بطلع إلكي إنهن يحسدنكي..فعلا جدايلكي طويله
كثير لو شوي بصلن الأرض ..بسم الله..ماشاء الله..تبارك الرحمن.
إنتشت زهور أكثر وأكثر وتوردت وجنتيها ،تمر بهما ابنة عمه وطفى فتشعر
بالغيرة والغضب فتنزل جرتها الممتلئة بالماء وتضعها على الأرض ،فتخاطب زهور ثائرة:
-أيوه ..خير يازهور ليش واقفه مع ابن عمي وبطقي حنك معاه ؟
ترد زهور بثقة :
-والله ابن عمكي ياوطفى بصير ابن خالي كمان ؟
-هي كلمه وحده بقولها إلكي ابعدي عن ابن عمي يازهور ؟
ردت زهور بكل ثقة:
-إنتي إلي بتبعدي عن ابن خالي أحسن
إلكي ياوطفى ..بعدين بحب إني أقلكي إنتي منتي بنت عمه باللزم ..يعني من بعيد لبعيد ..أبوكي سمحان مو
أخو أبوه حميدان..بس يحيى بصير ابن خالي أخو أمي..بعدين يحيى شو بدو يحب بيكي؟
لم تجد وطفى إجابة أمام حجة زهور المقنعة وهجمت عليها:
-تعالي جاي أوريكي شغلكي ؟
-إنتي إلي تعالي جاي ياشنعه..يادبه؟
ونشب عراك بينهن وإرتفع صراخهن كالقطط ،وأثارن الغبار من حولهن ..وكانت وطفى
تجذب جدائل زهور وزهور تنشب أظافرها برقبة وطفى المنتفخة.
حاول يحيى أن يفظ الاشتباك لكنه لم يستطع حتى تجمعت النسوة والصبايا حولهم.
رأت أخته رشيدة تلك المعركة وقالت وهي عائدة إلى منزلها:
-والله إنك فتنه للقريه يايحيى..والله غير إنك إتخربها فوق ماهي خربانه.
* * * * * * * * * *
يستمر صراع فتيات القرية للاستحواذ على قلب يحيى،وكل يوم كان ينشب شجار بين
إثنتين،أو معركة بين مجموعة فتيات .
فتحدث التطورات؛منهن من فسخت خطبتها من خطيبها بعد سنوات من الارتباط
..ومنهن من تصارح حبيبها بأنها لم تعد تحبه ولابد من قطع علاقتها به حتى لاتكون
مضطرة إلى خداعه.
فأصبح يحيى حلم كل فتاة في القرية.
يمر به "سعدون" ابن عمه ومعه قريبه "سميرو " أما هذا
الأخير فقد أطلق عليه هذا اللقب لأنه شديد الاسمرار؛أما اسمه الحقيقي فهو مصلح.
ويشير سعدون إليه بأن يذهب معهما إلى قريته "أم الدخان"لامضاء
أيام هناك .
يعود يحيى إلى المنزل و كانت أمه منهمكة في كنس باحة المنزل ،فيخبرها عن
رغبته بمرافقة سعدون إلى قرية أم الدخان، تهز رأسها موافقة دون حتى
النظر إليه.
يسير يحيى مع ابن عمه سعدون في الطرق المتعرجة،وكان سعدون يحدثه أحاديث مشوقة عن مغامراتهم في قرية أم
الدخان طوال الطريق ، وكان يحيى مستمتعا بتلك الأحاديث لذا لم يشعر بطول الطريق .
كان سعدون واسع الخيال ويبرع في قص الحكايات التي ينسبها إلى نفسه وصحبته
في القرية ؛وجميع تلك الحكايات كانت من
نسج خياله.
بعد ذلك يمر بهم رجل يركب عربة يجرها بغل كان متوجها إلى قرية أم الدخان
،فيسمح لهم بالصعود ،فيصلون في المساء إلى منزل عمه "سلطان".
يتعرف يحيى على اولاد وبنات عمه
"سعيدان" أخ سعدون الذي يصغره وأما بقية أفراد الأسرة فكن من
البنات ،أصغرهن "سميرة "وعمرها ست سنوات .
وعرف أن سميرة وسعدون هما اللذان إستحوذا على إهتمام الأم ودلالها، ولهذا
السبب كانا يعبران عن رأيهما بصراحة ،وحرية فيتلفظان بالالفاظ
البذيئة.
ففي السهرة تجتمع الأسرة وبعض النسوة والصبايا ويبدأ المزاح والنميمة
والضحك .
بالرغم من ذلك التحرر من كل القيم الأخلاقية إلا أن المحبة موجودة بينهم
،كذلك التماسك وإحترام رأي بعضهم البعض.
فذلك جعل يحيى يشعر بالضيق والغصة
عندما تذكر سوء أسرته وأحقادها وتفتتها مقارنة بأسرة عمه.
يرى يحيى امرأة بعمر أمه ،سوداء كالغراب ،قبيحة الصورة ،ثناياها الأمامية
مفقودة مم زادها ذلك قبحا ،اسمها "زرقا " اطلق عليها ذلك اللقب لأنها سوداء
جدا،كانت في منتهى القذارة والوقاحة والفجور ،وكانت عندما تنظر إلى أي شاب حتى لو
كان في عمر أولادها فأنها تعريه من ثيابه تماما بنظراتها الوقحة.
وكانت لاتكف عن النظر إلى يحيى متفرسة ،فترى "حسنية" زوجة عمه
تلك النظرات ،بل والتلميحات والسخرية منه وتضحك منافقة لها.
من ضمن تلميحاتها:
-هاظا الشب لخرس لويش هونا ..مهنه لو يقضبنه بنات أم الدخان غير يمزعن
هدومه عليه ويروحنه مشلح؟
عرف يحيى أن زرقا تكون خالة سميرو ،أخت أمه المتوفاه من سنوات.و زرقا أرملة
أخذت أخ سميرو الصغير لتربيته بعد وفاة أمه بحجة أنه إبن أختها والواجب يقتضي أن
تربيه هي ؛لكنها في الحقيقة كانت تطمع بأن
يتزوجها أبو سميرو.
في السهرة تقول سميرة الصغيرة المدللة مخاطبة أمها:
-ولكي يامره ماتقومي إتسوي شاي للنمامات الوسخات إلي عندكي ؟
فتضج باحة المنزل بالضحك ،وترد الأم:
-لا عيب ياسميره عيب ههههههههه ؟
يشعر يحيى بالدهشة من تلك الطفلة
التي تمتلك كل تلك الجرأة والكلام الذي يكبرها بكثير وهي لاتزال في السادسة من
عمرها.
تقول شكريه:
-إسمعن يانسوان في مره بقرية أم الملح كل عيالها بشبهو الكوريين وكانو
مستغربين كيف مره سمرا عيالها بشبهو الكوريين هههههههه غير لمنهم زاروها بدارها..
بتعرفوا ويش شافو ؟
ترد النسوان والصبايا معا:
-ويش شافو ياشكريه؟
-طلع في شباب كوريين عزابيه مستأجرين بجنب دارها هههههههه؟
يحضر خال سميرة بصحبة بعض الشباب الأقارب فتطلب أمها منها كالعادة المرور
بالشباب لأستقبالهم ومنحهم قبلة الشفاه التي علمتها إياها أسرتها وأتقنتها على سبيل الترحيب ،فيقول
خالها "حميد" وهو يعرف
بانحرافاته وهوسه بالنساء وتصرفاته الغريبة:
-بس أنا خالكي ياسميره لازم نصيبي يكون عشر حبات؟
فتمر بهم كل واحد على حده وتطبع قبلة على فمه، وعندما تنتهي من دورتها
عليهم جميعهم تقول لها أمها :
-بس ما حبيتي يحيى ..هذا ولد عمكي ..يله روحي حبيه ؟
فتستعد الفتيات والنسوة لمشاهدة قبلة يحيى ..تذهب سميرة إلى يحيى . تقف أمامه منتظرة أن يبادلها القبلة . لكن يحيى ينكس رأسه خجلا
..تعود سميرة وقد خذلها أحدهم لأول مرة.
* * * * * * * * *
يشعر حميدان بالحزن الشديد على فقدان غروب وعبدالله معا،ويمضي أيامه
بالبكاء،وبعد أن قطعت الحكومة مرتب
عبدالله الشهري وتم إنفاق قسم من التعويض على جنازته ،وأما القسم الأخر فأخذه
عليان بعد أن وعد حميدان بإنشاء بقالة له،لكنه ماطل وماطل وإستولى أخيرا على بقية
النقود .
تعاني أسرة حميدان من العوز
والحاجة من جديد ،فتعود لتطلب الإحسان من عليان زوج ساره .
في نفس العام يموت حميدان بنوبة قلبية .
فلم يكن رحيل حميدان شيئا يذكر أمام موت الكثير من الأطفال والشباب
المتأثرين بحمى الكوليرا.
يقول أحدهم:
-إحنا قضينا على الملاريا بالشاي إلي متعودين عليه بدون مانعرف..بس
الكوليرا كيف بدنا نعرف شو دواها يارب.
أما زكي فبعد وفاة الأب فقد تنمر على
أخوته الصغار ومارس تحرشاته المتكررة على أخواته القاصرات، وعقوقه لأمه
،فوجدت نفسها مضطرة لأن تشكوه لعليان دون إخباره بالحقيقة كاملة،وحقيقة أفعاله.
خصوصا أن عليان يعلم كم هو مهزوز ويستطيع
تأديبه وفرض شخصيته عليه ،
فيأخذه عنده ،لكنه بعد أشهر يقبض عليه متلبسا بتحرشاته الجنسية ببنات أخته
فيقوم بطرده من البيت بعد أن يضربه ضربا مبرحا،ويعود أخيرا إلى منزل أسرته.
* * * * * * * * *
تستمر السهرات الماجنة في منزل عم يحيى، تقول زوجة عمه ضاحكة:
-ماسمعتن يانسوان ..ولد فريجه الزغير وهي بتلاعبه شخ بثمها ههههههههه؟
تقول زرقا :
-إسمعن يانسوان والله إنو بكل قرانا مافي ولد ماشخ بثم أمه..حتى هاظا ولد
أختي سواها بي اسكتن؟
تقول سميره بصوتها المرتفع:
-عارفات حالكن مشالله .. قرية ممحونات
الله يخزيكن والله غير إنه الله يسخطكن سخط؟
فتقول أمها :
-عيب هههههههه ؟
تقول وضحا:
-ههههههههه والله إنها صدقت سميره
الله يخزيكن يانسوان قرانا إلي خبصتن الدنيا وخلطتن الحابل بالنابل وفرقتن
بالانساب..هاظا برد لعيلة كذا ..وهظاك برد لعيلة كذا ..مافي وحده إلا عندها ولد
حرام واحد على الأقل؟
قالت زوجة عمه :
-ماعدى زينه خلفت ثلاثه بالحرام؟
-زينه ..بالله عليكي يا حسنيه بتقولي جد؟
ترد حسنيه:
-والله هي إلي قالت بلسانها انا ماجبت كلام من عندي هههههههه ؟
يقول سعدون ممازحا:
-آآآ خخخ منكن يانسوان؟
ثم يقول لأمه:
-يمه بالله عليكي ..ياخيتي إنكي إتجاوبيني عن جد وماتجذبي علي ؟
-قول يا وليدي ياسعدون قول :
-أنا يمه من ظهر أبوي وللا من ظهر واحد ثاني؟
-ههههههههههه والله ياوليدي إني مابكذب عليك ..والله إنك من ظهر أبوك؟
فقال لها:
-طيب عيوني بعيونكي يمه ؟
فنظر بعينيها ممازحا وقال:
-يمه ...أنا من ظهر أبوي هههههههه ؟
-هههههههههه والله إنك من ظهر ابوك ياوليدي؟
-أبوي سلطان ؟
-أيوه أبوك سلطان هههههههههه .
وتنفجر النساء والفتيات ضاحكات..مندهشات من ذكاء وفطنة سعدون.
ومن الجانب الآخر ،وفي غرفة مغلقة يجتمع سلطان عم يحيى بالاقارب الرجال
ويلعبون القمار ويحتسون الخمر.
في الصباح يكون يحيى في إنتظار متى يفيق أولاد عمه من نومهم العميق
لمرافقتهم للذهاب إلى البرك الدافئة للسباحة فيها ،وبينما كانت ابنة عمه "نجوى" تتحدث إليه محاولة
كسب قلبه ،كانت سميرة تقترب منه كثيرا ضاغطة نفسها على ركبتيه ،فيبعدها عنه برفق
ويصلح وضعية جلوسه بإنزال ركبتيه.
قالت نجوى:
-هظول خم نوم هههههه مطولين خليني أروح أسويلك بريق شاي ؟
وعندما ذهبت نجوى وقفت سميرة أمامه متحدية ..لم يستطع إيجاد أي تفسير
لنظراتها..فباغتته ورفعت فستانها وغمرت رأسه به ،فأبعدها عنه بغضب ،وقال لها:
-روحي من هون وله؟
لكنها بصقت على وجهه وذهبت .
(يتبع...)
تيسيرالمغاصبه
١٧-٥-٢٠٢٤